أهلا وسهلا بالأخ أزل أبو أنس.
لم يتعَّود الأخ أزل على ألقاب المسيح ” إبن الله ، إبن الأنسان ، إبن داود “.. فغمضت عليه. وإذ أرادَ أن يضعها في مقياس النظام الأنساني العام ضاعت عليه مفاتيحُ الحل. وإذ أراد أن تتوَّضح الرؤية في ذهنه ويفهمها كما هي ، سـأل ما يلي :
1*- إذا كان المسيحُ هو إبنُ الله ، فكيفَ يكونُ له أجـداد ، وينتهي به النسبُ لآدم ؟
2*- إذا كان هؤلاء أجدادُ أُمّـهِ الأرضيين ، فلماذا لا يكون له أبٌ أرضيٌ أيضا ؟
3*- هل هذا يعني أنَّ جَّدَ المسيح الأخير هو أبُ اللـهِ الآب ؟. وإلا فكيفَ حصلَ المسيح على نسَبِهِ لجَّـدِه الأخير والذي يقودُنا لجَّـدِه الأول آدم ، إذا لم يكن له أبٌ أرضي ؟
4*- لماذا تختلفُ أسماءُ أجدادِ المسيح من إنجيل لآخر؟
هــويةُ المســيح !
قبل أن ندخل في تفاصيل الرد على الأسئلة يلزمنا أن نوَّضح ونحَّدد أولا ” هوية المسيح : من هو “؟. نقولُ عن المسيح في قانون إيماننا ” نؤمنُ برَّبٍ واحدٍ يسوعَ المسيح ، إبن الله الوحيد. المولود من الآب قبلَ كلِ الدهور. إلاهٌ حَّق من إلاهٍ حَّق. مولودٌ غيرُ مخلوقٍ مساوٍ للآبِ في الجوهر”. إذن المسيح هو الله. والله في إيماننا المسيحي ثلاثي الأبعاد أو الصفات، تُدعى ” أقانيم “. اللـهُ واحدٌ ، وهو : القدرة ( الآب )، والمعرفة ( الأبن )، والحياة ( الروح القدس ). فالآب صفة القدرة والأبن صفة المعرفة والروح صفة الحياة. هذه الصفات متمَّيزة عن بعضها لكنها غير منفصلَة. هذه هي” هوية الله ” ونسَّميها ” الثالوث الأقدس”. والمسيحُ هو الأبن أو المعرفة الألهية.
إنه اللهُ المعرفة أوالكلمة التي لفظها اللاهوت فخرجت منه كما يخرجُ الطفل من بطن أمه فيُسَّمى ” الأبن” أو الكلمة التي تخرجُ من الشفاه فتسَّمى ” بنت الشفة “. فالمسيح هو الكلمة الألهية أو الأبن المولود من الله أزليا ، كما يولدُ الضوء من الشمس.
هذا الأبن أو المعرفة تأَّنَسَ ، أي صار إنسانا ، فتجَّسدَ أي أخذَ جسدًا بشريا مثلنا. هذا ما نعلنه في قانون إيماننا :” الذي من أجلنا نحن البشر، ومن أجل خلاصِنا ، نزلَ من السماء وتجسَّدَ بقوة الروح القدس ، وصار إنسانًا “. أي المعرفة الألهية حَّلت في حشا مريم العذراء ولقَّحت بويضة بشرية ، بقوة الحياة الألهية نفسها. الله الذي خلقَ كلَّ شيءٍ من لا شيء أتخذ لنفسِه الأنسانية ، لا بقدرة زرع بشري، بل بقدرته الذاتية مباشرةً. فهو” ليس من دم ، ولا من رغبةِ ذي لحم ، ولا من رغبةِ رجل ، بل اللهُ وَلدَه “(يو1: 13).
واللهُ حاشى قداسته لم يتزوج أنثى ، مثل البشر، بل أخصبَ بقوةِ حياتِه البويضة البشرية وتحَّلى بالناسوت. يقول الأنجيل :” يا مريم لاتخافي. قد نلتِ حظوة ًعند الله. فستحملين وتلدين إبنا تسَّمينه يسوع. يكون عظيما وإبنَ العلي يُدعى”(لو1: 30-32). ولما إعترضت مريم ” أنَّى يكون هذا ولا أعرفُ رجلا ” أجابَها الملاك :” الروحُ القدس يحُّلُ بكِ وقدرةُ العلي تظلِلُكِ ، لذلك يكون المولود قُدّوسًا وأبنَ اللهِ يُدعى “(لو1: 35).
وهكذا فالمسيحُ إبنُ الله أصبحَ ، بدون أبٍ بشري أرضي ، إنسانًا حَّقا. وهكذا هو الذي له الطبيعةَ الألهية ، من دون أم ، صارَ له الطبيعة البشرية أيضا ومن دون أب. أبوهُ سماوي وأمه أرضية ، ونسبُه مزدوج إلهي وإنساني ، دون آختلاط أو إنقسام. وهذا سَّرٌ ثان ٍندعوه سّرَ التجَّسد. فالمسيح إلاهٌ حقًّا وإنسانٌ حَّقًا.
إبنُ الله بأجدادٍ بشر يرتقون الى آدم !
وهكذا نقدر أن نفهم كيف أنَّ المسيحَ إبنُ الله ولهُ نسبٌ إنساني يرتقي الى آدم. آدم هو أول إنسان في الكون، منه جاءَ كلُ الناس واليه ينتهي نسبُهم. والمسيح أصبح إنسانا من مريم.
ومريم ترتقي بناسوتها الى آدم. وبين مريم وآدم سلسلة من ناس هم أجدادُ المسيح الأنسان.
لماذا ليس للمسيح أبٌ أرضي ؟
ليس للمسيح أبٌ أرضي كما رأينا لأنه وُلدَ بإرادةٍ الهية مباشرة وبدون زرع بشري. ولأنَّ المسيح ليس إنسانًا إختارَه اللهُ رسولا يبعثُه الى الناس، ثمَّ رَّقاه مُضفيا عليه صفة إلهية. بل هو الله نفسُه الذي تنازلَ ” فآتخذَ صورة العبدِ { مع أنه هو السَّيد !}، وصار مثلَ البشر و ظهر بمظهر الأنسان “. لا يمكنُ للطبيعة البشرية أن تتأَّلهَ. أما الله خالق الأنسان فيقدر أن يتنازلَ إلى مستوى خليقتِه وصورتِه. فلو كان للمسيح أبٌ أرضي لما كان يكون هو”الله “. إذ لا يقدرُ الأنسان أن يُنجبَ اللهَ خالِقَه. أما الخالق فيقدر أن يتشِّبه بخليقتِه وينزلَ الى مقامها. أما الأجدادُ فنسبة ً الى مريم التي وَلدَته.
لذا يُرَّكزُ الأنجيلُ على أنَّ المسيح هو إبن مريم فقط وليس الأبن المشترك بينها وبين يوسف. حتى قال انجيل متى :” قبلَ أن يتساكنا وُجِدَتْ مريم حبلى”. لم يشُّك يوسف في براءة مريم. لكنه لم يقدر أيضا أن يُفَّسر كيفَ هي حاملٌ و هو لم يُجامعها؟. حتى قال الأنجيل :” لم يُرد أن يشهرَها. فعزم على تركها سّرًا” (متى1: 18-19). ولوقا الأنجيلي يصَّرحُ بأنَّ اليهود حسبوا يسوع المسيحَ إبنا ليوسف ، لكن مريم صَّرحت للملاك أنها لا تعرفُ رجلا، رغمَ أنَّ يوسف زوجُها!.
هل جَّـدُ المسيح هو أبُ الله الآب ؟
لا طبعا. أولا لأنه ليس لله أبٌ إن كان هوخالقُ كلِ شيء!. ولا له زوجة ليكون له أولاد وأحفاد. والمسيح إبن الله بولادة فكرية روحية. أعطى الله من وجودِه ، بواسطةِ معرفته/إبنِه حياةً لكل الكائنات. هو أبُ كلِ كائن ولا كائن سبقه في الوجود. وثانيًا ليست الأُبُّوة والبُنُّوة في الله مثل البشر حتى يكون هناكٌ جَّـدٌ أو حفيد. الشمسُ نارٌ ونور وحرارة. والنور يخرجُ من الشمس. إنها تُولِدُه، وهو إبنُها. فهل للنورِ جَّـدٌ أو للشمسِ أبٌ؟. والحراةُ تنبثقُ من النار والنورفهل النارُ جدُّها؟. طبعا لا. هكذا المسيح الذي هو اللهُ والأنسان معا بلا أبٍ أرضي ولا جَّدٍ سماوي.
إختلافُ الأسماء في لائحة أجـدادِهِ البشر !
ذكرَ متى ولوقا نسبَ يسوع المسيح دليلا على كونه إنسانا مرتبطا بالناس. وقد حَّددَ كلُ واحدٍ هدفَه من ذكر النسب. لم يتوخَّ ولا واحدٌ منهما الدقَّة في التاريخ والمعلومات. بل حدَّدَ متى أنه يرَّكزُ على كون المسيح أتى ليكملَ وعد الله للبشر. إبراهيم المؤمن إختارَه الله وعقد معه عهدًا لتكوين شعبٍ يأتي من خلاله المسيح الموعود. وجاءَ المسيح مُرتبطًا بنسله مؤمنا مثله ومُطيعا. وداود ملكٌ حازَ رضى الله و وعده الله أن يأتيَ المسيح من نسله ملكًا يُنقذُ البشرية من الشَّرير. فالمسيح ملكٌ وكاهن يقودُ شعبَه الى الحياة. وقسمَ لائحة الأنساب الى ثلاثة ، و الرقم ثلاثة رمزُ الكمال، وكل قسم يحتوي على أربعة عشراسمًا أو جيلًا ، يمكن لتسهيل مهمة الحفظ أولدلالة الرقم مضاعفًا لسبعة الذي هو بدورِه رمز الكمال. المسيح ينتمي الى شعب الله ويُحَّققُ وعدَه لأبراهيم فيُحّلَ بركته على الأرض.
أما لوقا فقد بيَّنَ هدفَه أن يُؤَّكدَ بأن المسيح ، وإن كان إنسانا ، لكن لآ أبَ أرضي له :” كان الناس يحسبونه إبن يوسف ، بن عالي ..” ولكن ليسَ الأمرُ كذلك. بل المسيحُ إبنُ الأنسان هو عبرَ آدم “.. إبن اللـه “. ومن خلال المسيح إبن الله سوف يُصبحُ كل الناس أبناءًا لله من خلال آدم أبِ الجميع. فالمسيحُ ابنُ الله صار إنسانا وجعلَ الأنسان إبنًا للـه. ومن هذا المنطلق إختارَ كلٌ من الأنجليين اسماء الأجداد كما رآهُ مسَّهلًا ومُحَّققًا لهدفِه.
وأرجو أني ساعدتُ بعضَ الشيء في إرواءِ عطش الأخ أزل.