أهلا وسهلا بالأخ أبو ستانلي.
سأل الأخ لؤي ستانلي ::- # هل يُعاقبُ الربُ الأنسان َ إذا أخطــأ # ؟
لا أريد موتَ الخاطيء ، بل أن يتوب !
أول خطابٍ سجَّله الأنجيل ليسوع هو : ” توبوا، لقد إقتربَ ملكوتُ الله “. وفي معمعةِ جداله مع قادة اليهود الروحيين صَّرح بأن ” الله لم يُرسل إبنه الى العالم ليحكم على العالم ، بل ليُخَّلصَ به العالم” (يو3: 17؛ 12: 47). وخلاص العالم يتم ” في غفران خطايا أبنائه ” (لو 1: 77). ولن تُمسك على الناس خطاياهم الا إذا رفضوا التوبة (لو13: 3، 5).
سَّنَ البشرُ عدالتهم، التي لم تُبنَ على المحبة بل على “المماثلة”، أى العينُ بالعين، حفاظًا على أنفسهم وممتلكاتهم وليس حماية للناس وعضدا للضعيفِ ولا إصلاحا للسَّييءِ. وعدلهم يتحقق بقطع الرؤوس وتحريم الحياة على من يؤذيهم ويشقيهم. ليس البشر من أوجد الحياة. فلا يهتمُ كلُ واحد إلا بحياته وحمايتها من غيره. ولا يهمهم موتُ غيرهم أو عذابه وشقاؤُه بقدر يهمهم راحة أنفسهم. فليسوا ملزمين بغريب عنهم أو شرير ليُصلحوه. ولا يقدرون أن يضمنوا الحياة الأبدية لأحد. فلا تعنيهم حياة الآخر إلا بقدر ما لا تشكل خطرا عليهم. وإذا شكلت خطرا فلن يترددوا في عمل كل ما بوسعهم لإزالة ذلك الخطر. إنهم يُعاقبون الخطأة لردع غيرهم ممن تسَّولُ لهم نفوسُهم أن يسلكوا طريق الشر للأساءة اليهم. فالعقوبة درسٌ لذوي النيات السيئة فيتراجعوا عن غيهم ، وللنجاة من الشر الذي يهددهم.
أما الله فهو الذي أعطى الحياة للأنسان. وقد جاءَ المسيح ليضمن الحياة للناس لا ليعاقبهم بالموت (يو10:10). جاءَ مصلحًا وليس محاسبًا ومعاقبا. فلا ” يكسرُ قصبة مرضوضة، و لا يُطفيءُ شعلة خامدة ” (اش42: 3؛ متى12: 20). لأنه أحبَّ خاصته الى أقصى حد (يو 13: 1). ولم يُرسِلْه الآب أيضا إلا لأنه أحبَّ العالم جدًا حتى جادَ بآبنه الواحد كي لا يهلك من يؤمن به” (يو3: 16). وقد رفضَ يسوع معاقبة حتى أعدائه الخطأة ، وحتى دفاعًا عن نفسِه. وأكثر من ذلك. يسوع يعرف أنَّ الشريعة تأمر برجم الزناة (أح 20: 10). وجاءَ الفريسيون بزانية وطلبوا رأيه عن رجمها. لم يؤيدهم القرار. ولم يعاقب المرأة على خطأِها. لأنه يعرف أنَّ شريعة الرجم من موسى لا من الله (يو7: 19). أما شريعة الله فهي” لا تقتل ” (خر20: 13). و”لا تقتل” تشملُ كلَّ الناس حتى الخطأة ، كما أوحى بها الله الى حزقيال ، ” الشرير الذي يتوبُ عن جميع خطاياه… ويعمل بجميع فرائضي .. فهو يحيا ولا يموت … هل بموتِ الشرير يكون سروري، يقول السيدُ الرب ؟ كلا. بل بتوبته عن شَّره فيحيا “(حز 18: 21-23). ولهذا لم يُعاقب يسوع المرأة الزانية بل حرَّضها على التوبة :” إذهبي ولا تعودي الى الخطيئة “(يو8: 11). يُطَّولُ الله خلقه على الخطأة ويُعطيهم فرصة بل فُرَصًا جديدة حتى لا يهلكوا، بل يتوبوا ويخلصوا (2بط3: 9).
لقد أدهشَ موقفُ يسوع اليهودَ فحكموا عليه أنه ليس”من الله ” (يو9: 16). ثمَّ رفضوا أن يعترفوا به لا مسيحا ولا حتى نبيا (لو7: 39). تذمروا على سلوكه لأنه ” يستقبل الخطأة و يؤاكلهم”(لو15: 2) وقد إعتبرهم يسوع مرضى يحتاجون الى علاج (لو5: 31). بل إتهموه أنه عميلٌ لرئيس الشياطين (متى12: 24). وإذ رأى القادة الدينيون أن الشعبُ يرتاحُ الى تعليمه ويؤَّده في مواقفه أرادوا التخلصَ منه والقضاء عليه وعلى تعليمه (يو11: 48؛ 12: 19؛ 11: 53).
الخطيئة رابضةٌ تتلَّهفُ اليك !
لمَّا أخطأ آدم وحواء من أخبرَهما أن الله سيُعاقبهما حتى ” إختبأآ من وجه الرب”؟. مع العلم لم يُعاقبهما الله. بل كشفَ لهما فقط نتائجَ فعلتهما. أنذرهما ألا يأكلا من شجرة المعرفة لئلا يموتا. لم يقتنعا ولم يسمعا لله. وبعد المخالفة أحسَّا بالنتيجة، قبل أن يحَّدثهما الله، أنهما ” عريانان” أى قد خسرا صداقة الله وحمايته لهما. فمن لايريدُ الله، لا يفرضُ الله عليه نفسه بالقوة. إنما ليس مُلزَمًا أن يبقى صديقا محبا بينما يرفض الآخر ذلك. ولو فكر الله بمعاقبتهما لأبادَها من الوجود وخلقَ إنسانا آخر. بعكس ذلك نقرأ أن الله وعدهما بأن ينقذها يوما من ورطتهما بمنقذ يقيمه لهما من زرعهما نفسِه. أى يجعلهما يتغلبان على العدو الذي أغواهما فأورطهما ويستعيدان صداقتهما وحمايته (تك3: 8-15). أخبرهما الله فقط أنهما إختارا سبيلهما في الحياة لكنهما سيعانيان الشدة والضيق في ذلك السبيل.
وكذلك عندما نوى قائين قتل أخيه هابيل أنذره الله وحَّذره من أنه يجب أن يسودَ هو على عواطفه وأحاسيسه لآ أن تقَّيدَه هي (تك4: 7). لكنه مثل والديه لم يسمع النصيحة. وتبع شهوته فأخطأ التصَّرف ونتيجة لتلك الخطيئة خسرَ صداقة الطبيعة والكائنات فصارت تخافه وتتحَّذرُ منه فلا تتجاوبُ مع رغائبه وحاجاته. قال الرب لقائين ” دمُ أخيك يصرُخ اليَّ. .. و الأرض التي فتحت فمها لتقبل دمَ أخيك من يدكَ تلعنكَ ولن تعطيكَ خِصبَها إذا فلحتها ” (تك 4: 11-12). الطبيعة ترفضُ الشَّر لأنَّ الشرَ أذاها. الأرض تشرب الماء لا الدم؟. الطبيعة تجري على النظام الذي وضعه لها الله. وما يخالف ذلك لا تتحَّملهُ. وهذا يسبب للأنسان ألما وعذابا. إنه نتيجة حتمية لتصرف الأنسان السيء.
فالعقاب إذن نتيجة حتمية للشر. مثل آلةٍ ، سيارة مثلا، إذا حدث فيها خلل سوف تعَّذبُ صاحبها وتكون خطرا على حياتِه. الخلل هو السبب لا صاحب السيارة. وإذا كان الخلل في السائق، شربَ مثلا كحوليات حد السكر و حصل له حادث وتأذى، يتحملُ النتيجة ولا علاقة لذلك لا بالله ولا بالسيارة حتى ولا بالمشروب. جلب السائقُ نفسُه العقابَ على نفسِه (رم13: 2). لأنَّ المشروب أدى مفعوله الطبيعي. والسيارة إستجابت لأرادةِ السائق. والله لا قال له إشرب الخمرة ، ولا قال له سُقْ السيارة ولا تخفْ ، ولا دفع السيارة خارج مسارها حتى يكون مسؤولا عن الحادث. حتى لو كان السائق خاطئا ، فالله يدعوه الى التوبة ، والى إستعمال العقل في السياقة وتجنب المخاطر. أما إذا لم يسمع السائق لا للعقل ولا لله فيكون ذنبه على جنبِه.
لكل فعل نتيجة وردُّ فعل. إذا كان الفعل صحيحا تكون النتيجة ايجابية. وإذا كان الفعلُ خاطئا تكون النتيجة سيئة. وعلى نياتكم تُرزَقون (1كو 4: 5؛ رم2: 16).
والخطيئة هي خطيئة أى السلوك السَّييء لأنها تصَّرفٌ مخالفٌ لطبيعةِ الأنسان ولدعوته. ومن يسيرُ عكس السير، يخالفُ طبيعة الأمور، سيلقى عكس ما يتمناهُ أو يحتاجُ اليه. صحيح أنَّ الله هو خالقُ طبيعة الأنسان، لكنه قد نظمها لتوفر للأنسان راحة وهناء. وأيضا يرتبط الأنسان بالكون و الكائنات فعليه أن يراعيَها حتى لا تخونه. وأخيرا يرتبط الأنسان بالله وهو صورة منه فإذا أراد الكمال عليه أن يسلك مثل الله. وإذا لم يفعل وخالف ليس الله من يقاصصه بل طبيعته التي تمَّردَ عليها وخالفَ ما هي عليه. وإذا تم ذلك يتعَّذبُ الأنسان ويتألم ويشقى. هذا ما أكده الرب في مثل الغني المترف وعازر المسكين المُبتلي لما قال للغني الذي لم يعرف لا المحبة ولا الرحمة :” تذكر نلتَ خيراتِك في حياتِك.. والآن نلتَ العذاب” (لو16: 25). حياتك على الأرض هي التي حددت مصيرَك الأبدي ، ولم يجنِ عليك أحد. لأنه لا أحد فرضها عليك، ولا أحد منعكَ من أن تتصَّرف بعقل ومحبة وعدالة. والله من طرفه وصَّاك بها ودَّلكَ عليها. أنتَ إخترتَ مصيرَك وعاقبتَ نفسَك، فلا تلُمِ الله.