أهلا وسهلا بالأخ فادي سركيس
طرح الأخ فادي أسئلة عديدة ، فقال :
+ ما المقصود بمِلءِ الأزمنة ، التي فيها وُلد المسيح ؟
++ ما المقصود عن ” حُّبِ الله الأول ؟
+++ تفسيرُ طرد الأرواح الشّريرة ؟
++++ ماذا يعني إمتلاءُ يسوع من الروح القدس ؟ ومتى إمتلأ منه ؟
مِلءِ الأزمـنة !
يقولُ الكتاب: “لكلِ شيءٍ أوانٌ”(جا3: 1-8). لبدء الخليقة زمن. لسقوط الأنسان زمن. لتدبير إنهاضِهِ وإعادته الى كرامته زمن. ولخلاصه زمن. ولنهاية الكون الحالي زمن. بما معناه أنَّ الكون ليس حصيلة الصدفة وما يجري ليس فقط ثمرة أعمال البشر. إنَّ الله يقودُ الكون الى كماله بواسطة خدمة الأنسان. وكلُّ مرحلةٍ فيه مُثَّبتة في تخطيط الله. هكذا قال سفر الحكمة :” في يدِ الله نحن وأقوالُنا وكلُّ فهمٍ ومهارةٍ. وهو الذي وهبني عِلمًا يقينًا بكل شيء : بخلقِ الكون وبأعمال عناصِرِه، بآبتداءِ الزمن، بآستمرارِه وبآنتهائِه ..” (حك7: 16-18).
الزمن هو قياس للأنسان لتثبيت أهم أحداث حياته وللتخطيط للمستقبل. الأنسان يحيا في الزمن، ويتفاعل معه إيجابيا أو سلبيًا. ولا يقدر لا أن يعارضه، ولا أن يُغَّيرَه ولا أن يوقفَه. أما الله فهو قبل الزمن وفوقه ويتعَّداهُ، ويقدر أن يُغَّيره أوحتى يوقفه.
لقد أوقفَ الله حركة الكون على يد يشوع بن نون فتأخرت الشمس والقمر يومًا كاملاً ؟(يش 10: 12-13). كذلك على يد اشعيا النبي أخَّرَالله النهار، علامة لشفاء الملك حزقيا، ” و تراجعَ الظلُ الى الوراء عشرَ درجات على الدرج (2مل20: 11)، أى تراجعت ” الشمس بظلها عشر درجات كان قد نزلها”(اش38: 8). وقد أكد يشوع بن سيراخ خبر توقف الشمس والقمر على عهد القائد يشوع بن نون (سير46: 4). كما أكدت الأخبار الصينية قبل أكثر من خمس عشرة سنة بأنَّ علم الآثار إكتشفَ ظاهرة وهي أنَّ حركة الكون قد توقفت في زمان غابرعريق في القدم مدة ثمان ٍوأربعين ساعة!. فإذن الله خالق الزمن ما زال يتحكم فيه ويقدر أن يغَّيرَ فيه. ذلك بهدف ولسبب خطير يعود الى التخطيط الألهي لخدمة البشرية، مثل طوفان نوح!.
الزمن قد إبتدأ ، ويسير الآن، وسينتهي. و بمسيرته تتعلَّقُ أهَّمُ أحداث البشرية. في العهود الأولى من الزمن خلق الله الأنسان. ثم عصى الأنسان أمرَه وخسرَ نعيمَ صداقتِه ورعايتِه. ودخل تحت سلطان ابليس فصار يتحَّكم فيه. كان ذلك زمن الجهل. لكنَّ الله أكَّدَ للأنسان أنه لا يتخَّلى عنه ولن يتركه عبدًا للشيطان بل سيحَّرره ويجعله يتغلب على ابليس ويسحق رأسَه. فعاشت الأنسانية في ضيق ولكن في أمل الخلاص منه. وكان ذلك زمن الرجاء. ولمَّا بلغ الأنسانُ من الوعي لحُسن التمييز، ومن القوة لآختيار حفظ كلام الله ونال خبرة ًواسعة نفَّذَ الله وعدَه، وأرسلَ يسوع المسيح، إبنَ الله المتجَّسد، وكان ذلك زمن الخلاص، وهو الأخير في تخطيط الله. لقد إكتملت شدائد البشرية، تكَّون شعبُ الله على يد ابراهيم، وتشكَّلت الأُّمة ونالت الشريعة، وتحَّددت فآكتملت صورة المسيح بواسطة النبوءات، وتهَّيَـأَتْ كلُّ الأستعدادات لمجيءِ مخلصها. وهكذا قال الرسول:” ولمَّا تمَّ الزمان{الذي وقَّته الله} أرسلَ إبنه، مولودًا لآمرأة…ليفتدي الذين هم في حكم الشريعة،ونحظى بالتَّـبَني”(غل4:4).
وبآكتمال الزمن جاءَ المخَّلص فزالَ حكم الشيطان وتأسست مملكة الله على الأرض (مر1: 15). وقد أكد العهدُ الجديد أنَّ زمن يسوع هو الأخير في تخطيط الله. قال يسوع بأنَّ ملكوت الله مخطط له ومُعَّد منذ إنشاءِ العالم”(متى25: 24). وقال مار بطرس:” المسيحُ إختارَه الله قبل إنشاءِ العالم. ثم تجَّلى من أجلكم في الأزمنة الأخيرة “(1بط1: 20). كذاك أكدَّ مار بولس بأنَّه ” تناهت إلينا أواخرُ الأزمنة”(1كور10: 11). لقد دَّبرَ الله شؤون الكون ومنها حياة الأنسان وتتحَّققُ مراحله “عندما تتم الأزمنة” أى يأتي أوانها، و” يجمَع في المسيح كلَّ شيءٍ مما في السماوات وفي الأرض، “التدبيرالذي” يفعلُ كلَّ شيء على ما ترضى مشيئتُه” (أف1: 9-11). وللعبرانيين كتب الرسول:” الآن عند إنتهاء الأزمنة ظهرَ المسيح” (عب9: 26)، لا في بدايتها ولا في وسطها. وإن كانت النهاية قريبة (1بط4: 7) إلا إنَّ هذا القرب هو في حساب الله لا البشر. وعند الله كل ألف سنة بيوم واحد (2بط 3: 8). لذا ليست بعدُ الآخرة. بل هي فقط بدء المخاض، أى بداية النهاية (متى24: 8-14). وعند بلوغ النهاية يتـوَّقفُ الزمن (2بط3: 10).
حُّبُ اللهِ الأول !!
ذكر السائل بأن مار بولس يتحَّدثُ عن ” الحُّب الأول”، فتساءَل هل ” المقصود حب الله للعالم في البدء ، أم حُبُّ المسيح لخاصتِه”؟. لمْ أدر ِ في أيةِ ترجمةٍ قرأَ السائل هذا النص. لكني لم أجدهُ لا عند بولس ولا عند غيره. ما أعرفه هو أن الكلام يدور في العهد الجديد عن أنَّ الله هو الذي بادرَ أولا فأحَّبَنا. لسنا نحن من أحببنا الله أولا ويكون الله قد إستجاب لنا. بل إنَّ جوهرَ الله هو المحبة، و” اللهُ محبة ” يقول مار يوحنا (1يو4: 16). يضيفُ يوحنا : ” نحن لم نحب الله، بل هو الذي أحَّبنا، وأرسلَ إبنه كفَّارة لخطايانا”، و” نحن عرفنا فقط محَّبة الله لنا وآمَّنا بها … وعلينا أن نحب، لأنَّ حبَّ الله لنا سابقٌ لحبنا “(1يو4: 10، 16، 19). والمحبة من الله كما أكد يسوع نفسه :” أحبوا بعضكم بعضا كما أنا أحببتكم “(يو13: 34).
وليس لله سوى ” حب واحد” وهو جوهر حياته، ولا فيه تغيير أو ندم، لأنه كاملٌ و لا عيبَ فيه أو نقص أو خطـأ. أما الحُّبُ الأول فيطلق على الأنسان. وقد ذكره يوحنا في سفر الرؤيا عن أسقف أفسس قائلا:” لي مأخذٌ عليك هو أنك تركتَ *حُّبَكَ الأول*. فآذكُر أنَّى سقطتَ وتُبْ وعُد الى أعمالك السالفة “(رؤ2: 4-5). والأمرُ واضحٌ : يلومُ الرَّبُ راعي الكنيسة أنه قد فتر في حبه لله ، وربما خالف، و تعَّلقَ قلبه بحب أمر آخر. فيذكرُه الرب أن يعودَ الى حُّبه الأول، أى محبة الله فوق كل شيء.
تفسيرُ طردِ الأرواح الشّريرة !
إعلان الأنجيل واضحٌ وصريح عن ” طرد يسوع ” للشياطين والأرواح الشريرة. أخرج من المجدلية وحدها سبعة شياطين(لو8: 2). و واضحٌ أيضا أنَّ الرب خوَّلَ الرسلَ والتلاميذ بأن يطردوا الشيطان :” وأولاهم سلطانا يطردون به الأرواح النجسة…إشفوا المرضى، وأقيموا الموتى، وأبرئوا البُرصَ، وآطردوا الشياطين” (متى10: 1-8). ويؤكد مرقس “أنهم طردوا كثيرًا من الشياطين”(مر6: 13). وهذا يدُّلُ على شيئين: أولاً: وجود الشيطان وإمكانيته على أن يستحوذَ على بعض الناس؛ وثانيَا : أنَّ للكنيسة القدرة على طرد الشياطين من الناس ، فالكنيسة هي المسيح الحي، والكهنة والأساقفة رسل اليوم للمسيح وتلاميذه.
أما إذا آختلفت الآراء والتفاسيرُ حوله فـيتحمَّلُ كل واحد وزرَ إيمانه. والشيطان يُكَّيفُ بأن ينكرَ القادة وجودَه، أو يتجَّند له إكليريكيون وغيرُهم لتنفيذ مخططاته في الخفية. وقد صرَّح الشيطان نفسُه بذلك عندما أخرجه كاهن وأمره بآسم الله أن يُخبرَ عن ألاعيبِه وأساليبِه.
لماذا وافق يسوع على تجربتِه !
لمْ يوافق يسوع على أن يُجَّربَه الشيطان. بل يسوع هو الذي بادر وتحَّدى ابليس في عقر داره ـ الصحراء أو البرية ـ وأعطى الفرصة للشيطان أن يُجَّربَه حتى يتغَّلبَ هو يسوع عليه ويكسرَ شوكته ويعيد للأنسان المغلوب في الفردوس كرامته ونعمتَه. وللمزيد يمكن للقاريء الكريم أن يتطلع على مِلـَّفِ تأمل يوم الأحد الأول للصوم 7/2/2016.
متى إمـتلأَ يسوع من الروح القُدس !
هنا نتساءَل : إذا آمتلأَ أحدٌ مرَّة من الروح القدس فهل يمكن أن يمتلِيءَ منه ثانية ً؟. وإذا ذُكرَ فهل يعني أنَّ الروحَ القدس يتبَّخرُ فيحتاجُ المؤمن الى أن ينشحنَ منه من جديد؟. بينما نعلم أنَّ الروح حَّلَ مرَّة واحدة فقط على يسوع وعلى التلاميذ. وحتى نحن المسيحيين نقبلُ اليوم سرَّ التثبيت مرَّة ً واحدة ولا تكَّررُهُ الكنيسة. إذن ماذا يعني تكرارُ القول مرَّاتٍ عديدة : ” وآمتلأوا من الروح القدس”؟. يمكن أن نعيد قراءة ـأع4: 8و31ـ المذكورين أعلاه. لا ذكر لحلول الروح من جديد. بل يُذكر فقط “الأمتلاء من الروح”. ونقدرأن نفهم بأنَّ الرسول او الجمع إستسلموا كليا الى الروح القدس وطلبوا منه أن يعمل هو فيهم. وبعبارة أخرى تصَّرفوا بقوة الروح القدس لا بقوتهم، وثبتوا في التبشير.
وهنا يفيدنا أن نتذكرَ مار بولس وهو في بافس أثناء أولى رحلاتِه التبشيرية حيث وجد ساحرا وكذّابا يدَّعي النبوة اسمه ” بَر يشوع” حاول أن يُكَّذبَ بشارة بولس حتى لا يؤمن الحاكم. فتحَّمسَ بولس وآمتلأ غيرة ً فشهرَ سلاحه في وجه عدو الحَّق، مثل لبوءةٍ تُكَّشرعن أنيابِها لدرء الخطرعن فراخها. ويقول لوقا : ” فآمتلأ شاول من الروح القدس ونظر اليه وقال: أَّيُها المستَوعِبُ كلَّ خبثٍ وغش، يا ابن ابليس، ويا عدُّوَ كل بر،أما تكُّفُ عن تعويج طرقِ الله القويمة؟. ستضربُكَ يدُ الله فتعودُ أعمى لا تُبصرُ النورالى حين” (أع13: 8-11). وأُصيب بريشوع بالعمى وآمن الحاكم بتعليم بولس.
الإمتلاءُ من الروح القدس يعني إذن أنَّ من قبلَ مسَّبقا الروح القدس يلتجيءُ اليه بكل فكره وقوته ليعملَ ما يخدم البشارة أو خلاص المؤمنين. لا يتكل المؤمن على ذاته ولا يعمل فقط برغبته بل يستسلمُ للروح ويدعه هو يعمل فيه ، يتكلم أو يجري المعجزات. وحتى الخطيئة المميتة لا تقوى على إفراغ المؤمن من الروح. يظل الروح يرشد المؤمن ويوحي اليه. إنما تقف الخطيئة مانعا لعمل الروح. ويكفي التخلصُ من الخطيئة والألتجاء الى الروح من جديد حتى يعمل الآيات. ولهذا يقول الرسول :” لا تُحزنوا روح الله، الروح القدس الذي به خُتمتم ليوم الفداء” (أف4: 30).
أما عن يسوع وهو في عمر 12 سنة وما حدثَ له فلا علاقةَ لها بالرسالة المسيحانية. دور الروح القدس هو قيادة المسيح وسنده في مهمته المسيحانية. ويسوع بدأ مهمته بعماده وما تبعه حتى موته وقيامته وصعوده الى السماء. هكذا أفهم الروح القدس الكنيسة منذ أيامها الأولى ، حتى إفترضَ بطرس في اختيار بديل يهوذا ان يختاروا تلميذا من الأثنين وسبعين الذين كانوا شهود حياة يسوع “منذ أنْ عمَّده يوحنا الى يوم رفع عنا “(أع1: 22).
لكن هذا لا يعني أنَّ يسوع لم يكن يملك الروح القدس. بل كونه إلـَهًا لم يفترق عن الآب و الروح. حضوره وحدَه فقط وهو في بطن مريم قَّدَس يوحنا المعمدان الذي تحَّرك في بطن أمه التي ملأها الروح القدس (لو1: 42-44).