أهلا وسهلا بالأخت مريم ميخــائيل.
لاحظت الأخت مريم أن إنتقال مريم العذراء ” بالنفس والجسد الى السماء” لم يُذكر في الكتاب المقدس. فسألت :
– إذن على أي إستناد تحتفلُ الكنيسة كل سنة بعيد إنتقالِها؟. وأضافت سؤالا آخر :
– هل هنـاك آية في الكتاب تذكرُ طلب شفاعة مريم ؟
الحرفُ يقــتُل !
تُكتُبُ أغلب الكتب التأريخية بعد الأحداث بعقود بل بقرون. ويستندُ المؤرخون أغلبَ الأحيان على شهادة أناسٍ عاصروا الحدث ، أو شهودٍ نقلوا عن أسلافهم ما روته الأخبار الشعبية. بخصوص الكتاب المقدس ، العهد الجديد، بدأ تدوينه حوالي عشرين سنة بعد موت المسيح وقيامتِه. وآستمرت الأسفار تُدَّون ، الواحد بعد الآخر، الى حوالي سنة 100م. أى خلال فترة خمسين سنة. ولم يستهدفْ الكُتَّابُ نقل وقائع تأريخية لكل ما حدث من قول أو فعل. بل نقلوا جزءًا منها ما رأوه ضروريا حتى تؤمن الأجيال التالية بالمسيح وتحيا للأبد. هذا ما قاله الآنجيل حرفيا في يوحنا20: 30-31. نقلوا لنا الحقيقة الأيمانية عن شخص المسيح. ويسوعُ صَّرح ألا يؤخذ كلامه حرفيا بل روحيا وحيويا(يو6: 63). ويؤكد مار بولس أنَّ إيماننا لمْ يبن َ على الحرف بل على الروح (1كور3: 6)، فعلينا نحن إذن أن نسلك سبيل الروح لا الجسد أى الحرف. (رم8: 4)، ” لآنَّ الحرفَ يقتل ويُميت “!.
التقـليد !
لم يذكر الأنجيليون ولا بقية كُّـتابِ العهدِ الجديد ” إنتقال مريم العذراء بالنفس والجسد الى السماء”. لكن التقليدَ المسيحي حفظ لنا ، منذ عهد الرسل، مع أسفارٍ أخرى كتبت بعد العهد الجديد خبرَ إنتقال مريم العذراء. وآحتفلت الكنيسة بهذا العيد منذ القرن الميلادي الثاني ، بعد عيدي القيامة والميلاد. لقد تقَّلدَ المسيحيون جيلا وراء جيل خبر هذه الحقيقة ، وتعَّمقت الكنيسة شيئا فشيئا في معانيه ومُبَّرِره وضرورتِه. ربما إعتبروا الخبرَ أولا طبيعيا غير مُهّمٍ ، مثل بقية أحداث حياة يسوع التي لم تُذكر. ولكن إزاءَ الخبر التقليدي تعَّمقت الكنيسة في قراءة الكتاب المقدس وآفتهمت الحدث بمعنى أجلى. فلما قرأت الكنيسةُ عن العذراء مريم و قرأت نصَّا مثل ” ويستقّرُ جسدي مُطمئنًا لأنك لا تترك نفسي في الجحيم، ولا تدع قدّوسَك ينالُ منه الفساد” (أع2: 27)، ولمَّا قرأتْ في سفرالرؤيا عن المرأة الملتحفة بالشمس والقمر تحتَ قدميها (رؤ12: 1)، أدركتْ بعمق سّرَ إنتقال جسد مريم الى السماء حيثُ جسد يسوع، لآنَّ كلا الجسدين لم تمسَسْهما الخطيئة الأصلية ، ومريم نموذجٌ وضمان لتمجيد أجسادنا في السماء، حيثُ يكون لنا جسدٌ روحاني لا يفسد، على صورة جسد يسوع السماوي(1كور15: 46-53)، ويسوع ومريم متحدان وشريكان متعاونين في فـداءِ البشرية.
والكـنيســة !
وتقولُ الكنيسة بأنَّ إنتقال مريم العذراء ” إشتراكٌ فريدٌ في قيامةِ ابنها ، وآستباقٌ لقيامةِ المسيحيين الآخرين ” (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية ، رقم 966). ونحن نعلم أنَّ المسيح كَّلفَ الكنيسة ، قبلَ أن يُكتَبَ حرفٌ من العهدِ الجديد، بأن تُعَّلمَ البشرية حقيقة رسالتِه وتُبَّلغهم إنجيلَ الحياة ، وتُتلمذَهم له (متى28: 19). وعَدَها بالعصمةِ عن الخطأ (متى16: 18-19)، وأكَّدَ أنَّ من لا يسمع لبطرس والأساقفة وخلفائِهم يرفُضُهم المسيحُ نفسُه (لو10: 16). فإنَّ السلطة التعليمية توصلُ حقيقة المسيح وكنيستِه جيلا بعد جيل ، وتكملُ تعليم يسوع بقـوَّةِ الروح القدس الذي يُرشدُها ” الى الحَّقِ كُلِه ” لأنه يكشفُ لها حسب حاجة كل جيل ما لمْ يكشفُه يسوع للتلاميذ ، كما قال :” لا يزالُ لدَّيَ أشياءُ كثيرة أقولها لكم. لكنكم لا تطيقون الآن حملّها. متى جاءَ روحُ الحَّق ، أرشَدَكم الى الحَّقِ كله” (يو16: 12-13). والكنيسةُ لم تُعلن عقيدة ” إنتقال مريم العذراء” ، رغمَ معرفتِها بذلك ، إلا لما كشفَ لها الروح أنه من الضروري إعلانُ ذلك لخير المسيحيين أجمعين. وتم ذلك يوم 1/11/1950 فقط !.
وعـن طلب شــفاعة مريم !
لم تطلبِ الكنيسة يوما إلزامَ المؤمنين بطلب شفاعة مريم. ولكنها أحَّستْ بشفاعتها العظيمة عندَ يسوع. ولما رأت أن إبراهيم تشَّفعَ لدى الله لأبرار سدوم (تك18: 20-26)، وموسى لشعبِه وآستجابَ له (خر32: 11-14؛ 30-35)، وأعيان اليهود لقائد المئة (لو7: 3-6) ، و قرأت نشيد العذراء حيث تقول ” سوفَ تُهَّنِئُني جميعُ الأجيال لأنَّ القديرَ آتاني فضلاً عظيمًا “(لو1: 48-49)، وسمعت يسوع على الصليب يُكَّلِفُ مريم برعاية إخوتِه المؤمنين وطلبَ الى المؤمنين أن يتخذوها أمًّا لهم (يو19: 26)، وسمعت اليصابات تمدح مريم :” مباركةٌ أنتِ في النساء..ما أن وقعَ صوتُ سلامِك في مسمعي حتى إهتَّزَ الجنينُ طربًا في بطني” (لو1: 42-44). تحّيَتُها وحدَها كَّفتْ حتى تقَّدسَ يوحنا ، وهو جنين في شهرِه السادس ، و تُطّهرُه من الخطيئة الأصلية، كيفَ تكون النتيجة إذا صَّلت هي وتشَّفعت لغيرها عند إبنها يسوع ؟. إنجيل يوحنا أجابَ على هذا السؤال. عندما طلبت مريم من يسوع ، بإيحاءٍ من الروح القدس، أن يُغيثَ العريس من ورطة نفاذ الخمر،أضافتْ بثقة وأمرت الخدَم أن يُنَّفذوا أمرَه بدون مناقشة، فحَّوَلَ الخمرَ ماءًا بناءًا على سؤالِها. وكانت هذه فاتحة َمعجزاتِه أجراها إكرامًا لها ، رغمَ أنَّ ساعتَه لم تكن قد حانتْ! (يو2: 3-7).
صلاة الكنيسة !
أبت الكنيسة أن تخسَرَ أُمًّا بهذه القدرة الممتازة. فإذا كان الله قد قبلَ شفاعة بشر خاطئين أ يرفُضُ شفاعةَ من إختارَها أما لآبنِه ، كلمتِه الأزلية؟. وإذا كان قد أعطاها لنا أُما ،لماذا؟ هل حتى نتفاخرَ بها فقط ؟. هو نفسُه لم يفعل ذلك. هل لنخدُمَها نحنُ ؟. لم تكن بحاجة الى ذلك. لماذا إذن؟. لكي تكون شريكةَ خلاصنا فتحميَنا وتساعدَنا وتقودَنا اليه للحياة الأبدية!. ولهذا لم تتأخر الكنيسة في رفعِ الدعاءِ اليها. لاسيما وأنَّ الجوابَ مضمون ما دام هي ” الممتلئة نعمة ، الرَّبُ معها “(لو1: 28). فألفت صلاتها الموَّجهة الى مريم بعد التقديم لها بسلام الملاك وتحية اليصابات طالبةً اليها، كونها والدة الله، أن تُصَّلي هي لأجلنا الآن وعند موتنا.
كانت صلاة ” السلام عليك يا مريم …” ودعَت أبناءَها الى تلاوتها لينالوا رعايتَها كما رعت يسوع ، وما دامت هي أمُهم كما كانت أم يسوع. و تمَّ ذلك سنة 431م في مجمع أفسس المسكوني الذي أعلنَ أن مريم ولدتَ الله ، لذا يُمكن تسميتُها ” أمَّ الله “.