أهلا وسهلا بالأخ ســامر فرنسو. سأل الأخ سامر ما يلي :
1- هل يستطيعُ الشيطان أن يأخذ أو يتقمَّص صورةَ إنسان ؟ يعني هل من الممكن للشيطان أن يتجَّسَـدَ ؟.
2- هل عليَّ ، أنا كمسيحي، أن أحّبَ “” داعش “” ، لأنَّ السيدَ المسيح يقول : أحّبُوا أعداءَكم، حتى لو كان ما يُسَّمى بـ ” داعش” من جندِ الشيطان ؟
هل يتجَّسدُ الشيطان ؟
تحَّدثَ مار بولس عن المسيحيين المُزَّيفين الذين يتظاهرون بمظهر القديسين وليسوا في باطنهم سوى ذئابٍ مفترسة فقال :” إنهم قومٌ كذّابون وعَمَـلةٌ مُخادعون يتزَّيونَ بـزّيَّ رسلِ المسيح. ولا عجب فالشيطانُ نفسُهُ يتزَّيا بـزّيِ ملاكِ النـور…”(2كور11: 13-14). إذن يؤكدُ مار بولس بأنَّ للشيطان قدرةٌ على أن يخدعَ الناس فيتظاهرَ لهم بأشكالِ أجسام ٍ بشرية ، بل حتى بشكل ملاك ، أي بشكل كائنٍ صالح وبار، عكسَ ما هو عليه من الشر.
تَروي قصةُ حياةِ القديسة ترازيا الكبيرة بأنَّ إحدى راهباتِها الصالحات بدأت ترى شكلا جّذابًا إدَّعى أنه يسوع يقُّصُ عليها تعاليم لاهوتية ويطلبُ منها أن تقوم بنشاطٍ روحي بدى وكأنه عميقٌ لكنه مُريح. وتكررت الرؤى والأحاديث. وكانت الراهبة ترويها للقديسة وللراهبات. تكررت الرؤى بشبه يومي وكأنَّ المسيحَ يُلقنُ الراهبة دروسًا في اللاهوتِ الروحي.
فبدأت القديسة تستغربُ الحالة وتشُّكُ في صحَّةِ مصدرها. خاصَّة وبدتْ بأفكار روحية رجعية تتضاربُ و أمنيات ترازيا في تجديد الرهبنة. لاذتْ القديسة بلاهوتيين وأساقفة. إحتاروا بما عاينوا لكنهم لم يشكوا بأنَّ الرؤى تأتي من مصدرٍالهي. لم ترتحْ ترازيا الى تقاريرهم. فآستشارت القديس يوحنا الصليبي مُرشدَها الروحي وطلبت منه أن يدرس الأمر و يهتَّمَ به بنفسِه. فآستمع القديس الى وصف الراهبة لشكل الرؤية وما لَّقـنه يسوع إيّاها. ولم يطل به الأمرُ حتى إكتشَفَ الخدعة وعرفَ أنَّ صاحب الشكل الجميل الجذّاب لم يكن سوى ” إبليسَ” بعينهِ. ومن تلكَ اللحظة إنقطعت الرؤى عن الراهبة.
ليس ظهور الشيطان تجَّسُدًا ولا تقمُصًّا. أولا: لا يوجد تقمُّص بمعني أن روح الأنسان ترجع ،بعد الموت، فتحيا من جديد في جسد مختلف عن الأول: إما في جسم حيوان لتتعَّذبَ الروح وتدفعَ ثمن شرورها ، أو في جسم إنسان مُكرَّم وعظيم مكافأة لها لسيرتها الفاضلة. يعيشُ الناس بعد الموت بأجساد روحية تتنعَّم أو تتعَّذب حسب أعمال حياتها (1كور15: 44-49). ثانيا : لا يوجدُ تجَّسُدٌ إلا في حالة واحدة ، هي أن يأخذ كائنٌ روحي جسدا ماديا حقيقيا ، لا خياليا. وتمَّ هذا في شخص المسيح ، إذ إتحّدَ اللـهُ الكلمة، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، بجسدٍ بشري ،” والكلمة صار جسدا وسكن بيننا ” (يو1: 14). وهذا لن يتكررَ. لأنه عملُ الله وحده ، ولأنه تمَّ لأجل كشف وجه الله الحقيقي ، ولأجل فداءِ الأنسان بدفع ثمن خطيئته. وقد أكمله يسوع المسيح، الأله المتجَّسد.
داعش جندُ ابليس : هل أُحّبُه ؟
كلُّ مؤمن يجد نفسَه أمام إختيارين: إما أن يعترفَ بيسوع أنه المسيحُ الأله ومن ثمَّة َ يعيشُ و يلتزمُ بشريعتِه؛ وإما أنه يرفضُ الأعترافَ بيسوع ولا يتقَّيدُ بشريعتِه. لا حلَّ وسط بين الأثنين: فـ ” يا سامر “، ويا مسيحي أيا كنتَ ، أنتَ شاهدٌ لحياةِ المسيح وتعليمِهِ. إما تشهد له بأفعال حياتِك وإما تنكرُ المسيح. المسيحُ علَّمَ :” أحّبوا أعداءَكم “. وهو نفسُه أعطى المثل على ذلك عندما غفر لصالبيه. غفر لأنه أحَّبَ الأنسان وأحبه الى الغاية (يو13 : 1). عاداه اليهود، إتهموه ، بصقوا في وجهه، لبَّسوه تاج الشوك ، ضربوه ، وصلبوه، و آستهزأوا به ورغم كلِ ذلك غفر لهم :” يا أبتاه إغفِر لهم لأنهم لا يدرون ما يصنعون” (لو23: 24). و طلبَ منا أن نفعلَ مثله. لأنه حيثُ يفشلُ العنفُ يفلحُ الغفرانُ والحُّبُ.
ومحَّبة “” داعش””” لا تعني الخنوع أمامه، ولا تبريرَ أفعالهِ ، كأنها صحيحة ، أو تقليدَها وكأنها تنفعُ: لا. وألف لا !!. إنما محَّبة داعش تعني ألا نسمحَ للكره أو العنفِ أن يدخلَ الى حياتِنا. بل نجعلَ حياتَنا نموذجا لحياةِ المسيح فنشهدَ له بسلوكنا وتصَّرفاتِنا. أن نكون صورة أخرى حقيقية ليسوع المسيح في مجتمعنا ، حسب الزمن والمكان، ومنارةً لتعليمهِ وأخلاقِه حتى يرى العالمُ نماذجَ للحق والمحَّبة فيتعَّلمَ منها ويسلكَ دربَ الخلاص. وبمحبتنا لـ “داعش ” لا نعني أننا نبَّررُ أفعالَهم وكأنهم أناسٌ جيِّدون. بل نريدُ أن نُفهمَ العالمَ كله ، والأرهابيين في مقَّدَمَتهم ، بأنَّ العنفَ ضد طبيعةِ الأنسان ولا يحُّلُ أيَّ مشكلةٍ ، بل يُعَّقدُها ويُمَّددُها. أما الحَّلُ الوحيد لكل مشاكل البشرية هي المحَّبة التي بها يُصبحُ جميعُ البشر عائلة واحدة ، لأبٍ واحد هو الله ، فيتفاهمون ويتعاونون عوضًا عن أن يتصارعوا ويتفانوا. وإذا أحببْنا ” داعش” فلا نحبُّهم لأنهم جندُ الشيطان. لا !. بل لأنهم خلائقُ الله ، ولأنَّ المسيحَ قد ماتَ من أجلهم ، ولأنَّ الله لا يريدُ موتَ الخاطيء ” بل أن يتوبَ ويحيا أمامه “(1بط3: 9-10). ويزدادُ بهذا أجرُنا عند اللهِ ومجدُنا.
لسنا نحنُ من يُقَّررُ ما هو الصحيح وما هو الخطأ. المسيحُ مخَّلصُنا وقائدُنا هو الذي قـرر. وهو خَّطَ لنا هذا الدرب : ” أُدخلوا من الباب الضَّيق” (متى7: 13)، الباب الذي يعارضُ آندفاعَنا الغريزي نحو الحقدِ والكُرهِ والعِداء. الباب الذي يجعلنا نتغَّلبُ على ردود فعلنا العفوية لنتَّصرف بعقل ومنطق وإيمان. محبة الـ “داعش ” تعني أن نسامحهم على أخطائِهم وندعوهم ونساعدهم على أن يتوبوا ليعيشوا بدورهم حياة كريمة كما يريدها لهم الله. إنهم مرضى وضحايا حسد ابليس وإرادته في هلاكهم. أما نحن فلن نتبع ابليس في سلوكنا ولا نسَّهلُ له مهّمتَه ، بل نبرُزُ سلوكَ المسيح الذي يُنقذ العالم من بلاياه ونتقَّيدُ بوصّيَتِه. نحن لسنا أعداءَ لأحد. ولا عدُّوَ لنا. ومن يُعادينا نعتبرُه جاهلاً ونحاولُ أن نكسبَه بإيماننا. هذا ما ينصحُنا به مار بولس قائلا : ” لا تجزوا أحدا شرا بشر…سالموا جميعَ الناس إن أمكن…لا تنتقموا لأنفسكم. بل دعوا الأمر لله… إذا جاعَ عدُّوُكَ فأطعمهُ ، وإذا عطشَ فأسقِهِ…لا تدعِ الشَّرَ يقهَرُكَ ، بل إقهَرِ الشَّرَ بالخير” (رم12: 17-21).