أهلا وسهلا بالأخ رامي زهير أوبي.
قرأ رامي لو 23: 34 “قال يسوع : يا أبتِ إغفِرْ لهم، لأنهم لا يعرفون ما يفعلون “، فسأل:
1- لماذا ذكر يسوع سببَ الغفران ؟. وأضافَ سؤالا آخر ، هو :
2- إذا كانوا يعلمون ما يعملون ، هل كان ما غفـرَ لهم ؟ وتابع يسألُ :
3- هل المغفرة يجب أن تكون بسبب ، أم نغفر بدون محسوبيات ؟ وينهي بملاحظة ، هي : إنه يغفرُ فقط عندما يعترفُ المقابل بخطأه أو يعتـذر !!
لأنهم لا يعــلمون !
لما إتَّهمَ اليهودُ يسوع ظلمًا وصلبوه عرفوا أنهم يفعلون ذلك. ولما إستنكروا عليه إدّعاءَه أنه ” ابن الله الحي ” عرفوا أنهم يتهمونه بالتجديف. ومادةُ التجديف تخضع لشريعة القتل. ولكن هل تيَّقنوا أنه فعلا يقول الحَّق وأنه المسيح إبن الله الحي ؟. هنا السؤال ؟. نحن لا نعلم أنهم أدركوا فعلا عمق جوهر يسوع الألهي أم لا؟. أما هم فأبدوا شكَّهم فيه حتى ثاروا مرة في وجهه قائلين:” حتى متى تدخلُ الريبة في نفوسِنا؟. إن كنتَ أنت المسيح ، فقُل لنل صراحةً ” (يو 10: 24). وآستنكروا عليه غيرَ مرةٍ ذلك : ” ما أنت سوى إنسان ، و جعلتَ نفسَك الله” (يو 10: 33؛ 5: 18). لاسيما وهو لا يتقيد بشريعة راحة السبت : ” ليس هذا الرجل من الله لأنه لا يرعى السبت ” (يو9: 16)؟. وراحة السبت حسب العلم السائد بينهم من أجيال هي من الله ويجب التقيد بها شرعيا!. هل إفتهموا وعلموا أنه فعلا لا يُخالف الله ، بل إتهموه زورا وبُهتانا لأنَّ أحبارَهم ” أسلموه بسبب حسدهم “؟(مر15: 10). يقول مار بولس بان ” لم يعرف العالمُ اللهَ بحكمته “. حكمة الله في الصلب لم ” يُدركها أحدٌ من رؤساء هذه الدنيا. ولو عرفوها لما صلبوا ربَّ المجد ” (1كور1: 21؛ 2: 9).
إدَّعى اليهود أنهم لا يعرفون هويته : ” أما هذا فلا نعلم من أين هو” (يو9: 29). وقد أكَّد يسوعُ أيضا أنَّ اليهودَ عامّة ً والرؤساء خاصّة لم يعرفوه على حقيقتِه اللاهوتية :” أنتم لا تعرفوني ولا تعرفون أبي ” (يو8: 19). كما أكَّد لهم أيضا أنهم لم يفهموا الكتاب المقدس ، ” أنتم في ضلال لأنكم تجهلون الكتب وقدرة الله “(متى22: 29؛ يو5: 39)، لانهم يحكمون في الظاهر فقط دون الغوص الى عمق هويته (يو7: 24).
نعم لمْ يعرف اليهود أنَّ من يصلبون هو بالحقيقة الهَهم ومسيحَهم. ولهذا إستأسدوا عليه وهو مصلوبٌ وآستهزأوا منه :” إن كنتَ ابن الله .. وآنزل عن الصليب…فلينزل الآن لنؤمن به. إتكلَ على الله فلينقذه الآن ، إن كان راضيا عنه. فقد قال : أنا إبن الله “(متى27: 40-43). إعتقدوا أنهم يتخلصون من ممسوس متهَّور يُجَّدف ويشَّوهُ الأيمان. ومن جهةٍ ثانية جهلوا جسامة فعلهم ونتائجه الوخيمة عليهم. لو أحسوا بها لما أقدموا على قتله.
جهـلٌ ، لكنه مسـؤول !
لكن هذا لا يبررهم بحيث يستحقون الغفـران. يهوذا الأسخريوطي أيضا لم يقَّدر بشاعة خيانته. لكن المسيح لم يبرر خطيئته. لأنه أخبرَه عن فظاعة الخيانة ومقايضة الحب بحفنة من المال.!. وكذلك لم يبرر يسوع الرؤساء خطيئتهم. بل أثبتها عليهم وهي رفض البحث عن الحقيقة ومقاومتها بينما لهم أكثر من حجةٍ واحدة للتأكد من هـويته :” لو كنتم عميانا لما كانت لكم خطيئة. ولكنكم تقولون إننا نبصرُ، فخطيئتكم ثابتة “(يو9: 41). يخالفون شريعة الله ” لا تقتل ” بحجة الألتزام بشريعة موسى بقتل المجَّدف !.
إذن غفران يسوع لا يأتي جوابا على جهل اليهود. إنما أتى نتيجة حب الله للأنسان ورحمته غير المحدودة. بل يعترف الكتاب أن المسيح مات ” من أجل خاطئين”. يقول مار بولس : ” أما اللهَ فقد دلَّ على محبته لنا بأنَّ المسيح قد مات من أجلنا إذ كنا خاطئين” (رم5: 6-8)، رحمة ً منه ” ليظهرَ يسوع المسيح طول أناته فينا “(1طيم1: 16). أما ” لأنهم لا يعلمون ” فربما يعيننا من جديد مار بولس ، عندما يقول :” نلتُ الرحمة لأني كنت أفعلُ ذلك بجهالةٍ وقلة ايمان “(1طيم 1: 13)، جهالة الجسامة والنتيجة. يمكن أن نقارن هذا بما قاله يسوع : ” لو علم رب البيت في أية ساعة يأتي السارق لسهر ولم يدع بيته يُنقب “. هكذا لو عرف الأنسان مدى خطورة عدم الأيمان بالله وسماع كلامه لآمن به ولم يخالف وصاياه قط.
كان بإمكان يسوع ألا يذكرَ جهلَ البشر وهو يغفرُ لهم. وإذا ذكره فربما حتى يُعَّلمَ الكنيسة و قادة العالم ألا يتسَّرعوا في إدانةِ الناس الخاطئين في ظاهر أعمالهم. إذا صَّوبَ صَّيادٌ ناره نحو فريسة ، توَّهمها غزالًا أو خنزيرًا، وقتلها. ثم عند التحقيق من النتيجة ظهرَ أنه قد قتلَ رفيقه الصياد. فهل تعَّمدَ في ذلك؟. كلا. هل هو مجرم؟. كلا. مع ذلك هو قاتل. ولن يكون حكمه قاسيا مثل الذي يُصوب إنسانا على بعد خمسة أمتار منه ويقتله بوعي وإصرار. يبقى الأنسان ، في نظر الله، جاهلا تنقصُه خبرةُ جسامة الخطيئة. ولهذا تتفاضلُ نعمة الله وتفيضُ رحمتُه (رم5: 20)على حسابِ عـدلِه. ولذا يُمكنُ أنْ نفهمَ طلبَ يسوع بأنه يسأل الآب ألا يُعاملَ البشرية بعدلِه بل بعظمةِ رحمـتِه ، كما سبقَ وسأل ذلك داود الملك فقال: ” إرحمني يا الله برأفتك و بكثرة مراحمك أُمحُ معاصّيَ” (مز51 : 1).
لا يريد الله موتَ الخاطيء بل أن يحيا ! 2بط3:9-10
أما إذا علمَ أحدٌ أنَّ ما يعملُه خاطيء يقوده الى الهلاك ومع ذلك يتمسك به فمثلُ هذا لا ينالُ الغفران أصلا، لأنه يعرفُ مسَّبقًا نتيجة فعله السيئة ويرضى بها بمعنى أنه يرفضُ الله و لا ينوي أن يتوب. فالله من جهتِه لا يفرضُ مشيئته عليه ، ولا على غيرِه. فتحَ اللهُ الباب على الفردوس السماوي وكل إنسان يختارُ بحريتِه أن يتجهَ نحو باب الخلاص أو باب الهلاك. دعا الله كل البشرية الى سلوك درب الحياة في السماء و وضعَ لها في الطريق عونا وغوثا والذي هو عطشان الى ماء الحياة ليؤمنْ بيسوع ويُصغ ِ اليه (يو7: 37).
إغفِـروا يُغفَـرُ لكم ! لو6: 37
لابُدَّ أن يكونَ سببٌ حتى نغفرَ لمن يُسيءُ الينا. إمّا لأنَّ الخاطيءَ يعتذرُ، وإمّا لأننا نحّبُ. و نُحب لأننا نؤمن بالمسيح. والمسيح علَّمنا ألا نُلوثَ قلبَنا النقي بدنس الخطيئة. وإذا أخطأ إلينا أحد، إعتذرَ أو لم يعتذرْ، علينا نحنُ أن نغفر له حتى يغفرَ لنا أبونا السماوي زّلاتِنا. هكذا نصَّلي كلَّ يوم :” أغفر لنا خطايانا كما نغفر نحن أيضا لمن ..”. وأكَّدَ يسوع أنه إنْ لمْ نغفِر نحن، دون قيدٍ أو شرط، للذين أساؤوا إلينا لن يغفر لنا هو أيضا ذنوبَنا (متى18: 35). أما نتمَّنى أن يُعاملنا الناس بالطيب واللطف والسماح وبعدم محاسبتنا عند تقصيرنا تجاههم أو الإساءةِ اليهم ؟ إذن لنبادرْ نحن أولا ونسلكُ هكذا(لو6: 27-31).
نكرَ بطرسُ يسوع. وقال الكتاب بأنه بكى بكاءًا مرا. أى تنَّدمَ بشدة على فعلتِه وتابَ عليها. ولكن لم يذكرْ لا بأنَّ بطرس إعتذرَ حرفيا ولا بأنَّ يسوعَ طالبه أن يعترفَ بذنبه. أحَّسَ يسوع بندم بطرس وسأله إنْ كان يُحّبُه كثيرا لكنه لم يفرض عليه الإعتذار الرسمي والعلني. ويسوع قدوتنا في كل شيء ، وسلوكه درسٌ بليغٌ يفضلُ على آرائنا ويُذَّريها.
الغفران دليلُ الحب وثمرُه. والحبٌ واجبٌ كما لله هكذا للقريب. وبالنتيجة يجبُ أن نعتذر من الله أو القريب وأن نسامح من كلِ قلبنـا.