أهلا وسهلا بآلأخ أبو سافيو
كتب آلأخ أبو سافيو يقول :” هناكَ كنائسُ شقيقة تنظرُ إلى نسطور على أنَّهُ محرومٌ أو مهرطق”. ثم سألَ :
1ـ ” كيف تنظرُ آلكنيسة آلكاثوليكية بصورةٍ عامة وآلكنيسة آلكلدانية بصورة خاصَّة إلى نسطور؟.
2ـ هل كلُّ آلكنائس آلآشورية تتبع تعليمَ نسطور ؟.
3ـ رغمَ حِرمان نسطور من قبل كنائس شقيقة ، إلاّ إِنَّ هذا لا يمنع من لقاء كهنةِ هذه آلكنائس مع كهنةِ وبطاركةِ آلكنيسة آلآشورية في بعضِ آلمناسبات ، وتبادل آلتهاني وآلصور، كما لو أنهم من كنيسة واحدة، ومُنتَـمينَ لآيمان واحد “. وأنهى كلامَه : ” ما هذا آللـغـز” ؟؟.
نسطور ، من هو ؟
نسطور، ( ولد 386 ـ مات 451م )، راهب وأسقف ينتمي إلى آلكنيسة آلبيزنطية. ولاهوتي وفيلسوف ، إشتهر بعلمه وفضيلته وقُوَّة خطابِه، رَقَّاه الأمبراطور تاودوسيوس الثاني في 10ـ4ـ428 إلى سُدَّة بطريركية قسطنطينية. وكان في ذلك آلوقت خلافات ومنافساتٌ شديدة بين أشهر مدرستين هما أنطاكيا ، التي منها نهلَ نسطورُ علمه، واسكندرية مصر حيث تثقَّف بطريركها قورللس. إتَّهم قورللسُ حسَدًا نسطور وشكاه عند آلبابا ودعى إلى مجمع لتحريمه بسبب ما يعَلِّمه عن لاهوت آلمسيح وناسوته ، وبالتالي شخصِه وطبائِعِه. حدد قورللس موعد آلمجمع بآتفاق مع آلأمبراطور. ولم ينتظر وصولَ وفد آلبابا ولا وصول أساقفة أنطاكية ، بل باشر بآلأجتماع مع أساقفته آلمصريين وبعض أسافقة قسطنطينية، و رفض نسطور ومُؤَّيدوه حضورَ الأجتماع قبل وصول جميع آلوفود. كان آلبابا قد درس آلموضوع مع أساقفته ، إستنادًا إلى تُهم قورللس الذي سبق وحرم نسطور مع أساقفته في مصر قبل إلتئام مجمع افسس 431م. باشر قورللس بآلإجتماع في 22ـ6ـ 431م وحرم نسطور. ولما عرف ذلك بطريرك أنطاكيا قبل وصوله مع أساقفته، عقد بدوره مجمعًا وحرم فيه قورللس وآلأساقفة مؤَّيديه. ولما رأى آلأمبراطور ما حدث قرر في 29 حزيران إلغاءَ كلِّ ما أجراه قورللس.
ولما وصل وفد آلبابا آيضًا عقدوا آلمجمع رسميًا في 7 تموز 431م. وتقررَّ فيه ” شجب تعليم نسطور وتحريم من لم يحضر آلمجمع” ، وآتفقوا على تعبير آلبابا بأن آلمسيح هو” واحد ، إلَهٌ وإنسان، جوهر واحد في طبيعتين ، إلهية وإنسانية”. وهكذا إنتهت آلإلتباسات آلسابقة لنسطور في جوهرين، ولقورللس في طبيعة واحدة. عُزلَ نسطور عن منصبِه، أما قورللس فنجح في آلهروب إلى مركزه خوفًا من إجراءات آلأمبراطور. لكن هذا سكت عنه
، بينما أرسل نسطور إلى دير في منطقة أنطاكيا. لكن نسطور لم يسكت عما حصلَ، و آعتبره غُبنًا وظلما، ولم يتخَلَّ عن آلجهاد. بل أثار آلإضطرابات، فنفاه آلأمبراطور اولاً إلى آلبتراء ، ثم إلى آلواحة آلكبرى في شمال مصرحيثُ توُفيَّ ، بعد موت آلأمبراطور في 29 تموز 450م، وقبل إلتئام مجمع خلقدونيا 451م الذي حرم آلمونوفيزية وأتباعها ، اي ألقائلين بأن ” المسيحَ إِلَهٌ وإنسان ، في طبيعة واحدة “، والتعبيرُ منسوب إلى قورللس.
سنة 1896م عثرت البعثة آلأمريكية في قوجانس ـ هَكّاري ـ في مكتبة آلبطريركية المشرقية ( الآثورية ) على مخطوطةٍ بآللغة آلكلدانية ، عنوانها ” سوق هيراقليدس “، و ترجمته بـ (BAZAAR OF HERAKLEDES )، كتبه نسطور سنة 450م دفاعًا عن نفسِه، ويقول فيه عن آلمسيح عبارة ” هو نفسُه واحد في إثنين SAME ONE IS TWOFOLD THE”. أي جوهر واحد في طبيعتين. كما هو آلأنسان : شخص واحد في إثنين : نفس ( روحية/ ابدية) وجسد ( مادي/ زائل ). فغَيَّرت آلوثيقة رأي آلكنيسة عن نسطور. وقبل أقل من قرن كتب لاهوتيٌّ دومنيكاني في أيطاليا دراسةً حول فحوى تلك آلوثيقة فأظهرَ أن فكرَ نسطور وتعليمه مطابق لتعليم مجمع أفسس الذي حرمه. ولما زار آلفاتيكان البطريركُ آلآثوري مار دنخا الرابع أتَّفق مع آلبابا يوحنا بولس الثاني على شركة وحدة آلأيمان بينهما. بقيت فقط شركة آلوحدة في آلرئاسة وبقية آلعقائد آللاهوتية. وبعده حاولت آلكنيسة آلكلدانية مرتين رأبَ آلشقِّ وآستعادة آلوحدة مع آلكنيسة آلآثورية لكنها باءَتْ بآلفشل، بسبب آلخلافات آلمُتَبَّقية.
ولا ننسى أنَّ آلكنيسة آلكاثوليكية رفعت، بدءًا على يد آلبابا آلقديس بولس آلسادس وآنتهاءًا بآلبابا آلقديس يوحنا بولس آلثاني، جميع آلحرومات مع جميع آلكنائس. أما آلخلافات فباقيةٌ في عقائد كثيرة أولها وأهمها أولية أُسقف روما ، البابا ، وعصمتُه (متى 16: 18-19 ؛ لو22: 31-32 ؛ أع15: 7).
ألآشوريون ونسطور
أمَّا عن هل كلُّ آلكنائس آلآشورية تتبع نسطور، لا فقط “”لا “”. بل ولا واحدة منها تتبع نسطور. تبَّنَت بعضّ طروحاتِه آللاهوتية، لأنها إعتبرتها صحيحة. وليس لأنها من فكر نسطور، بل من تعليم آلكتاب. لكنها لم تعترف به أبدًا رئيسَها آلإداري لتتبعه. كانت في آلبدء من ضمن رقعة بطريركية أنطاكيا، لكن مبشرَها آلرسولُ توما ومُنَّظمَها آلأول أدّي ثم ماري. وقبل أن يكون نسطور بطريركًا لقسطنطينية سنة 428م ، كان آلجاثاليق مار إسحق آلأول (399-410م) بطريركًا على كرسي بابل وما يليه في آلشرق. ولم يعترفوا ابدًا لكنيستهم لقبَ ” النسطورية “، الذي أطلقه عليها المونوفيزيون. إعترض عليه بطاركتها علنا، أولُّهم ايشوع برنون (823-828م) وآخرُهم دنخا آلرابع (1976م). وظلَّ إيمانها إيمان آلكنيسة آلكاثوليكية عامةً، حتى في قِمَّةِ محاولات برصوما وغيره للدخول تحت أجنحة ” آلنسطرة “، لا للإيمان بها بل إحتماءًا من غزو آلمونوفيزية لمناطقها. وفي غمرة آلمحاولات أعلنت كنيسة آلمشرق إيمانها في مجمع الجاثاليق آقاق 486م :” … وعن تدبير آلمسيح نعترفُ بآلطبيعتين : أللاهوت وآلناسوت… وبينما آللاهوت قائمٌ ويحتفظُ بخَّواصِه، نضًم في سيادة واحدة وسجود واحد إختلافاتِ آلطبائع لأجل آلأقتران آلكامل وآلغير آلمنفصِل، الذي صار بين آللاهوت وآلناسوت “. ولا وجود للتعبير آلنسطوري عن : أُقنوم (جوهر) آللاهوت وأقنوم (جوهر) آلناسوت. ولم تنقسم كنيسة آلمشرق إلاَّ لما تبَّنى قادتُها، في آلجيل آلخامس عشر(1450)، على عهد البطريرك شمعون آلرابع باصيدي(1437-1497م)، وعاد قسم منها إلى كثلكته سنة 1551م مع وفاة آلبطريرك شمعون السابع برماما ورفض خلفه بآلوراثةْ. وآنتخب الرافضون يوحنا سولاقا بأسم البطريرك شمعون الثامن سولاقا الذي رسم أسقفًا ثم نُصِبَ بطريركا في روما 1553م بعد آلتأَّكد من إستقامة إيمانه.
وأين آللغزُ في اللقاءات ؟
إنَّ آلخلاف في آلآراء وليس في آلأيمان بآلمسيح. وكلُّ إنسانٍ حُرٌّ أن يقولَ حتى لله” لا “. خالفَ آلأنسان أمر آلله ، لم يُقاطعه آلله ولا حرمَه من إِنعامه بآلحياةِ وخيراتها. وآلمسيحُ إختار يهوذا ليكون من عمداء كنيسته. أما هذا فآختار خيانَته ، وفضَلَّ عليه آلمال الذي شنقَه بعدَه. ترك آللهُ آلخاطيء ليتوب. تركه لِيفتح له آلزمن ذهنَه ويُلِّين قلبَه. وإذا لم يرعَوِ سيُحاسبُه هو لآ بقية آلبشر. يسوع علَّمَ أنْ لا عَدّوٌ في آلمسيحيةِ. أحبُّوا أعداءَكم. من يُسيءُ إليكم، من يظلمكم، أحسنوا أنتم إليه. .. لا تدينوا ..”. يسوع قال الحق ليهوذا، وقالها للذي لطمه أثناء محاكمتِه، وقالها للروؤساء ألذين حكموا عليه بآلموت… وعلى ألصليب فاضَ قلبُه بآلمحبة وآلرحمة. فمارس أيضًا ما علمَّه لتلاميذه من إستغفارٍ ومسامحة :” يا أبتاه إِغْفِر لهم لأنهم لا يعلمون ما يصنعون “.
وإن كان بولس طلب من آلكورنثيين أن يُبعدوا عنهم آلزاني، لأنَّهم كانوا يفتخرون به (1كور5: 1-6)، وحتى لا يَعْدُوا منه آلشر لأنَّ ” قليلا من آلخميرِ يُخَمِرّوا آلعجينَ كلَّه”. بينما كتب لأهل تسالونيقي بأن يلاحظوا من لا يريدُ أن يعمل بل يريد فقط أن يأكل، وأن يتجَنَّبوه إذا لم يسمع للكنيسة ، ويُضيف :” ولا تعاملوه كعدو بل إنصحوهُ كأخ “(2تس3: 10-15).
ففي حالة آلإختلاف مع غير آلكاثوليك لا تُشَّجع آلكنيسةُ أبناءَها ممارسة آلطقوس في كنائسهم ، ولهم في نفس آلمدينة كنيستَهم آلخاصة وكاهنهم. لأن ذلك يأتي عن كسل أو لا جديّة آلعبادة. هذا ما عدا آلحالات آلشّاذة وآلطارئة. ولكن هذا لا يمنع أن يكون لنا علاقات جيدة، علاقة أُخُوَّة وآلمحبة وآلتعاون وآلحوار، مع آلجميع حتى مع غير آلمسيحي، لأنَّنا جميعًا أولاد آلله، وآلمسيح مات من أجل آلجميع وبآلأَخَّص من أجل آلخاطئين. وبآلإِضافة أعطانا حياتَه مثالا لنقتديَ بها ونكون بذلك شُهودًا للحٌق. فهو يُريدُ مؤمنيه أن يعبدوا آللهَ ” بآلروح وآلحَّق” (يو4: 23-25)، بإيمان صادق وفعَّال لا بآلحرف وآلتقليد (يو6: 63).
فآلمطلوب من آلمؤمن أن يبقى راسخًا في إيمانه آلمستقيم لا يتزعزع مع كل ريح ٍ تَهُّب. وأن يتعامل مع كلِّ آلناس بآلمحبة وآلإخاء وآلرحمة :” إفرحوا مع آلفرحين وآبكوا مع آلباكين” (رم12: 15)، لنفرش درب وحدة آلإنسانيةِ كلِّها حول آلمسيح ومشيئته ونعمتِهِ. لأننا بآلتالي كُلُّنا نؤمن بنفس آلمسيح، ونتمسَّك بتعليمه، ونرجو خلاصَه. هذا هو لغزُ آللقاءات وآلحوار وآلتآخي رغم إختلاف آلعقيدةِ وآلقوانين.