أهلا وسهلا بالشماس بطرس آدم.
سمعَ الشماس قوما يقولون ” الملكوت والخلاص لا يُنالان بالصلاة والصوم والصدقة، بل هما عطية ٌ يمنحها المسيح لمن يشــاء ، بغضّ النظر عن كل شيء “؟. يقول السائل :
+ ما معنى هــذا ؟
الخلاص ، ماذا يعني ؟
لما أخطأ آدم ، الأنسان الأول، خسر صداقة الله ومعاينته وجها لوجه فآنسحبَ خارج الفردوس. وعد الله بان يُنقذَ الأنسان ويُحَّررهُ من سلطان ابليس ويُعيدَهُ الى صداقتِه ومشاركتِهِ حياتَهُ في المجد والسعادة. هذا هو الخلاص. وحتى يتم كان ينبغي أن يتخلص الأنسان من تداعيات خطيئتِه. وكانت رسالة المعمدان أن يُعَّلم الناسَ :” أنَّ الخلاصَ هو في غفران خطاياهم”(لو1: 77).
كتبَ مار بولس لأهل أفسس بأنَّ هذا الخلاص لم يستحقْه البشر، ولم تكن أعمالهم ، وهم تحت نير الخطيئة، قادرة أن تنقذَهم، فقال:” جاءَكم الخلاص من النعمة وبالأيمان ” (أف2: 8). وأكَّد هذا التعليم لأهل رومية حيث كتب :” جميعُ الناس أخطأوا فحرموا مجدَ الله. لكنهم نالوا الخلاص مجّانا بنعمتِه. ويعودُ الفضلُ الى الفداء الذي قام به يسوع المسيح”(رم3: 24) و فسَّر قوله بأنَّ هذا إختيارُ الله ” لايعودُ الى إرادة الأنسان ولا الى سعيِه ، بل الى رحمةِ الله “(رم9: 16). أى لم يستحق الأنسان بأعماله هذه النعمة ، بل هي ثمرةُ رحمة الله. فيتابع قوله :” وإذا كان الأختيارُ بالنعمة ، فليس هو بالأعمال ، وإلا لمْ تبقَ النعمة ُ نعمة ً(رم11: 6).فلهذا أضافَ بولس لأهل أفسس :” فليس الخلاصُ منكم ، بل هو هبةٌ من الله، ولمْ يأتِ من الأعمال فلا يحّقُ لأحدٍ أن يفتخرَ”(أف2: 9).
الأيمـان والأعمال !
قال بولس :” ..جاء الخلاص من النعمة وبالأيمان “. أي حتى ينال الواحدُ خلاص المسيح المجَّاني يحصلُ عليه بالأيمان به. هذا قاله أنجيل مرقس :” من آمن وآعتمد يخلُص أما من لم يؤمن فسيدان “(مر 16:16).وقاله بولس :” البشارة هي قدرة الله لخلاص كل من آمن” (رم1: 16).لأننا ” نهتدي بالأيمان لا بالعيان “(2كور5: 7)، فنخلص لا بما نراه بل بما نؤمن بوجودِه وشريعتِه. لقد صَّيرنا الأيمان خليقة جديدة :” وإذا كان احدٌ في المسيح فإنه خلقٌ جديد”(2كور5: 17)، لا نرَّكز على الجسد بل على الروح، لأن أعمال الجسد تميت بينما أعمال الروح تُحيي (رم8: 4-6). وعن الأيمان يُضيفُ يعقوب الرسول ويقولَ :”.. الشياطينُ أيضا تؤمن.. والأيمان بلا أعمال شيءٌ عقيم .. إيمانُ إبراهيم أعان أعماله .. فآكتمل بالأعمال .. وكما أنَّ الجسدَ بلا روح مَيْتٌ كذلك الأيمانُ بلا أعمال مَيْتٌ ” (يع2: 19-26). عاد بولس فأكَّدَ لأهل أفسس أنْ قد خلقنا الله من جديد ” في المسيح يسوع للأعمال الصالحة “(أف2: 10)، التي هي زينة النساء (1طيم2: 10) وفخر الأرامل (1طيم5: 10) وسلاحُ المؤمن بها يُفحمُ جهالة الأغبياء (1بط2: 15).
جـزاءُ الأعمـال و عقــابُها !
قال الرب يسوع بأنَّ كلَّ إنسان سيُحاسبُ يومَ القيامة على سيرته ” ويُجازي الربُ يومّئذٍ كل واحد حسبَ أعماله” (متى16: 27). هذا ما كتبه بولس لأهل كزرنثية :” في يوم الرب ستمتحنُ النارُ قيمة عمل كل واحد “(1كور3: 13)، وينكشفُ قضاؤُه العادل ” فيجازي كلَّ واحد بما قدمت يده، إما بالحياةِ الأبدية… وإما بالغضبوالسخط…فالشّدةُ والضيق لكل آمرئٍ يعملُ الشّر،…والمجدُ والكرامة والسلام لكل من يعملُ الخير”(رم2: 6-10). وأكَّدَ سفرُ الرؤيا أنَّ أعمالَ الأنسان تصحبُه بعد الموت وتُقَّيم (رؤ14: 13). فالبعضُ يُعاقب كل واحد بأعماله (رؤ20: 12-13؛ 18: 6) والبعضُ الآخر ” يتزَّين ويلبسُ الكتان الأبيض الناصع. والكتان هو الأعمالُ الصالحة التي عملها القديسون ” (رؤ19: 8). إنه ” ثوبُ العرس” الذي يتوشح به الأبرار، والذي لا يحصلُ عليه يُلقى في الظلمة البرانية (متى22: 11-13).
ما رأي الواعظ المخضرم ؟
قال لوثر المُصلح البروتستانتي بأنَّ نعمةَ الخلاص المجانية لاتغفرُ خطيئة الأنسان بل تُخفيها فقط. والأيمان بالمسيح والأعمال الصالحة التي طلبها لما قال:” ليس كلُ من يقولُ لي يا رب ! يا رب! يدخل الملكوت بل من يعمل بمشيئة أبي السماوي ” (متى7: 21)، وكانت مشيئة الله” أن خلقنا للأعمال الصالحة “، كل هذه حسب لوثرلا تضمنُ الخلاص. الخلاص برأي لوثر عشوائيٌ ومزاجي : ساعة الموت يقررُ الله ، حسب مزاجه في تلك اللحظة ، هل يُرسلُ المّيْتَ الى السماء أم الى النار، بغَّض النظر عن حياتِه وإيمانه!.
أما تعليم الكنيسة الكاثوليكية هو بأن موت المسيح غفر لنا الخطيئة شرط أن نتوب (لو23: 34 ؛متى4: 17). وأعطانا حياة جديدة روحية أى بقوة الروح القدس الذي حلَّ فينا ويُرشدنا الى الحق ، ويُوزع علينا من مواهبه لبنيان البشرية ويساعدنا على أنْ نعطيَ ثمارَ الروح (غل5: 23) ونحيا أيماننا عاملين بالمحبة التي بدونها يبقى الأيمان ميتا. وحياة المحبة هي الأعمال الصالحة التي عاشها المسيح ويُطالبنا أن نعيشها مثله فنشهدَ له بحياتنا، فنكون مثله نورا وملحا وخميرة. ولا قيمة لصلاتنا وصومنا وصدقاتنا وكل أعمالنا إذا لم تكن مبنية على إسم المسيح وعلى محبته. لكنه قال : صَّلوا كل حين ولا تملوا (لو18: 1)، وإذا صمتم فلا تعبسوا كالمرائين (متى6: 16)، لأنَّ ” أباكم شاءَ أن يُنعمَ عليكم بالملكوت. بيعوا مقتناكم و تصَّدقوا بثمنها ..” (لو12: 33). وإذا أدينا هذه الأفعال كتلاميذ للمسيح وشهادةً له عندئذ لايضيعُ أجرنا عند الله حتى لو لمْ يتعَّدَ ” كأسَ ماءٍ بارد ” (متى10: 42). إننا لا نستحقُ الخلاص الذي وفَّرَه الله لنا مجانا ، إنما نقتنيه. لقد فتحَ لنا بابَ الفردوس ولكن علينا نحنُ أن نسلكَ طريقَه ونتوَّجه اليه لندخله.