أهلا وسهلا بالأخت إيمان مروكي
كتبت الأخت إيمان تُخبرُ بأن الأقاويل كثرت في الآونة الأخيرة تدَّعي بأن الشيطان يُجري المعجزات. ومن أجل الحفاظِ على الأيمان المستقيم وحمايةِ الأطفالِ خطرَ الأنحرافِ سألت: #هل ممكن للشيطان أن يعملَ المعجزات حتى يُضِّلَ الشعبَ المؤمن ليتبَعَه ؟
ما هي المُعجزة ؟
ما يفهَمُه عامة الناس عن” المعجزة ” أنَّ قُوَّةً خارقة تفعلُ ما يعجزُ الأنسان على فعلهِ بشكلٍ طبيعي وبقدراتِه البشرية. أما الكتابُ المُقَّدَس فقد أعطى للمعجزة بُعدًا أوسع وأشمل. يبقى عُنصُرُ ” الإعجاز” رئيسيًا فيها. ولهذا برز الإعجازُ بنوع خاص يُلفِتُ الأنتباه. أمَّا المعجزة فهي، في هدفها،”آية” للتدَّخل الألهي في حياة الأنسان اليومية، خاصَّةً في الأزمنة المحرجة .أشرفَ حِزَقْيا الملكُ على الموت وقظع أمَله بالعافية و وصَّاه إشعيا بكتابة وصيتِه الأخيرة. إسترحمَ الملكُ اللهَ فشفاه ليُعلِمَه أنه قريبٌ منه وأنه يحميه من عدُّوه. يكفي الملكَ أن يثقَ بالله ويسمعَ كلامه. عالجَ إشعيا قرحَ الملك ليُشفى. وطلب الملكُ ” آيةً “، علامة، أنه سيُشفى. لم يكن الشفاءُ ذاتُه المعجزة، ربما كان ممكنًا أن يُشفى بالدواء، مع أنَّه تمَّ أيضًا بشكل خارق. أمَّا المعجزة الأهم فكانت الآية التي تؤَّكدُ الشفاء، تؤَّكدُ قرب الله ورعايتَه فرحمته. وكانت المعجزةُ أنْ تراجعَ ظلُّ الشمس، على طلبِ الملك، عشرَ درجات، أي غابت الشمس بعد موعدها بوقت غير قصير، وعاش الملك بعدَها خمسَ عشرة سنةً (2مل20: 1-11).
ولمَّا شُفيَ نعمان من بَرَصِه إعترفَ أن ” لا إلهَ في الأرضِ كُلِّها إلا في إسرائيل .. فأنا لن أُقَّدمَ مُحْرَقةً ولا ذبيحة بعدَ الآن لأيِّ إلَهٍ، بل للرَّب “(2مل5: 15-17). ولمَّا شَكَّ زكريا ولم يُؤمن بكلام الملاك فآنخرَسَ كان خَرَسُه آيةً أنَّ اللهَ لا يستهزئ بالناس ولا يكذب مثل البشر (عدد23: 19-20)، وكلمتَه ” لا ترجعُ إليه فارغةً بل تعملُ ما شاءَ اللهُ أن تعمَلَه ” (اش55: 11). وما كانت معجزاتُ يسوع سوى آياتٍ لوجودِ الله في الناسوت وإقامةِ مملكتِه الروحية على الأرض بين البشر، وعلاماتٍ لمخبتِهِ ورحمتِه الغزيرة تجاه البشر رغم خطاياهم و معاصيهم. فما المعجزةُ إلا علامةُ الصلةِ القوّية بين الله والأنسان إضافةً إلى محبتِه ورحمتِه ورعايتِه الأبوية من جهة، ومن أخرى على وجودِ الله وقيادته للكون. المعجزةٌ إذا أيةٌ إيجابية يُجريها الله لخير الأنسانية، بجانبِ الخير الخاص الذي يناله الفردُ المؤمنُ بالله والواثقُ به وبقدّيسيه، والسائلُ لهذه النعمة بنوعٍ خاص وبسبب خاص. فالمعجزةُ عملٌ، كما قال يسوع، من أعمال الله (متى11: 1-6؛ يو 5: 30 و36).
الشيطان والمعجزات !
هنا يطرحُ السؤالُ نفسَه :” هل الشيطان يُحِّبُ البشر ويريدُ خيرَهم”؟. وهل يريدُ أن يُؤمن الناسُ بالله ويطيعوا كلامَه؟. أما أظهرَ منذ بداية البشرية أنه ” كَّذابٌ وأبو الكذب”، وأنَّه يريدُ هلاكَ الأنسان؟ (يو8: 44). أما طلبَ من الله رفع الحصانة عن أيوب ليُهلِكَه؟ (أي1: 8-12؛ و2: 4-8). أما طلبَ أن يُغربلَ رسلَ المسيح كالقمح ؟ (لو22: 31). وهل في الشيطان خيرٌ حتى يعملُه لغيرِه؟. أ لم ينْصِبُ نفسَه عدُّوًا للمسيح وللمسيحيين فيثيرُ عليهم الإضطهادات ليُبيدَهم ؟ (رؤ12: 3-17). فماذا تكون المعجزات التي تتشَدَّقُ بها وسائلُ التواصل الأجتماعي وتريدُ أن تخَدَعَ، مثل مُحَّرِكها، الناسَ وتُخَّدرَهم ليلتهوا بها عن الحقيقة فيهلكوا ؟ !. لا تبدو تلك المعجزاتُ المزعومةُ سوى تجربةٍ من نوعٍ جديد لأغراءِ الناس و إغوائِهم فينبهروا بعنفِه ويتبعوا تعليماتِه في البغض والإرهابِ والقتل والدمار.
يسوع والشيطان !
روى متى الرسول :” جيءَ إلى يسوع برجُلٍ مَسَّهُ الشيطان، أعمى وأَخرَس، فشفاهُ حتى تكَلَّم الأخرَسُ وأبصَر” (متى12: 22). كان الشيطانُ قد أفقدَ الرجلَ البصرَ والنُطقَ. وهل هذا خير؟. وهل هو مُعجزة؟. كم أعمى وأخرس فقدوا أيضًا حواسَهم بسبب ظلمِ الناس و جُرمِهم، بتحريض الشيطان وتشجيعِه ؟. أما الله فقد أعطى الأنسان الحواس لتخدمه في الحياة. حياتُه بدونها ناقصة ومؤلمة. فأين عملُ الشيطان من عمل الله؟. إنه يُقاومه ويريدُ القضاءَ عليه. وكيف شفى يسوع الممسوس؟. أخرجَ منه الشيطان الذي أساءَ إليه فطرَدَه. ولمَّا عرفَ الفريسيون، وهم يرفضون الأيمان بيسوع والأعترافَ به أنه المسيح، إتهموه بأنه يتعاطى مع الشيطان وأنَّ الشيطان هو الذي أجرى المعجزة. ربما هكذا يفعلُ أبطال وسائل التواصل الأجتماعي؟ . لكنَّ ردَّ يسوع كان قوِّيًا فأفحَمَ الفريسيين وأسكَتَهم.
مع ذلك لقد تحَدَّثَ يسوع عن أنَّ ابليس وأعوانه الشياطين، ومن تطَّوعَ من البشر لخدمتهم، سيخدعون الناس ويُضِّلونَهم. وقال:” سيَظهرُ مُسحاءُ دَجَّالون وأنبياءُ كَذبَة، يأتون بآياتٍ عظيمة وأعاجيبَ لو إستطاعت لأضَّلت المُختارين أنفُسَهم.. فلا تُصَّدقوا” (متى24: 4-16) . وقد ذكر سفرُ الرؤيا بعض تلك المعجزات، مثل :” الكُفرُ العلني بالله، بآسمه وبيتِه وبأهل السماء. والكبرياء. محاربة القديسين (المسيحيين) والأنتصار عليهم ،{ كما فعل في سهل نينوى قبلَ أربع سنوات}. يسجُدُ له أهلُ الدنيا،{لأنه يستعمل العنفَ والترهيب عوض المحبة والعدالة والغفران}” (رؤ13: 1-10). وذكر يسوع بعض معجزاته الأُخرى منها إثارة الفتن والحروب والدعاية للجريمةِ والفساد، و” ستُسَّلمون (القديسون!) إلى العذابِ وتُقتلون ، و تُبغِضُكم جميعُ الأمم من أجل اسمي.. ويظهرُ أنبياءُ كذابون يُضلون الكثيرين، ويتفاقمُ الفِسقُ فتفتَّرُ المحَّبةُ في أكثر الناس” (متى ف24). و”معجزات ” الشيطان في عصرنا كثيرة منها : زواج المثليين، والأجهاض، والطلاق، و القتل الرحيم وقد غَلَّفَها الشيطان بكلام معسول مُنَّمَقٍ أغوى حتى بعض” المختارين”، و غطَّاها بلباس مُزركشٍ بَرَّاق يغوي” الحب، والحرية، والحَّق الطبيعي، والرحمة ، والعدالة على طريقة أهل العالم وليس حسب شريعة الله”. وقع في فخ ابليس مُختارون كثيرون جهلاً أو ضُعفًا أو تعَّلُقًا بأهوائِهم، ولأنهم إعتبروها تفسيرًا لشريعة الله ومُطابقة لمشيئتِه.
يتألم المسيحيون كثيرًا من هذه المعجزات ويدفعون ثمنًا باهظًا لحماية أنفسِهم منها لكنهم يقدرون التغَّلب عليها بالوقوف تحت صليب المسيح. و يسوع وعدَ بأنَّ من يصمدُ أمام هذه الآلام الى النهاية فهو يخلص أي ينال مع يسوع إكليل المجد (متى24: 13؛ رؤ13: 10). ولن يضيعَ حَّقُهم المهدور، والرَّبُ هو الذي يهتَّمُ بذلك (رؤ6: 10-11). وأما الشيطان وعملاؤُه فمصيرُهم ” مستنقعُ النارِ والكبريت حيث يكابدون العذابَ نهارًا وليلاً أبد الدهور” (رؤ20: 9-109.