أهلا وسهلا بالأخ دلوفان مرادو
رأى الأخ دلوفان حلمًا تكَّرَر” أكثر من مرة”، قوامُهُ : ظهرَ له رجلٌ لابسًا أبيض، وآنطلقا بعيدًا وأراه شلّالاتِ مياهٍ غزيرة. بينما يُمَّتعان عيونهما بآلمنظر الخَّلاب ويتجاذبانِ أطراف آلحديث إنقلب آلمنظرُ إلى فيضان ضخم، ” مثل حجم الجبل”، بدأَ يتَّجهُ نحوَهما فآرتعبَ. و يقول : ” قلتُ لصاحبي ما ذنبُ أطفالي وأطفال آلعالم. إقتربَ آلفيضان مني فطلبتُ آلرحمةَ من صاحبي. قال لي: إرفَع إبنَكَ للسماء. رفعتُ ابني من تحت يدي الرجل الأبيض وقلتُ : ما ذنبُ هذا الطفل ليغرق؟. فتراجع الماءُ في الحال ولم يُؤذينا “. ثم أضاف عن إبنه :” لا أعرفُ من أين جاءَ إبني؟. عمره الآن 8 سنوات، ومن عمر 3 ثلاث سنوات توَّقفَ عن آلكلام. يتكلمُ فقط إذا إحتاج إلى الأكل والشُرب”. ثم سألَ :” كيفَ تُفَسِّرُ هذا الحلم؟”.
ما هو الحلم ؟
الحلم ظاهرة يختبرُها جميع الناس، تقول عنها قواميس اللغة أنها ” صور غير متجانسة ، مخربطة، خيالية لا تتحَقَّقُ، قلما يتذكرها الصاحي بوضوح، إذ تتبَخَّرُ سريعًا. فالحلم يدُّل على أن النوم لا يشمل المخ والذاكرة، يكون عادةً نتيجة نوع الحياة التي نعيشها. فآلتاثيرات الصحية والأجتماعية وآلآمنيات الباطنية تطفو على السطخ بشكل احلام.
وإن كانت أغلب آلأحلام غير واضحة وصورها غريبة ومغوَّشة، إلا إنَّ بعضًا منها لا تدع المجال للشك على وضوحها، ويتذكرها النائم، عند النهوض، بتفاصيلها. مثل حلم السائل الكريم. وأمثاله كثيرة عبر الأجيال. وقد روى عنها أناسٌ كثيرون، وتحَقَّقَت فعلاً بعد فترة، قريبة أو بعيدة. إن لم يكن بتفاصيلها فأقَّله بمغزاها. و الكتاب المقدس يذكر أمثلةً منها غير قليلة. ربَّما أشهرها أحلام يوسف الصِدّيق إبن يعقوب، وأحلام زملائِه السجناء في مصر، وفرعون ، وكيف فُسِّرَت، وكيف تحققت بدقَّةٍ مدهشة. كانت رؤَى إلَهية كشفت مصير يوسف وزملائه السجناء والمجاعة الموشكة على الوقوع (تك37: 5-10؛ 40: 5-23؛ 41: 1-7، 25-32). إنَّها رُؤًى باطنية أكثر من أحلام.
وفي العهد الجديد نقرأ عن أحلام فيها يُـبَّـلغُ الربُّ رسالة مباشرة وتوجيهًا : أحلام يوسف البتول (متى1: 20-21؛ 2: 13-15، 19-23) ؛ ورؤى مار بولس الليلية (أع16: 9-10؛ 20: 22؛ 27: 23-26).
حلمُ دلوفان !
أنا لستُ مُفَّسِرًا للأحلام. لكن سمعت قِصَصًا كثيرة عن أحلام مشابهة، لأقرباء لي وأصدقاء ، تحققت بعد حين. كانت رسالة باطنية في الضمير تُنذرُ، أو تُحَّضر لمواجهة أحداث قادمة حصلت. وقد يكون حلم دلوفان أيضًا رسالة سماوية يكشف له آلوضع القائم ويُشَّجعه على التفاعل معه بشكل ينفعه ويزيل قلقه. فـتكرار الحلم نفسه، عدَّة مرّات، دليل على أهمية تلك الرسالة. وبياض اللبس يشيرُ ألى نقاوة وصِدق الرسالة، وأنَّها آتية من عند الله. وقد يكون الرجل اللأبس ابيض قديسًا، يجُلُّه دلوفان، جاءَه بعون سماوي. جمال الشلالات يشيرُ الى جودة الطبيعة وأن ما صنعه الله حسنٌ جدًّا (تك1: 31). لكن تدخل الشرير يُفسدُ الأُمور، ويقلبَّها إلى طوفان يُهَدِّدُ بآلهلاك. كما حدث على أيام نوح. كان الطوفان من تخطيط ابليس لأبادة الأنسانية. سمح به الله للأشرار. لكنه سبق وأخبر نوحًا بذلك. أنذر الأشرار أنهم سيهلكون. لُهملهم الله لأنَّهم لا يسمعون كلامه. أنقذ اللهُ الأبرار، نوحًا وأولاده، لأنهم سمعوا كلامَه، وبنوا الفُلكَ لينجوا من آلهلاك القادم.
إتَّجهَت الشلالات نحو دلوفان تهَّددُه بالهلاك. لم يفكر بنفسِه بل بـ” أطفاله وأطفال العالم ” الأبرياء، فصرخ ” ما ذنبهم ليغرقوا “. هكذا قال ابراهيمُ لله عندما أنذر سادوم بالهلاك :” أيهلكُ الصِدّيقُ مع الشّرير”؟. يجيب الرب ” لا أُزيلُ المدينة، لو وُجِدَ فيها عشرة أبرار، إكرامًا لهم” (تك18: 22-32). لا يرضى الله بالإساة إلى أطفال أبرياء. اللهُ عادلٌ ورحوم لا يدين البريءَ بشر الأشرار، والذي يخطأ وحده يهلك (حز18: 20). وإبن دلوفان لم يخطأ حتى يُصابَ ببليته. يطلب دلوفان الرحمة من الرجل رفيقه. فيقول له الرجل :” إرفع إبنكَ للسماء “. فآلرجل رسولُ السماء. ويرى دلوفان إبنه بين يدي الرجل”، مع أنه لم يرافقهم في النزهة. فيرفعه الى السماء، يُقَدِّمه لله ، كما قدم إبراهيم ابنه اسحق لله. قَبِلَه الرب وأنقذه من الموت. هكذا قبل الله تقدمة دلوفان فأنقذه من الهلاك، وسيُنقذ إبنه من مصيبتِه.
وهكذا قد يكون الدرس : لا تُسرعوا بتفسير المرض بـ ” هل هو أخطأ أم أبواه ليُصابَ بهذا المرض” كما قيلَ ليسوع. أجابهم “لا هو أخطأ ولا أبواه ..ولكن لتظهر قدرة الله وتعملَ فيه ” (يو9: 2-3). الله لا يعاقبُ الشّرير سريعًا مثل البشر، بل يُعطيه فرصة التوبة. الله يسمح بالشَّر لكنه قريبٌ من الأنسان، في ضيقه، ليُغيثَه ويُعينه. فلا يضعف آلمؤمن ولا ييأس ولا يتشَّكى من وجود بلايا وشدائد يُثيرُها الشّريرُ. الله أقوى من ابليس وأعوانه. لقد غلب يسوع ابليس وآنتصر على ضيقات العالم (يو16: 33)، ومن يثبت في آلأيمان ويصبر على الشِدَّة حتى النهاية يخلص (متى24: 13). ومن يثق بالله ويقرع بابه ويسألُ رحمته ينالُ نعمته و عونه (متى7: 8).
قد تكونُ حالةُ ابنِ دلوفان نتيجة مرض أو من فعل الشّرير. أتوا الى يسوع بـ ” أخرس، فيه شيطان. ولما طرد يسوعُ الشيطان ، تكلَّم الأخرسُ” (متى9: 32-33). فإن كان المرضُ يعود الى الجسد فآلطبُّ يُعالجُه. ولكن قد يكون عملا روحيًا فآلعلاج عند الله باللجوءِ إليه و آلإستغاثة برحمته. إنَّهُ آلآبُ السماوي الذي يُحِّبُ ابناءَه ولا يُريد لهم سوءًا، يستجيبُ كلَّ طلبةٍ عند الوقت الملائم ، وبطريقته الألهية. ولا تنقُصُ اليوم ، كما في الماضي، معجزاتُ الله بشفاعةِ القديسين، الذين ترتفع صلواتهم الى الله على يد الملاك مع دخان البخور” (رؤ 8: 4)، لأنهم يتبعون ” كلمة الله، لابسين كتّانًا أبيضَ نقِيًّا ” (رؤ19: 11-14).
وما ذنبُ أبرياَء كثيرين يحترقون بنار الأشرار، بل على يدهم، مثل أطفال بيت لحم وكلِّ الشهداء الذين سكبوا دماءَهم لأنهم صمدوا في آلحَّق ولم يضعفوا أمام الشَّر، ولم ينجرفوا في تيَّار مباديء أهل العالم وإرهابهم ؟. بل هؤلاء أبطالٌ وقِدّيسون و لهم أيضًا نموذج : ” المسيح ” : الذي سيق كنعجةٍ الى الذبح .. ظلم ولم يفتح فاه .. ولم يُمارس العُنفَ ولا كان في فمه غِشٌّ ” (اش53 : 7-9). صمد في إيمانه على الحَّق والمحبة وغفر لصالبيه ، وصبَرَ حتى ظفر. فالصبر على الشدة والسماح نعمةٌ وقُـوَّة لا جبن ولا تخاذل.