أهلا وسهلا بالأخ سـلام.
قرأ سلام في متى 26: 29 ما يلي :” أقول لكم : إني لن أشربَ بعدَ اليوم من نتاج الكرمة هذا حتى يأتي اليوم الذي فيه أشربه معكم في ملكوتِ أبي “، فتساءَل :” هل في القيامة سنكون أجسادا تقدر أن تأكل وتشرب” ؟ مع أنه مكتوب :” ليس ملكوتُ الله أكلا ولا شربا. بل هو برٌّ وسلامٌ وفرح في الروحِ القدس ” (رم 14: 17). وليس 1كور4: 20 كما ذكر السائلُ. هذه الآية تقول :” ليس ملكوتُ الله بالكلام بل بالقدرة “!.
سنكون أجســادا !
أن نكون أجسادا لا شَّك فيها. لأنَّ تعريف الإنسان هو أنه “| روحٌ وجسد |”. الملائكة أرواحٌ فقط. أما البشر فهم مُكَّونون من روح وجسد. ويبقون للأبد كذلك. حتى بعد موتِ الجسد المنظور. وقد طرحوا سؤالا مشابها على مار بولس وهو :” في أي جسد يقوم الأموات “؟. فأجابَ :” الجسدُ الذي تزرعُه (يُدفن في القبر ويتفَّسخ )هو غيرُ الجسد الذي سوف يكون “. هذا الجسد فاسدٌ. ولا بد للإنسان جسدٌ آخر : جسد خالدٌ. فيكمل مار بولس :” يُزرعُ جسدٌ بشريٌ فيقومُ جسدٌ روحانيٌ “(1كور 15: 25-44). إى مثل جسد يسوع الممجد بعد قيامتِه. هو غير منظور إلا لمن يشاءُ الله أن يُعاينَه. وقد شاءَ الله أن يرى يسوعَ فقط الرسلُ الشهودُ على قيامتِه (أع10: 41).
هل الأجسادُ الروحانية تأكل وتشرب ؟
هنا ايضا ليس لنا دليلٌ على الكلام غيرَ حالةِ يسوع بعد القيامة. ونعرفُ أنَّ الإنجيلَ وحدَه روى أخبار ترائيات يسوع بعد القيامة. روى يوحنا عن ترائي يسوع الثالث على بحيرة طبرية وكيف سأل الرسلَ :” أ معكم شيءٌ يؤكلُ “؟. وكيفَ رأوا عند يسوع ” جمرًا متقدا عليه سمكٌ ، وخبزا ” ، وأخيرا كيف ناولهم إياها دون أن يأكلَ هو بنفسِه ؟!(يو21: 5-13). لكن الأخبار لا تقف عند هذا الحد. فهذا لوقا يُشَّددُ على اضطراب الرسل لرؤيتهم يسوع حَّيًا. وإذ سيطرت عليهم أوهامهم من جهة ، ومن أخرى غمرهم العجبُ والاندهاش قال لهم يسوع :” أ لديكم ما يؤكل ؟. فناولوه قطعةَ سمكٍ مشوي. فأخذها وأكلها بمرأى منهم ” (لو 24: 37-43). ويعودُ لوقا ويؤكدُ الخبر من جديد في سفر الأعمال حيثُ يقول : “… أى لنا نحن الذين أكلوا وشربوا معه بعدَ قيامتِه من بين الأموات “(أع10: 41).
هذا ما يجعلنا أن نفهمَ بأن الجسد الروحاني الممجد لا يحتاجُ الى الطعام. لكنه يمكنُ أن يتناولَ طعاما ، فيأكلَ ويشرب ، إذا كان في ذلك مجدٌ للـه وتقـوية ٌ لأيمان الناس. وهكذا يصدُقُ ما قاله مار بولس بأنَّ ملكوتَ الله ليس أكلا ولا شُربا “. ويصدقُ أيضا كلامُ تلميذه و معاونه الطبيب لوقا. ومع أنه طبيبٌ فهو الذي يؤكدُ بأنَّ يسوع أكلَ فعلا مع تلاميذه بعد قيامتِه. ولا يهم إذا أكله على الأرض أو في السماء. ألمهم أن يسوع في حالة المجد ولا يحتاجُ الى أكل وشرب. ومع ذلك طلبَ مرَّتين أن يُعطوه طعاما. والهدف من ذلك تثبيتُ إيمان الرسل بقيامتِه وبرسالتِهم.
أشربُ عصير الكرمة في ملكوت أبي !
أما قولُ متى على لسان يسوع :” لا أشربُ بعد اليوم من عصير الكرمة هذا حتى يأتي يومٌ فيه أشربُه معكم خمرةً جديدة في ملكوتُ أبي ” فهو يقصُد أولا أنَّ هذا آخر عشاء يتناوله معهم لأنه سيُقتل وتنتهي بذلك حياته الزمنية وينتقل الى الحياة الخالدة. ويُشيرُ موته وانتقاله الى الحياة في ملكوت الله حيثُ يُقامُ عرسُ الختن السماوي. أما دخلت العذارى الخمس الحكيمات الى عرس المسيح ؟(متى25: 10)؟. وأ ما أولمَ الملكُ السماوي في عرس أبنه ، ودعا كل الناس الى تلك الوليمة ؟(متى22: 1-14). بل صحيحٌ ذلك وسفر الرؤيا يقولُ :” الربُ قد ملك. لنفرح ونبتهج! ولنمَّجد الله لأنَّ عرسَ الحمل قد حان ، وتزَّينت عروسُه ..” و”طوبى للمدعوين الى وليمةِ عرس الحمل” (رؤ19: 6-9).
إنَّ وليمةُ العرس لا بُدَّ وأن تشمل الخمرة الروحانية اللذيذة ، أى الانتعاش الفرحَ والهـناء. فبالتأكيد سيبتهجُ يسوع ويفرحُ مع تلاميذه الذين يحصلون على مقام عنده. هذا ما يمكن أن نستنتجه أيضا من نص لوقا الأوسع ، هو : “اشتهيتُ أن أتناول عشاءَ هذا الفصحِ معكم قبل أن أتألم. وإني أقول لكم لآ أتناوله بعدُ حتى يتم في ملكوت الله “. وأضاف عن الكأس أيضا :” لا أشربُ بعد اليوم من عصير الكرمة حتى يأتي ملكوتُ الله ” (لو22: 15-18). لقد فرح يسوع بلقائِه الأخير مع تلاميذه. وهذا الفرح سيتجدد ويدوم للأبد بعد اجتماع كلِ محّبيه معه. يقولُ يسوع هذا وكأنه ذاهبُ ، وصليبه على كتفه ، الى وليمة عرس مُهَّيأة له. وقد أعتبرَ آلامه فعلا عرسه المجيد. حتى صَّرَح وهو يستعدُ للخروج الى بستان الزيتون :” يا أبتِ قد أتت الساعة : مَّجدْ أبنك ..”(يو17: 1). إنه مجد عريس قادمٍ من معركةٍ ، مُكللٍ بغارِ النصر (رؤ7: 9-10)!.
العرسُ والوليمة والطعام والخمرة كلها رمز لهناء الملكوت وسعادته ، بالقيام في حضرة الله ومشاركته حياته للأبد : ” الله معهم ويكون لهم إلاهًا، يكفكفُ كل دمعةٍ تسيلُ من عيونهم. لا يبقى للموت وجود ، ولا للبكاء ولا للصراخ ولا للألم. لأن العالم القديم قد زال ” (رؤ21: 3-4).