أهلا وسهلا بالأخت عالية منصور حميدو.
قالت :” في 3: 13-17عرَّفَ يوحنا المسيح. لماذا يقولُ في 11: 2″ هل أنت الآتي أم ننتظرُ آخر”؟.
هــوذا حمـلُ اللــه !
إنَّ كثيرين يندهشون وستغربون للأمر. لأنَّ يوحنا عرفَ فعلا أنَّ يسوع هو المسيح الآتي ، حتى اعترضَ عليه كيف يطلبُ العماد منه (متى3: 14). بل وأكثر من هذا. لقد أشارمتى فقط الى ذلك. في حين يُضيفُ يوحنا الأنجيلي ويقول:” رأى يوحنا يسوع آتيا نحوه، قال: هوذا حمل الله الذي يحملُ خطيئة العالم”. أى لا فقط عرفَه بل وعرفَ أن رسالتَه ليست في تأسيس دولةٍ يهودية كما كان يحلمُ اليهود وينتظرون ويأملون. بل رسالة خلاصِه تقوم على تحرير الأنسان من نير الخطيئة بالشهادةِ للحق (يو18: 37؛ 8: 31-32). سيحمل الخطيئة على الصليب ليغسلها بدمه ويُمحيها بغفرانه.
ويكمل يوحنا :” لم أكن أعرفه. جئتُ لأعمد في الماء حتى ينجليَ لآسرائيل…والذي أرسلني قال لي : الذي ترى الروح ينزلُ عليه فيستقر، هو ذاك الذي يُعَّمدُ في الروح القدس والنار. وأنا رأيتُهُ وشهدتُ أنه هو إبنُ الله ” (يو1: 29-34). شـهادةٌ صريحة وكاملة لا تعلو عليها شهادةٌ أخرى. ولا يوجدُ شكٌ في إيمان يوحنا.
طوبى لمن لا يشُّـكُ فيَّ !
لقد دوَّخَ متى11: 2 قُرّاءًا كثيرين ومفسّرين عديدين. وذهبَ البعضُ الى التأكيد بأن يوحنا قد شَّكَ في هوية يسوع. وقال آخرون بأنه ضاقَ ذرعًا من عدم تحقيق يسوع رسالته بسرعة والقضاء على أعداءِ الله والحق. ولم يتوَّرعْ غيرهم من التصريح بأنَّ يوحنا كان ينتظرُ مثل بقية تأسيس دولةٍ يهودية تسيطرُ على العالم ويكونون هم قادته ويدوم حكمه للأبد. ليس الأمرُ بذاتِه غريبًا. لأنَّ الرسل الذين عاشروا يسوع ثلاث سنوات ظلوا يغَّذون هذا الحلم حتى موتِه :” كيفَ أسلمه الأحبارُ للموت، وكيف صلبوه. وهو الذي كنا نحن نرجو أن يُعتقَ اسرائيلَ..”(لو24: 30-31). بل تمَّسكوا به حتى بعد قيامتِه :” فسأله…ربَّنا أ في هذا الزمن تعيدُ الملكَ لآسرائيلَ؟” (أع1: 6). في بيئةٍ كهذه مكّهرَبةٍ بأفكار الدولة الزمنية ليس غريبًا أنْ يكون يوحنا قد شارَكَ هذه النظرة الوطنية الصرفة. ولكن لا يبدو كلام متى أنه يقصُدُ هذا الشيء فيكون قد سئم الأنتظار فشَّـك في هوية يسوع.
لو أعدنا قراءة نص متى11: 2-6 لرأينا أن يوحنا في السجن. ويسمع بمعجزات يسوع. وله بعضُ مريديه الذين أبوا أن يتخلوا عنه فبقوا ملتصقين بظله. ربما لم يقتنعوا بيسوع انه المسيح لأنه لم يُعلن الثورة ، المتأججة في الضمائر والقلوب، على المستعمر ولم ينتمِ بعدُ الى المعارضة، ولم يُشَّكلْ جيشًا سّريا يًقاومُ الرومان. لكن يوحنا يعرفُ أنه لن يخلص شعبه بالثورة بل بحمل خطيئة العالم وتطهيرها. ويوحنا يعرفُ أن يسوع جاءَ ” يُنقي بيدَرَ شعبِه ” (متى3: 12) ، لا ليُحَّطمَ جيش الرومان. يوحنا نفسُه لم يدعُ الى كسر نير الرومان بل الى التوبة (متى3: 2و 11). أدرَكَ يوحنا، وآسمه يعني ” اللهُ تحَّنن ” ، أنَّ رحمةَ الله قد أشرقت لتحرر الأنسان من نير ابليس والخطيئة. قالها يسوع بفمه : ” آترحمُ على هذا الجمع ” ثم أشبعهم خبزًا (متى15: 32). ومع معجزة تكثير الخبز أجرى معجزات أخرى كثيرة كلها دليل على أن المسيح الله حاضرٌ بين شعبه. وكانت تلك علامة نادى بها الأنبياء ليتعَّرفَ بها الشعب عليه. كانت تلك الأعمال شهادة لميسحانيته: “إنَّ الأعمالَ التي أعملها بآسم أبي تشهدُ لي”(يو10: 25).
وذكر النص أن يسوع تحدَّثَ للوفد عن معجزاتِه التي ” سمعوا بها و رأوها” وطلب أن يرُّدوا الجوابَ ليوحنا بذلك. وما معناه أنه هو المسيح الذي يُكمل نبوءاتِ الأنبياء (اش26: 19؛ 29: 18؛ متى15: 30-31). ويوحنا لم يرسل تلاميذ له يُعبرون عن شعوره. بل يوحنا يُعبر عن شعور تلاميذه اولئك وعن شعور الناس القليلي الأيمان والذين لا يقوون على مواجهة يسوع مباشرة ومناقشته. وربما ارسلهم ليروا المعجزات بأم عيونهم. المهم إن تلاميذ يوحنا يشكون في مسيحانية يسوع. ويوحنا يحاول أن يربطهم به مباشرة ليتحققوا من هويته.
وأما أضافة يسوع :” وطوبى لمن لا يشُّك فيَّ ” ليست سوى دعوةٍ وتشجيع لآولئك التلاميذ حتى يؤمنوا به. وعلى الأكثر يمدَحُ يسوع إيمان يوحنا الذي لم يشك فيه. لم يكن قصبةً تهُّزها رياحُ الشك ، ولا طلب الجاه والرفاهية. ولهذا سيُسَّجلُ يسوع مدحه ليوحنا قائلا : ” إنه أكرمُ من نبي” ويُضيفُ ” لم يظهر في مواليد النساء أعظم من يوحنا ” (متى11: 7-11). نبيٌ من هذا الوزن وبهذه المواصفات وبوصفه الدقيق ليسوع لم يكن ممكنا أن يشك فيه.
فكلام يوحنا :” هل أنت الآتي أم ننتظر آخر” لا يدلُ على شك يوحنا. وإلا لقال:” أم أنتظرُ أنا آخر” حتى أعلنه للناس. و أ لم يرَ الروح نازلا عليه ؟ أ لم يشهد بأنه رأى ويشهد بذلك أى أنه هو المسيح؟ كيف يمكن له أن يشُّك بعد في هويتِه؟. لا شَّكَ في أنَّ الشَّكَ هو في بعض التلاميذ الذين لم يقتنعوا به بعد والذين لا يتجاسرون أن يواجهوه مباشرةً فيرسلهم يوحنا بآسمه ويُعطيهم فرصة أن يلتقوا به ويؤمنوا.