أهلا وسهلا بالأخ زاسك إيليا
كتبَ الأخ زاسك ما يلي :” عندي شكوك بعدم وجود الله. أخاف من ألا يسيطرعلَيَّ أحد”
من أعمـاله تعـرفونه !
كُلُّ شيءٍ يوصَفُ بأفعالِه، فُيعَّرَفُ بها. كُلُّ كائنٍ أوخليقة له بداية وله نهاية، أي يبدأ بأن يوجد ثم تتوقفُ حياتُه ولا يوجد بعدُ. كُلُّ شيءٍ أو كائنٍ له عِلَّة وجود، من أوجَدَه، وله هدف يصبو الى تحقيقِهٍ يُبَّررُ كلَّ أعمالِه وتَصَّرُفاتِه. للكون نظامه وإلا إختفت الحياةُ من الوجود. لكُّلِ كائن نظامٌ يسودُ حياتَه يخضعُ له إمَّا غريزيًا أو يتقَّيدُ به طوعيًا وإلا تتلاشى حياته. و بين جمـيع الكائنات يوجدُ كائن واحد فقط يختارُ سلوكَه ويفهمُ ما يصنع ، و أحلامُه أكبر من طاقاتِه ولا يُكَّملُ كلَّ آمالِه ولا يتمتع بكل الراحة التي يشتهيها، ويشعرُ أنَّ الكمال أبعدَ من أن يناله. ورغم ذلك يُحِّسُ أنَّه لا بُدَّ له أن يبلغ كلُّ شيءٍ إلى كماله وإلا فلا معنى للوجود. و يشعر أيضًا أنَّ لا الوجودُ يخضع له، رغم أنَّه يتحَّكمُ في جوانبَ كثيرة منه، ولا النظامُ يقدر أن يستغنيَ عنه. أنظمة بشرية كثيرة تسقط وتختفي ولكن الحياة تستمِرُّ بدونها. أما النظام الكوني الحيوي فلا مفَرُّ له منه. فمن يكون صاحبُ هذا النطام؟؟.
وهذا يقودُنا إذن إلى ملاحظة أمرين. الأول : أنَّ الأنسان ليس فقط حياة جسدية، بل روحية تتحَّدى النهاية بالموت وتمتَّدُ الى حياةٍ أكثر عقلانية تُحَّققُ هدفها، الراحة والهناء الدائميين. والثاني : للكون والكائنات نظام يقودها يَعودُ مِن كلّ بُدٍّ إلى أحدٍ وَضَعه. كما يَضعُ الأنسان نظامًا يتحَّكمُ بكلِّ ما يصنعه من آلاتٍ ومكائن وأجهزة. ومن الملاحَظ أيضا أن أنظمة البشر تسوف أو تتغَيَّر إذ تظهر أفضل منها. أما أنظمة الكون والكائنات فهي ثابتَةٌ لا تتغَّير. وهذا يدُّلُ على أن أنظمة الأنسان ناقصة وغير كاملة ، أمَّا أنظمة صانع الكون والكائنات فهي كاملة لا يُؤَّثر فيها لا الزمن ولا الأحداث. وهكذا فهي لا تحتاج الى التغيير والتحسين مثل إنتاج الأنسان. ولو تغَيَّرت ينتهي الوجود. وهذا يقودُ حتمًا الى نتيجةٍ لا ثانية لها وهي : للكون وللكائنات، منها الأنسان، مَن خلَقه. و هذا الكائن يفوق حتى الأنسان العاقل الناطق ، بل هو الذي أوجدَه وأوجد قبله كلَّ شيء، و وضع لكل شيء نظامًا تجري بموجبه حياتُه. هذا الكائن أصلُ كلِّ الوجود نُسَّميه ” الله “. هو الوجود بذاته كما سَمَّى نفسَه لموسى عندما ظهر له على جبل سيناء قائلا:” أنه هو الذي هو”. وهو العقلُ بكامله إذ لا أحد عرف وقدر أن يعملَ ما عمله الله. وهو أيضًا الحياة بكل أبعادِها، فلا أحد أبدى للأنسان حُبًّا مثلما فعل الله. فمن وجوده وعقله وحياتِه وخيرِه خلقَ ، أعطى لغيره ، مما هو له. وهو قادرٌ على كلَّ شيء، ويتحَّكمُ بكل خلائِقِه، ويرعاها.
اللهُ أبٌ أوجَدَنا مثل صورتِه كما يُمَّددُ الأب حياته في أىناء ينجبهم صورةً له. وهو كلامُ معرفةٍ خرج عن ذاتِه ليُعَّرفَ من هو وكيف هو، هو الكمال في كلِّ شيء. وهو حياةٌ ، نمُوٌّ و حركةٌ وإنتاجٌ ، ومن حياتِه أراد الحياةَ لغيرِه، لنا نحنُ الذين نشبهُهُ ، لكننا نبقى محدودين وغير كاملين، إنما نمتَّدُ الى الكمال ونصبو اليه كمخلوقٍ لا كخالق. ولو لم يوجد هذا الله لما وُجد شيءٌ هو موجودٌ ونختبرُه كلَّ يوم. لولاه لما وجد لا الأرضُ ولا الفضاءُ، لا الليل ولا النهار، لا الشتاء ولا الصيف ولا الربيع ولا الخريف. لولاه لما وجد النبات ولا الشجر ولا الزهر ولا الماءُ ولا النار ولا الهواء ولا الألوان، ولا المطر ولا الثلج ولا الحَّر ولا البرد ولا الثمر ولا الطير ولا الحيوان. هذه التي نراها والتي لا نراها كالحركة والجاذبية والفن والعقل واللحن ولاسيما الحب. هذه الموجودات تدُّلنا على مَن أوجَدَها.
ليسَ اللهُ إنسانًا حتى يُخيف ! هوشع 11: 9
والخوفُ من ألا يُسيطرَ علينا أحدٌ دليلٌ آخر لوجود الله، إذ نشعرُ بقوةٍ تفُوقُنا ولا نقوى لا على تحَّديها ولا على نكرانها. والخوفُ دليلٌ إضافيٌ على أننا لا نعرفُ الله جَيّدًا ولا نفهمُه على حقيقته. ربما تكون صورتنا عنه ناقصة ومُشَوَّهة. لم يعرف اليهودُ يسوعَ أنه المسيحُ المُنتظَر، كما لم يعرفوا اللهَ الذي تظاهروا بعبادتِه (يو8: 19)، وقد حَرَّفوا سُّنَةَ الله وأقاموا لأنفسهم ما يخيفُ وما يُقَّيد (مر7: 8-9). من يؤمن بالله يعرفُ الحَّقَ ويتبعُه. والحَّقُ يُحَرِّرُ الأنسان من كل خوف(يو8: 32). فلو عرفنا من هو الله وماذا هو لما خِفنا منه، بل أحببناه مثل إبنٍ لأبيه. لقد دعا الله الأنسانَ فعلا ” إبنه” (خر4: 22). وقال المزمور عن المؤمن به :” قال الرَّبُ لي : أنت إبني. وأنا اليوم ولدتُكَ ” (مز2: 7). الله يُحِّبُ الأنسان ويعتني به. يقول الله عن شعبِه :” أنا الذي علَّمهم (بني إسرائيل)المشيَ ، وحملَهم على ذراعِه… جذبتُهم إليَّ بحبال الرحمة وروابط المحَّبة. كنتُ لهم كأبٍ يرفعُ طِفلاً على ذراعِه، ويحنو عليهم و يُطعِمُهُم ” (هو11: 3-4)، و ما ” أكثرَ ما أُحِبُّهم” (هو14: 5).
الله محَّـبة ! 1 يو4: 8
إن كُنَّا أبناءَ الله وهو أبانا فهو يُحّبُنا. وقد أظهرالله فعلاً أنه يُحّبُنا. وينتظرُمنا أن نُحِّبَه نحنُ أيضًا. وإن كان يُحبُّنا الى درجة أنَّه ” بذل إبنَه من أجلنا” فهل يُؤذينا أو ينبُذُنا؟. وإنْ كنا نحن نُحّبُه فهل يُمكن أن نخافَ منه أو نشُّكَ فيه أو في عنايتِه؟. لا يتوالمُ الخوفُ مع الحب ولا يتماشى مع الثقةِ. والأبُ الذي يُحبُ أولادَه يُرشدُهم ويساعدُهم ويسامحُهم ولا يطغي أو يُسيطرُ على أحِّبائِه بالعنف الى درجة أن يقللَ من كرامتِهم وحُرّيتِهم. اللهُ خلقَ آدمَ و وضعه في جنَّة وأرشدَه الى كيفية التصَّرف حتى لا يخسرَ نعيمَه. لم يُرغمْه على طاعتِه. ولا منعه من التمَرُّد على إرشادِه. الأنسان أحَّسَ أنه أخطأ لأنه لم يثق بحب الله وخالفَ إرشادَه وخسرَ فعلا نعيمَه. وحتى في إنسحابِه من أمام الله لم يُعاقبْه الله بل ترَّأفَ به فوَعدَه أن يُخَّلِصَه من الورطةِ التي وقع فيها. فهكذا إلاه هل يُمكن أن يُؤذينا حتى نخافَ منهُ ؟؟.