كتب مؤمنٌ يقول: ” قبلَ خلقِه الأنسانَ والكون هل كان اللهُ محَّبة ” ؟ ” إن كان الجوابُ بـ < نعم >، فمن كان يُحِّب ” ؟
الله هو محَّبة !
القدرة التي أوجدت الكون والكائنات ندعوها الله. فالله هو، من الأزل أي قبل الخلقة، < الوجودَ والكمال> الذي :” لا يتغَّير ولا يدورُ فيرمي ظِلاً” (يع1: 17)، ولا ينمو أو يزدادُ لأنَّه لا ينقُصُه شيءٌ، ولا يزولُ أو يقُّلُ لأنَّ به عَيْـبًا أو خللاً. هو هو ” بالأمس واليوم وإلى الأبد” (عب13: 8). فكما هو الآن كان هكذا من الأزل. وإن كان حاليًا هو محَّبة فهو محَّبة من الأزل. ولأنَّه كان محَّبة ، كما هو عليه الآن، فأعطى وأبرز ما كان عنده، ولا يزال يفعل ذلك. وعندما خلقَ اللهُ أعطى من ذاتَه : فأعطى الوجود، وأعطى الخير، وأعطى الحَّق ، وأعطى الحُّب. والعطاء بذاته هو عينُ الحب وقِمَّتُه. إذ لو لم يُحِّب اللهُ لما أعطى شيئًا من ذاتِه. والواقع أنه أعطى، فهو إذًا محَّبة، كما أكَّدَ عليه الوحيُ (1يو4: 8). ومن اللهِ جرت المحَّبةُ فينا إذ أحَّبَنا هو أولاً حُبًّا عظيمًا وأحيانا بإرسال إبنِه ليفديَنا (1يو4: 7-21).
الآبُ يُحِّبُ الأبنَ ! يو3: 35 ؛ 5: 20 ؛ 10: 17
إن كان اللهُ محَّبةً وأحبَّ قبل أن يخلِقَنا، فمن أحَّبَ يا ترى غير الموجودين؟. والموجود كان اللهَ وحدَه. فكان اللهُ يُحّبُ ذاتَه. لا حُبًّا أنانيًا بل حُبَّ الإنفتاح على الآخر. ولا ننسى أنَّ اللهَ ثالوثٌ : آب وإبن وروح ، أي” قُدرة ومعرفة ومحبة “، وندعوها بـ” الأقانيم “. فكان الحُبُّ مُتبادَلاً بين الأقانيم. ونوَّه يسوع بذلك بقوله :” أنا أُحّبُكم مثلما أحَّبني أبي .. وأنا ثابتٌ في محَّبتِه” (يو15: 9-10). حُبٌّ متبادل بين الآب والأبن داخل الثالوث :” إني أحِّبُ أبي” (يو 14: 31). وهذا منذ الأزل وليس بعد تجسد الأبن.
وكان اللهُ يُحِّبُ أيضًا الكون والكائنات، إذ كان جُزءًا ضِمنًا في وجوده ، والذي أخرجه بعدَه الى وجود مستقل، بعدَ أن نظَّمَه ونسَّقَ فيه كلَّ شيء على يد الأبن، الذي” به كان كلُّ شيء” (يو1: 3). نقدر أن نقول بأننا كُنَّا في الله قبل أن يخلقنا، كما كُنّا في آدم عندما أخطأ، وكما كُنَّا في المسيح على الصليب وفي القيامة. وكان اللهُ إذًا يُحِّبُنا نحن أيضًا قبل أن يُخرجَنا عن ذاتِه (1يو4: 19). بل ولأنَّه كان” يُحبنا حُبًّا عظيمًا ” أخرجنا من ذاته وأعطانا وجودًا مستقّلاً مثل وجوده. وقد أكَّد يسوع على حب الله العظيم لنا فقال : ” هكذا احَّبَ اللهُ العالم حتى بذل إبنَه الأوحد من أجله” (يو 3: 16). ولمَّا أخرجنا الى الوجود صنعنا على” مثالِه وصورته (تك1: 26) وسلَّطنا على الكون وما فيه. كلُّ ذلك بسبب حُّبِه لنا منذ الأزل.