أهلا وسهلا بالشماس إدمون حـيران
عاشَ الأخ إدمون أزمةَ غيابِ إبنِه والخوف من فقدانه. ولم يجد سبيلاً آخر لرجاءِ ضمان حياة إبنه سوى أن يلتجِئَ الى الله وينذرَ إبنه المفقود ويُكَّرسَه، إن عادَ، لخدمةِ الله فيجعله شَمَّاسًا يخدم المراسيم الدينية في الكنيسة. وآستجابَ الله دعاءَه. فدَرَّبَه ليكون مثله شماسًا يُؤَّدي الخدمات المطلوبة. و نجحَ في ذلك. وصار الأبن يُشَّمسُ مثل والده. لكنه لم يُرسمْ بشكل رسمي وقانوني. تمت رسامته في استراليا حيث استقَّرَ مع عائلته. ومع مرور الزمن صارت خدمته تؤَّثر على العائلة. وأصبحت زوجته لا تتحَمَّلُ غيابَه الكثير عن البيت وتركَ الحملِ ثقيلاً عليها. وحاجة البيت أبعدته عن الخدمة في الكنيسة. عندئذ بدأت الأسئلة تنطرح : هل نذرُالوالد صحيح؟. هل يجب على الأبن أن يلتزمَ بما لا إرادة له فيه؟. فكتب الشماس: @ هل النذرُ صحيحٌ { يجب الألتزام به؟} ، أم خطـأ ؟
النذرُ ناقص في ذاتِه !
إِنَّ النذرَ تنازلٌ عن حَّقٍ خاص. وحَّقُ الأنسانِ هو حياتُه الفردية وممتلكاتُه الشخصية. وكلُ إنسان، حتى الولد، قائمٌ بذاتِه ولذاتِه. الأطفالُ أمانةٌ لدى الوالدين وليسوا مُلكَهم. والأمانةُ تُحترم وتُرَد الى صاحبها، دون التصَّرف بها. الوالدان يُرَّبون أولادًا لله ولا يمتلكانهم. و يُساعدونهم على إمتلاكِ ناصية الحياة حتى يعيشوا بحُرّيتهم ويُقَرّروا مصيرَهم بقناعتهم. و عليهم أن يُسَّهلوا لهم الإختيار الجيد لتحقيق إنسانيتهم وآختيارِ سبيلهم الخاص. ويحُّق لكل واحد أن يتصَّرف في إطار حياتِه دون التدخل في إطار حياة الآخرين. وبما أنَّ حياةَ الولد ليست حياة الوالد فلا يحُّقُ للوالد أن يُقَّررَ مصيرَ الولد، خاصّةً بعد بلوغِه الأنساني. يمكن للوالد أن يُفَكرَّ بما يصلحُ لآبنِه ويخدمُه فينذر لله أن يعمل جهدَه لتوجيه إبنِه نحو أسلوبٍ خاص للحياة ومساعدته، ما أمكنه، لتحقيق ذلك النذر، فيقترحه دون أن يَفرُضَه عليه. إذا رَحَّب الأبن بالنذر وقبله وقرَّر طوعيًا، عن وعيٍ وقدرةٍ، يُصبحُ النذرُ عندئذٍ قرار الولد لا الوالد. بهذا الخصوص يذكر الكتاب المقدس قصَّة صموئيل النبي الذي كَرَّسته أمه ” للرَّب طوال حياتِه” (1صم1: 28)، أو بالحري ردَّت الأمانة الى الله الذي إستجابَ صلاتها وأعطاها الطفلَ رغم عُقمها، وأخذته الى الهيكل. وكانت تلك مشيئة الله وآختيارُه حتى تعَّممَ الخبرُ بعدَه أنَّ ” الرَبَّ إختارَ صموئيل نبيًا ” (1صم3: 20). المُهم بالنسبة الى صموئيل أنه لا فقط لم يعترض على قرار والدته ” نذرَه لخدمةِ الرب” بل وتفاعلَ مع ذلك النذر لأنه عرفَ أنه إختيارُ الرب. وكان سعيدًا بهذا المصير لأنه كان مؤمنًا. فالنذرُ إذن ثبُتَ وآكتمل بقرار صموئيل لا بقرار أمه. أمُّه أعطته فقط فرصة خدمة الله الذي تدخل مباشرة في ولادته. و ربَّته إبنًا لله و ساعدته ليُلَّبيَ بسهولة مشيئته تعالى. كما يحضُرُني خبر من قصص شهر قلب يسوع بأنَّ مؤمنًا مرضَ وغابَ عن حسِّه حتى قاربَ الموت. فنذرَ صديقٌ له تكريس المريض لقلب يسوع إذا نال الشفاء. شُفي المريضُ فجأةً و بمعجزة إلهية. وعرفَ الذي نجا من الموت بخبر تكريسه لقلب يسوع. فرحَ بذلك وقبل النذر ونفَّذه. أصبح صديقه، عن طريق نذره بآسم المريض، سببًا لشفائه. وكان ذلك موضوع فخرٍ وآعتزاز. يبقى دومًا أنَّ النذرَثبتَ على يد صاحب الشأن. وللكتاب بهذا الشأن كلام صريح حيث يتطرقُ الى نذر الزوجة أو البنت الذي لا يثبت إلا بتأييد الزوج أو الأب (عد 30: 4-9). فنذرُ الشماس إدمون يصُّحُ إذا وافق عليه الأبن، عند بلوغه، وإذا قبله طوعًا وعن وعي وبحرية تامّة. أما إذا نقصه هذا القبول الأرادي، حتى لو بقي باطنيا فقط، فهو غير صحيح . و من الأفضل ألا ينذر المرءُ عن غيره، ولا يُقَّيد لا مصيرَه ولا حياتَه. لا يرتبط الأمر بالخدمة الشماسية، وهي بذاتها جيدة ولا أسمى من خدمة الله مثل صموئيل، بل يرتبط بحرية الأنسان في آختيارِه تقريرَمصيره وسلوكه. وما دامت نية الشماس مستقيمة فلا خطأ في إقامة النذر. وإذا رضيَ به الأبن وقبله يُصبحُ نذرَه هو. ولكن يكون الخطأ إذا ألزمَ الشماس إبنه بالنذر رغمًا عنه أو فقط لأنه هو الوالد أطلقه. ومن جهة الشماس الأبن نذره لا يعفيه من واجباته العائلية. ولا الربُّ يريدُ أن يُهملَها بسبب خدمته في الكنيسة. عليه أن يوفق بين الواجبين : أحدهم هو الأهم تدبير الأسرة، والآخر مهم خدمة بيت الرب حسب قابلياته وتوفير المجال لذلك. في كلّ الأحوال ترتبط صحة النذر أو بطلانه بموقف الأبن و قراره. يخُّصُ الأمر بشكل قاطع بإرادة الله ودعوتِه. إنَّ خدمة بيت الرب لا تتعَّلق بإرادةِ من يشاء من البشر، بل بإرادة الله الذي يدعو من يشاء لخدمته. دعا الرب يسوع من شاءَ : فرفض للبعض أن يتبعوه لأنه لم يدعُهُم هو. كما رفضَ لمن دعاهم هو أن يتخاذلوا ويقيموا حججًا للتراجع عنه (لو9: 57-62).