أهلا وسهلا بالأخ ماري ألبرت.
قام جدل بين الأخ ماري وأستاذ ملحد نكر قيمة الكتاب المقدس، وآتهمه وآتهم المبادئ الدينية بأنها ليست سوى مهازل وروايات خرافية تافهة لا جذر لها في الوجود ، بخصوص هوية إلاه المسيحيين فنعته الملحد بالأرهابي المجرم (إسغفرالله!)، وآتهمه بـ”آرتكاب جريمة إبادة كبيرة بالفراعنة المصريين”!. والسبب لقراءَته النص التالي خر11: 4-6، الذي يقول :” قال الرب. سأمُّرُ عند نصف الليل على أرض مصر، فيموت كلُّ بكرٍ فيها من بكر فرعون..الى بكر الجارية.. وأبكار جميع البهائم..”. ويكمله النص الآخر : ” ولما آنتصف الليل فتك الربُّ بكل بكر في جميع أرض مصر..” (خر12: 29). وبرَّر الملحدُ رأيَه بقوله :” ما هو ذنب الأطفال ليتحملوا ذنبَ تعَّنت فرعون “( ويَنسبُ الى الفرعون المسيحيين أقباط مصر!)؟. ويحسبُ أن عدد الأطفال كان يُقَّدر بما لا يقل عن 120.000 مائة وعشرين ألف قتيل !. وينهي الملحد إتهامه بقوله :” هذه مهازل دينية غير حقيقية. لم يذكرها تأريخ الفراعنة فليس لها أساسٌ تأريخي أو آثاري”. ويستند في موقفه الى كتاب أستاذ يهودي. فتساءل محاورنا :
# لماذا إلاهنا قاتل في العهد القديم ، بينما هو مسالم في العهد الجديد ، مع أنه لم يتغَّير ؟
لا أحد يقدر أن يفَّسر من عنده الكتب المقدسة ! 2بط1: 20
ليس لله وجهان متناقضين. هو إلاه واحد بارادة واحدة لأنه الذي” لا يتغّير، ولا يدور فيرمي ظلاً “(يع1: 17). والذي قال عنه النص المقروء هو نفسه الذي حذَّر الأنسان (تك4: 7) ثم منعه عن القتل :” لا تقتل “(خر20: 13)، فكيف يأمر بالقتل أو يقتل بنفسه؟. عندما نقرأ الكتاب علينا أن نعرف عنه أشياء كثيرة لكي نفهمه. أختصرها للقاريء الكريم :
النص المكتوب يعود تأريخ تحريره الى حوالي 400 سنة بعد وقوع أحداثها حفظتها ذاكرة الكهنة واللاويين (تث 6: 20-23) ؛ كاتب النص يهودي متزمت ومتحَّيز لشعبه ، ويكتب بينما يتمتع شعبُه بدولة تتعالى على كل الشعوب، حتى مصر، وتحتكرُ الله لنفسها ضد بقية الأمم.
الضربات السابقة لمجزرة ” الأبكار” كانت تحذيرا وإنذارًا لفرعون والمصريين كلهم أنهم قد أجرموا كثيرا، لاسيما تجاه بني اسرائيل إذ قتلوا أطفالهم (خر1: 16، و22)، وعَّذبوا اليهود بأن إستعبدوهم وسخَّروهم في بناء الأهرامات (خر1: 8-14؛ 3: 7-9). لقد تفاقم إثمهم وحان الزمان إما أن يتوبوا أو يهلكوا في خطيئتهم ، مثل أهل سدوم وعمورة (تك18: 20؛ 19: 4-10). كان شر قادة مصر وشعبها قد تفاقم مثل أهل الطوفان، وأنذرهم الله مثلهم ، وأرشدهم كيف يتخلصوا منه لكنهم لم يسمعوا لله فأنقذ الأبرار وترك الأشرار لمصيرهم (تك6: 5-7:5).
هكذا كرر الله عنايته بمصر ومن فيها. نعم تحَّنن الله على المصرين فأرسل الى قادتهم موسى يعرض عليهم التوبة وإيقاف الظلم بتحرير بني اسرائيل والأفراج عن مأساتهم. أجرى موسى معجزات ، الضربات التسع، ليقنع فرعون ورجاله بما سيحدث فيتوبوا ولا يدفعوا ثمنا أغلى. لكن فرعون قسَّى قلبه وضاعف ظلمه وآستبداده ولم يفهم أن عدالة الله أقوى من ظلم البشر و قوَّتِهم رافضًا أن يعترف بسلطة الهية فوقه فآستمات في الشر(خر5: 6-18) ولم يسمع لرسل الله (خر8: 11، 15، 28؛ 9: 7،12،35؛ 10: 20، 27-29).
الكتابُ المقدس ليس آيتا أو آيتين نحتكم إليها ولا سفرا أو سفرين نكتفي بهما. بل هو مجموعة أسفار تحمل رسالة إلهية واحدة أوحى بها الله في أوقات مختلفة متعاقبة تتماشى و ذهنية الأنسان وقابليته في آستيعابها، عبرَّ عنها الكتاب بأسلوبهم وفراديتهم وثقافتهم الخاصة. ولذا لآلتقاط التعليم الذي يوحي به الله يجب الأطلاع على الكتاب كله. عاتب الأستاذ الملحد محاوره ماري و تشَّكى من ان الله قتل، بدم بارد، 120.000 ألف طفل. وهذا ذكرني بما جاء في سفر يونان حيث تشكى النبي لما يبست اليقطينة فعاتبَه الله أنه تألم لموت نبتة قائلا: ” أشفقت أنت على اليقطينة التي لم تتعب فيها ولا ربيتها .. أ فلا أشفقُ أنا على نينوى العظيمة التي فيها أكثر من 120.000 مائة وعشرون ألف نسمة لا يعرفون يمينهم من شمالهم”؟ (يو 4: 10-11). فهل إلاه مثل هذا ينهى عن القتل، يقتل أطفالا أبرياء؟.
الله وحده قدير ، ويملك الكون !
أمران يُرَّكز عليهما سفر الخروج في قصة خروج بني اسرائيل من مصر، و ثالث يتبعهما :
+ الله يقود الكون ولم يسلم زمامه كله الى البشر، بل يُسَّلم أمر الأشرار منهم الى عدالة الشر الذي تمَّلك منهم ؛
++ الله وحده قديرٌ وفوق قدرةِ كل قادر، وما يريده يتحقق. يريد الله أن يرجع شعبه إلى وطنه الأول فلسطين ويُكّوِنُ أمَّة ودولة ليأتي من خلاله المسيح الملك الموعود ويرعى الشعوب في الحق والحب والعدل والسلام. يقف الفرعون في وجه الرب لكن الرب أقوى منه فأخزاه :” أذكروا هذا اليوم .. بيد قديرة أخرجكم الرب “(خر13: 3؛ تث7: 8) ؛
+++ الله وحده يملك الكون ، إذ هو خالقه وموجدُه :” للرب الأرض وما عليها، الدنيا و المقيمون فيها” (مز24: 1)، وللبشر أن يتعايشوا مع بعضهم في آحترام متبادلٍ وتعاونٍ وتآخ ٍ. لا يحق لأحد أن يستعبد غيره أو يظلمه فيحرمه حقَّه ويُضايقه. الناس متساوون أمام الله ،” العبرانيون كالمصريين والأسياد كالمرؤوسين”.
اللـه أمين رحــوم !
قال موسى: ” إعلموا أنَّ الربَ الهكم هو الله ، الأله الأمين ، يحفظ العهد والرحمة لمحبيه والعاملين بوصاياه الى ألف جيل ” (تث7: 9). هذه الأمانة والرحمة يبديها الله خاصة تجاه الخطأة الذين يرفضونه ويبتعدون عنه إذ يحاول أولا إهداءَهم الى سواء السبيل ، فقال :” هل بموت الشرير يكون سروري؟ يقول السيد الرب. كلا. بل بتوبته عن شَّره فيحيا” (حز18: 23). ويسوع الذي هو ” بهاء مجد الله وصورة جوهره “(عب 1: 3) ، بحيث من يراه و يسمعه يرى ويسمع الله الآب لأنهما واحد(يو10: 30 و38؛ يو8: 28؛ يو14: 9-11)، غفر للزانية داعيا إياها الى التوبة (يو8: 11)، وغفر لصالبيه (لو23: 34)، بل وفرض الغفران (متى18: 35) لأنه رفض القتل كليا (متى26: 52).
فإلاهنا نحن المسيحيين ليس سوى إلاه العبرايين نفسه ، وإلاه موسى وشعبه ليس سوى يسوع الناصري. إنه لم يتغَّير. بل صوَّرَه كل جيل حسب عقليته وحضارته. وظهر وجه الله أو إفتهمه البشر حسب حاجتهم وبالغوا في ذلك أحيانا حتى نسبوا اليه أخلاقهم وطرقهم الخاصة في التعامل مع الآخرين. فنسبوا اليه تارة الغضب وطورا القتل وأخرى الأنتقام حسبما كانوا قادرين على إستيعاب كلام الله حتى فسَّروه أحيانا بعكس ما أراده الله. ولما تثقف الأنسان وصار عقله قادرا أن يسمو الى مقام فكر الله عندئذ ، لما تمَّ الزمن (عب4:4) ، تجسد في شخص المسيح يسوع وكشف ذاته للعالم في فكره (1كور2: 16) وفي أخلاقه (في2: 5).