أهلا وسهلاً بالأخ وليد عبدالمسيح
سألَ الأخ وليد :
- لماذا إختارَ الله ما نُسَّميه بـ “الكوارث” لأنهاء الشر؟. وقصدُه كوارث الطوفان والنار والكبريت. وآستنتجَ
- فهل ننتظرُ كارثة أُخرى ليُنَّظِفَ العالم من الشرور التي هي فيه. وختم كلامه
- لماذا تكون دائمًا البدايةُ بنهايةٍ مُدَّمرة “؟
هكذا قالَ الكتاب !
نعم نقرأُ في الكتاب عن الطوفان في زمن نوح :” رأى الرب أنَّ مساوئَ الناس كثرت على الأرض…فيتهَيَّأون للشرنهارًا وليلاً .. فقال : أمحو الأنسان الذي خلقتُ عن وجهِ الأرض”. كذلك عن سدوم وعمورة قال :” كثرت الشكوى على أهل سدوم وعمورة وعظمَتْ خطيئتُهم جِدًّا”. فأعلنا نحن أنَّ الله أبادَ الأشرار دون رحمة. ولنتذَّكر أنَّ موسى هو الذي علَّم عن بدايات الكون، وأعلنها بطريقة ” تعليمية ” وبهدفٍ إيماني لا بذهنية ” تحقيق تأريخي”. لكن الكتاب لم يتوقف هنا. بل إستمَّرَ شعبُ الله يقرأ أحداثَ الكون ويتأملها ليستخرجَ منها ، بإلهامٍ من الروح القدس، ما يريدُه الله أن يُبَّلغه للأنسان. فذكر الكتابُ أمورًا أخرى عديدة. ذكرعلى لسان حزقيال النبي (600-590ق.م) كلامًا للرب يقول: ” هل بموتِ الشّرير يكون سروري؟. كلَّا. بل بتوبتِه عن شَرِّه فيحيا ” (حز18: 23؛ حكمة11: 23). ونعرفُ أنَّ الوصية الخامسة نهت عن القتل،:” لا تقتل “، فكيف يُبادرُ الله نفسُه إلى قتل الناس، خاصَّةً مجاميع كبيرة في آنٍ واحد؟. ألم يتواجد، عند الطوفان أو في سدوم وعمورة، أطفالٌ أبرياء ؟ و ما ذنبُ هؤلاء إن كان آباؤُهم مجرمين؟. و أ ليسَ اللهُ مَنْ يريد العدالة ويُنَّفذُها ليتعَّلمَ منه الناس؟. هل يناقضُ اللهُ نفسَه؟. هنا على القارئ اللبيب للكتاب المقدس أن يتأملَّ كلامَ الله، أو المُعزَى إلى الله مباشَرَةً ، كي يكتشفَ الدرس والحقيقة التي يُعلنها الله من خلال حرف الكتاب. كلام الله ليس ” حَرفًا مُتحَّجرًا “، إنما هو، كما قال الرب يسوع :” روحٌ وحياة ” (يو6: 63). علينا أن نستجلي ، عند مطالعتنا للكتاب أو سماعنا له، المعلومة التي يبغي الكاتبُ إبلاغَها لنا. وليس كلُّ واحدٍ مُؤَّهَلاً ” ليُفَّسرَ الكتابَ من عندِه. لأنه لم تأتِ نبوءَةٌ قط بإرادةِ بشر” (2بط2: 20-21). بل من وَكَّلهُ الله بذلك، أي الكنيسة التي خَوَّلها الرب ” بالتعليم والتنظيم “(متى28: 19).
فمن يُعاقبُ إذن؟
جاءَ في عوبديا النبي:” يعودُ شَرُّ عملكم على رؤوسِكم. كما فعلتم .. يُفعلُ بكم ” (عو1: 15 ؛ لو6: 38؛ 23: 41). جاء في سفرالحكمة:” لا تسعوا وراءَ الموت…الله لم يصنع الموت. لأنَّ هلاك الأحياءِ لا يسُّره … لكن الأشرار جلبوا على أنفسِهم الموتَ بأعمالهم وأقوالهم ” (حك1: 12-16). والذي يفرحُ ويتهَّللُ لموت الأشرارهو” الشيطان”. فهو، كما قال بطرس، ” خصمٌ يرودُ كأسدٍ زائر يطلبُ فريسة ” (1بط5: 8). وقد طلب أن يُغربلَ الأبرار(لو22: 31)، فوسوس ليهوذا أن يُسَّلمَ يسوع للموت (يو13: 2)، كما جمع على رأس أيوبَ بلاياه (اي1: 9-11؛ 2: 3-6). أ ليس هو من حرَّضَ الأنسان منذ بدءِ وجودِه على العصيان على الله ليعزله عنه فيلعبَ بخلقتِه؟. وما أن حرمه الراحة الأرضيه بإخراجِه من الجنة حتى خطَّطَ لإهلاكِه بل إبادته والتخَّلص منه لإشقائِه (يو8: 44). فحَرَّضَ الأخ على أخيه بقتله. فابليس هو الخطيئة المتجَّسدة التي ترَّبصت بقائين حتى دَنَّسَ الطبيعة أيضًا بسفك دم هابيل البار. فصارت الأرض تطلبُ عدالة السماء (تك4: 10-12). وما يزال ابليس يُحَّرضُ الأنسان على مَّر العصورعلى الشر لإهلاكِه!.
هل ننتظر كارثة منظفة ؟
هنا نحن مدعوون أن نعود من جديد الى قراءة الكتاب. قال إبراهيم لله :” حرامٌ عليكَ أن تُهلكَ الصِدِّيقَ مع الشرّير!. .. أ دَّيانُ كلِّ الأرضَ لا يدين بالعدل؟… لا أُزيلُ المدينةَ لو وجدتُ فيها ولو عشرة أبرار” (تك18: 25-33). ونعرفَ كيف أرسل الله ملائكة تنقذُ الأبرار الأربعة ، كما أنقذ نوح وأسرته الأبرارعند الطوفان. وهنا يأتي مار بطرس بتفسيره للطوفان حيث شَبَّهَ ” الفُلكَ ” الذي أنقذ الأبرار بالمعمودية التي تُنَّجي البشرية من مؤامرة الشيطان فتنقذُها من الهلاك الأبدي. ففي الطوفان ودمار سدوم وعمورة تدَّخل الله لا لأبادة الأشرار وتنظيف العالم من الشر، بل لأنقاذ الأبرار مُتخَّليًا عن الأشرار الذين سمح أن ينالوا مصيرَهم ما دام لا يريدون الله ولا يسمعون كلامه. وحتى عند سماحه يشير الكتاب بأن الله ترَّوى وتحَّققَ من الوضع، وبأنَّ استمرار الوضع القائم لا ينفع بعد، وأن يلقى الأشرار مصيرَهم هو الحَّلُ الأمثل والدواءُ الأنجع للأنسانية، و أنه لا يُؤَّدي إلى أذية الأبرار، عندئذ فقط سمح لأبليس أن يأخذ بطانته عنده. وإذا هلك بينهم بعضُ الأبرار فأولئك يتمتعون بالراحة والمجد في فردوس الله. وقد سمحَ اللهُ فقط ، ويسمح بكل الكوارث، التي لا تنقطع عن الأرض في كل العصور، لتنظيف العالم من الشرور. فالحروب قائمة في كل عصر لأنَّ الشرير يفعلُ، والزلازلُ تفتح أفواهًا للأرض لتنتقم للدم البريء الذي يغلي في باطنها. فالكون مستمرٌّ بمطالبة العدل الألهي أن يكشفَ فداحة السوء، ولعَّل الأشرارَ يعاينون ثمارالشر فيرتدوا عن غَّيهم وجهلهم و يتراجعوا عن شرهم. حوادث الجو والبيئة لا تكِّلُ عن قرع جرس التحذير مطالبة بتنظيف العالم من قاذورات ابليس. فاللهُ يسمحُ بالكوارثُ كلُّها رحمة ، وإنذارًا ، ودعوة الى التوبة ، كي لا يهلك البشر. أما التنظيف الكامل فلن يتمَّ إلا عند الحصاد الأخير حيثُ يُحرقُ الزؤان كله نهائيًا.(متى13: 29-30).
كل كارثة تنتهي بدمار !
الله خلق الأنسان في حالة سعادة، في فردوس، لكن عدو الله أفقده إياها وحوَّله الى التعاسة لأنَّه هو ابليس لا يملك غيرها. أنمى الله البشرية عن طريق المحبة والأُلفة فقضى ابليس على الحياة بالحسد والكره أنتهت بسفك الدم. زرع الله في حقله حنطةٌ وبذورًا طيبة وشجرًا مثمرًا وخلط فيه ابليس سمَّ الزؤان في الشر والفساد. ولله الحمد كانت بداية الحياة وما زيَّنها جيَّدة جدًّا. وقد” رأى الله أن كلَّ ما صنعه حسنٌ جدًّا” (تك1: 31)، لكن سمَّ الحسد وسياسة الأرض المحروقة لأبليس شوَّهت ما آستطاعت عليه وغيَّرت مسار الخلائق من البِرِّ الى الشَّر. فأذت الضعاف من الخراف والنعاج، لكن الكباش والتيوسَ فقاومت. ولما جاءَ فادي البشرية إستقووا به. وحتى لو ظلت مظاهر الحياة الكونية تبدو مُخزية ومؤلمة و” مُدَّمرة ” سائرة نحو الهلاك إلا إنَّ سفينة نوح الجديد، الكنيسة، لا فقط أنقذت الحياة من الدمارالشامل ، ولكن ربانها فتح أمامها دربً المحبة والبر والخدمة والبذل والغفران حتى لا تتأثر الحنطة بالزؤان بل تتحَّداه وتتفَوَّق عليه وتفرزه ليُحرق.
أمَّا أن يبدأ الحق والخير بالصراع ويُقَدَّم ضحايا وقرابين فذلك طريق الخليقة كلها منذ أن وُجدت. المهم هي بذرة الحياة، وكانت رائعة عند نموها، صداقة عميقة مع الله. تأذت في صراعها لأجل الحياة بسبب عدم خبرتها وطراوة عودها. تألمت، تشوهت، وأصبح مسارها مُهَدَّدًا، ومسيرتها ثقيلة الخطوات. لكن ضحاياها تحَوَّلت الى مصدر قوة. فالأيمان المسيحي بخير وحياة البر تقَّدم كلَّ يوم نجومًا أبهى من شهداء وقديسين وقديسات في ملكوت السماء. فما يراه العالم كارثة ليس سوى تمرة الكارثة الأولى، عصيان الله ورفض حبِّه. لكنها تبقى علامة لمحبة الله وعنايته ، إذ يستمر فيُحَّذرنا من الشر، ولا يريد لنا الهلاك بل يدعونا إلى السير في موكب المسيح الظافر، بعد صلبه الأليم. هكذا شاءَت الحكمة الألهية أن نبدأ بالألم ولكن ننتهي بالمجد.