أهلا وسهلا بالأخت ماري م نمـرود.
كان ســؤالها كالآتي : هل للـه يدٌ بالشر الذي يحدُثُ في الـدنــيا ؟
حتى نجيب على سؤال كهذا يجب أولا أن نوَّضح ونُحَّددَ ماذا نقصُدُ بـ ” للـه يـدٌ “؟. هل نعني بها : دورٌ فعَّـال؟ أم مشيئة ٌ بتحليل العنف؟ أم قرارٌ بقصد إحراز نتيجة قد خطط لها؟. أم ماذا نعني؟. نقدر بشكل عام أن نجيب بـ “| نعم * و */ لا |”.
..*.. نعـم !
قال الرب :” لا يسقط عصفور على الأرض بغير علم أبيكم “(متى10: 30). حتى الشر يعلم به الله قبل أن يقع. ولو لم يسمحْ به لما حصل. عرفَ الله بأنَّ آدم سيخطأ قبل أن يخلقَه ، ولكنه لم يمنعه عنه لكي يستعملَ حريته ولا يعيش عبدا بلا كرامة. وإن إستعمل حريته حتى ضد الله فأخطأ، لكنه سيتحرر من خطأِه ويسحق رأس عدوه ابليس الذي وَّرطه فأغواه، وهو ما زال يافعا جاهلا لا خبرة له بالحياة. و بسبب خطأِه وَّذُّلِهِ سوف يتعلم الدرسَ و سيستعمل عقله و ينتصر على الذي كذب عليه ، فيتحَّذرُ ابليس ويتجنبُ الكذب.
عرفَ الله أن ابليس يحاول أن يبيد البشرية بالطوفان. والسببُ خطيئة الناس وفسادُهم. من يأكلُ الحصرُم تضرسُ أسنانه. الخطأة يدفعون ثمن فسادهم. الله يُحَّذرُهم، ثم يُنَّبههم، وإذا لم يتوبوا يتخلى عنهم. أى لا يُجبرهم على أن يكونوا صالحين. يعرُض لهم نتائج فضيلتهم أو شرهم. وعليهم أن يختاروا بملءِ حريتهم مصيرَهم : هل يريدون الله ويسمعون كلامه ، أم يتبعون أهواءَهم الخاصة ويتحَّملون نتيجة سلوكهم؟. وإذا لم يُوقف الطوفان وبالتالي إبادة الأشرار، إلا إنه أنقذ نوحًا وعائلته الأبرار من الهلاك.
عرفَ الله أنَّ أولادَ يعقوبَ ناوونُ على قتل يوسفَ أخيهم بسبب حسدهم منه وأحلامه التي أزعجتهم. مع العلم حتى الأحلام كانت من الله. لم يمنع الله حقدَ الأخوة ومحاولتهم قتله إنما أنقذه منهم بسماحه أن يبيعوه. وكان الله يعلمُ بحدوث مجاعة تهددُ حياة شعبه المختار. فتركَ يوسف يتألم ويعاني، لكنَّه عَّزاه بأحلامه السابقة التي سندته فصمد ، إلى أن أصبحَ ملكا في مصر، خزان الخيرات آنذاك ، وأنقذ إخوته وشعبه بسحبهم الى هناك فعاشوا وكوَّنوا شعبا كبيرًا يتهَّيأ ليُصبح على يد موسى أمة ثم دولة.
إذن كان للـه في كل هذه وفي غيرها كثيرة لا تحصى، منها موت يسوع الغفَّاري وخلاص البشرية، يـدٌ خفية ومشيئة بمعنى انه سمح بها وحَّوَلها بعده الى خير أعظم من الخسارة التي تحمَّلها المؤمنون الصالحون.
**.** لا !
ليس للـه أبدًا يدٌ ، أى نيَّةٌ وتخطيط ، في الشر الذي يحدثُ في الدنيا. لأنَّ الله الخالق هو ” محَّبة ” وهو ” أب “. خلق الأنسان ليكون صورة منه في المجد والسعادة. هذا ما رمز اليه الفردوس. وسلَّطهُ على كل الكون والكائنات وكيلا عنه يقودُها الى كمالها. ولهذا فهو لا يريد لأبنائه لا شرا ولا ألمًا ولا عذابا. ولا حتى يُعاقبُهم على شرهم وفسادِهم. فأبناؤُه حتى العاقون والخطأة لا يُريد لهم سوءًا، ولا يريد لهم الهلاك. بل يدعوهم الى التوبة. والخاطيءُ اذا تاب لا يهلك. هذا ما صَّرحَ به في سفر يونان، وأوحاهُ الى حزقيال النبي قائلا :” الشرير الذي يتوب عن جميع خطاياه … الذي يحكم بالحق والعدل ، فهو يحيا ولا يموت… أ بموت الشرير يكون سروري، كلا. بل بتوبته عن شَّره فيحيا” (حز18: 21-23). وأكد يسوع هذا الأمر بقوله:” لم يُرسل اللهُ ابنَه الى العالم ليحكم على العالم بل ليُخَّـلِصَ به العالم “(يو3: 17 ). وأنقذ يسوع الزانية من الرجم وذكَّرَها بالتوبة وعدم العودة الى الخطيئة (يو8: 7-11).
ودعا يهوذا الى التراجع عن غيّهِ السَّييء، نبَّهه وحذَّره من مغبة ما نواه (مر14: 20-21)، لكنه لم يرعوِ.
سّـِرُ الله أنه يحترم خليقته التي صنعها مثل نفسه حرة. لأن كلَّ واحد يُعطي ما يملك. يملك الله الحرية و الحياة. أما السوء والفساد ضد الحياة فلا يمكن لله أن يُعارضَ نفسَه ويفعلها. الله مصدر كل خير وعطاء صالح (يع1: 16). قلنا أنَّ الله محبة. والمحبة كما قال الرسول ” لا تفعلُ السوء “(1كور13: 5). نعرفُ أنّ أيوبَ تشَّكى كثيرا من الله حتى إتهمه بقوله : ” أنا بريءٌ بلا معصية.. هو الله يختلقُ المبررات ..ويُقَّيدني ثم يراقبني” (اي33: 9-11). أجابه الرب :” أ حَّقًا تريد أن تنقضَ حكمي وأن تدينني لتبَّرر نفسَك “؟ (اي40: 8).. وفي الأخير إعتذر ايوبُ من الله قائلا :” أخفيتَ مشورتَك ولم تبُحْ بها… الآن رأتكَ عيني (عرفتُك). لذلك أستردُ كلامي وأندمُ ..” (أي42: 3-6).
إن الناس لا يتعمقون في أعمال الرب و لا يفقهون سلوكه وسببَ تصَّرفِه بشكل معَّين أو عدم قضائِه على الشر وحفظ الأنسان منه. بكذا تصَّرف نبُرهن أننا لا نبحثُ عن معرفة الحق ولا عن كيف نتفاعل معه. بل نرغبُ فقط ألا يجعَ رأسُنا ونُلقي الحملَ والمسؤولية على عاتق الله ناسين، أو غاضين الطرفَ،عن أنَّ البشرهم الذين يصنعون الشر وليس الله. والله يحترمهم حتى في شَّرهم لأنه أبٌ محب وخالقٌ كريم. ومن جهةٍ أخرى نُبعد عن أنفسنا مسؤولية مقاومة الشر. لا نحاول أن نفهم ماذا يريده منا الله. نريد أن يحتضننا الله مثل أم لأطفالها ترضعهم وتلبسهم وتذود عنهم وهم نائمون على صدرها. نتنعَّم بكل شيء ولا يؤذينا شيء ولا نتحَّملَ مسؤولية شيء. أما الله فبالعكس يريدُ منا أن نكون “رجالا” يتحملون مسؤولية بناء المجتمع لا أطفالا يتدللون. هكذا قال الله لأيوب : ” من هذا الذي يُغَّـلفُ مشورتي بأقوال تخلو من كل معرفة ؟. شُّـدَ حيلَك وكن رجلا ! لأسألك فأَخْبِرْني”(أي38: 3 ؛ 40: 7).