أهلا وسهلا بالأخ سامر فرنسو.
كان سؤالك مثيرا لا للدهشة بل للألم والأسى!. قلتَ :
1- هل قبولُ ترديد الشهادة يجعلُ من أبـناء قُـرى المسيحيين مُسـلمين ؟
2- ليتـك تشرح لنا موقف الكنيسة من هـذه الحــالات !
وهــل حصلَ ذلك؟ لأنَّ سؤالكَ يُشيرُ الى أنَّ البعضَ قد فعلها ورَّددَ الشهادة ؟؟
موقف الكنيسـة !
أبـدأ بالسؤال الثاني. ليس للكنيسة موقفٌ غير موقفِ يسوع المسيح نفسِه. إنها حالة جحـودٍ لا فقط تستنكرُه بل تتألمُ عليه وترفُضُه. وهل لنا أغلى من المسيح ؟ أ ليس من أجل المسيح رفضَ مئاتُ الألوفِ من أجـدادنا الأعترافَ بالوثنية والزردشتية المجوسية وحتى الأسلام وسفكوا دماءَهم وظلوا متمسكين بحب المسيح؟. أ لم يُقَّطع يعقوب الشهيد 28 قطعة قبل قطع رأسه ورفضَ أن يعترفَ بغير المسيح؟. ومن أجل من إستشهدَ المطران فرج رّحو والآباء رغيد وبولس ومن تبعهم في قافلة الشهداء؟. أ لم يكن بوسعهم أن يُنقذوا حياتهم ويشتروا جهادهم بالشهادة ؟؟. لم يفعلوا ذلك.
لماذا ؟ لأنهم لم يتذوقوا محَّبة أحلى من محبة المسيح ، ولا رأوا شهادة حَّقٍ أصَّح من شهادتِه. كما لم ينسوا أن المحبة يجب أن تكون متبادلة. وأنَّه لا يجوز الإفراطُ بالحَّقَ. وقد أعلنها يسوع نفسُه : ” من نـكرني قُـدّامَ الناس نكرتُه قدام أبي السماوي ” (متى 12: 33).
ورُّبَ من يقول : إنهم لم ينكروا المسيح. إنهم إعترفوا فقط بمُحَّمد أنه نبي. نعم. ولكن سبقَ ليسوع وحَّذرَ من ظهورِأنبياء كذبة وقال بالحرف:” سيظهرُ مُسحاءٌ دجَّالون وأنبياءُ كذّابون” . وقد أنذر يسوع بوقوع أحداثٍ مأساوية مؤلمة وحَّذرَ :” إيّاكم أن يضلكم أحد”. وقد نَّـبهَ أنَّه تتزامن هذه كلها مع بعضها :”ستسمعون بالحروب، إياكم أن تجزعوا. ستقومُ أُمَّةٌ على أمة. .. وستُسَّلمون عندئذٍ الى العذابِ وتُقتلون. وتُبغضُكم جميعُ الأمم من أجل إسمي. .. ويظهرُ كثيرٌ من الأنبياء الكَّذابين ويُضلون أناسا كثيرين .. يتفاقمُ الفسقُ، وتفتّرُالمحَّبة في أكثرالناس . والذي يثبُتُ الى النهاية فذاك الذي يخلص ” (متى24: 4-13).
وترديدُ الشهادة المسلمة هي الأعتراف بنـبوة محَّمد خلافًا للأيمان بالمسيح وتناقضًا صريحا معه. إذا كان المسيحُ هو الله ، الكلمة الألهية والأبن الذي جاءَ ليخَّلصَ العالم ، فلا نبُّوة بعده. المسيح هو نور العالم. فالشهادة هي التنَّكُرُ لهذه الحقيقة وتبَّن ٍ لما ليس سوى أفكارٍ بشرية تُصَّدرُها العاطفة والمصلحة الزمنية. فالكنيسة لا تنتظر من الذي تنَّكرَ للمسيح بهذا الشكل إلا إعلان التوبة. بل وتُشَّجعُهم على ذلك. بطرس أيضا نكرَ يسوع لكنه تابَ فغفر له يسوع. وكلنا نُصَّلي من أجل عودةِ إخوةٍ منا ضَّلوا الطريقَ الصحيح.
فهؤلاء الأخوة المؤمنون الذين يكونون قد ضعفوا وأعلنوا الشهادة ، لا تحكمُ الكنيسة على الأفراد ولا تدينهم ، لأنها لا تعرفُ نواياهم وجدية ما في ضمائرهم. كما لم يدن يسوع لا بطرس ولا يهوذا على فعلتهم بل بيَّن نتائج عملهم الوخيمة. تنَّبههم الى سوءِ موقفهم ، و تشجبُ تصَّرفهم وتدعوهم الى التوبة. إنما تدينُ فعلتَهم أي ترفض كليا أن تساوم بين الحقيقة الألهية والمُبَّررات البشرية. ترفضُ قطعيا أن تُساويَ بين الخطأ والصح. ترفُضُ نهائيا أن توَّفقَ بين النور و الظلام: ” أيُّ صلةٍ بين البر والفجور؟ وأيُّ علاقةٍ بين النور والظلام ؟ و أيُّ ألفةٍ بين المسيحِ وبليعار”؟ (2كور 6: 14-15).
ترديدُ الشــهادة !
لماذا تمَّ ترديدُ الشهادة وكيفَ ؟. أ ليسَ لأنَّ الأرهابيين فرضوا : 1- إمَّا ترك البيوت و الأموال؟. 2- أو دفع الجزية ؟. 3- أو إعلان الأسلام دينا لهم؟. 4- أو المـوت ؟. ويتم إعلان الأستسلام بالشهادة. فإذن أصبحَ هؤلاء ، أمام أعين البشر،” مسلمين “. آمنوا أم تظاهروا فقط ، النتيجة أنهم يُعتبرون مسلمين ويُعاملون ويُحاسبون كذلك!. لا يحُّق لنا أن ندين الضمائر لآننا نجهلُ ما في الباطن. ولكن ظاهريا وآجتماعيًا وإيمانيا ” لقد نكروا المسيح أمام الناس”، لأنهم تبعوا من لا يعترفُ بالمسيح إلاهًا ومخَّلِصًا.
النتيجة هي نفسُها مهما إختلفت النوايا. والنـوايا ما عساها أن تكون؟. هل رددوا الشهادة حتى لا يخسروا بيوتهم وأملاكهم؟. لكن يسوع قال:” أنتم لا تستطيعون أن تعملوا لله وللمال ” (متى6: 24). وقال أيضا :” حذارِ وإيّاكم كلَّ طمع. لأنَّ حياةَ المرء ، وإن إغتنى، لا تضمنها أمواله.. يا جاهل، في هذه الليلة تؤخذ نفسُك منك، فلمن تكون أموالك “(لو12: 15-21). وأضاف :” أكنزوا لكم كنوزا في السماء”(متى6: 20). وأخيرا قال :” أن يدخلَ الحبلُ في ثقب الأبرة أيسَرُ من أن يدخل غنيٌ ملكوت السماوات”(متى19: 24).
هل رددوا الشهادة حتى لا يدفعوا الجزية ؟. لكن يسوع لم يمنع اليهود من دفع الجزية لروما (متى22: 21). إنها أمور دنيوية لا علاقة لها بالأيمان. في المجتمع الواحد تتوزعُ المهام والخدمات. هناك من يحارب ويحمي البلد، وهناك من يوَّفرُ السلاح بدفع الأموال. أما دفعَ الشعبُ العراقي ذهبهم لصدام حسين ليُحاربَ الجيش ضد ايران؟. قد تكون بعضُ الضرائب ، مثل الجزية، مخالفة للحقوق الأنسانية ، ولكن هل تستحّقُ أن أخسر ايماني للدفاع عن حقوقي؟. يسوع أيضا طلبوا منه أن يدفع ضريبة غير عادلة ، فسأل بطرسَ : ” ما رأيك : ممن يأخذون الخراجَ والجزية؟ أ من البنين ام من الغرباء؟. ( ونحن في البلد بنين ولسنا غرباء!). أجابَ بطرس : من الغرباء. قال يسوع: إذن فالبنون معفون!. ولكن لا أريدُ أن تُريبَهم. فآذهب الى البحر…وأَّدِ الجزية عني وعنك”(متى17: 24-27). يسوع دفع الجزية. وبطرس أيضا دفعها. ودفعها شعبُنا ولم يُردْ أن يخلق مشاكل لأيمانه بسبب مالٍ زائل. ونحن ايضا يمكننا أن ندفعها ولا نخسر إيماننا وحياتَنا.
وهل رددوا الشهادة حتى لا يموتوا ؟. سوفَ يموتون شاءُوا أم أَبَوا. ولكن ماذا ينفعُ الأنسان، كما قال يسوع ، لو ربحَ العالمَ كله و خسرَ نفسَه… من يريدُ أن يُخَّلصَ حياته يفقِدُها … أمَّا الذي يفقد حياته في سبيلي فإنه يجدُها “(متى16: 25-26). هل خافوا من الموت ؟. و مِن أجلِ مَن إذن جُلدَ المسيح ، وصلبَ ، ومات ؟. ولمن قال المسيح إذن : ” لا تخافوا الذين يقتلون الجسد ، ولا يستطيعون قتلَ النفس. بل خافوا من الذي يقدرُ على أن يُهلكَ النفسَ و الجسد جميعا في جهنم “؟ (متى10: 28). ولمن قال أيضا :” من أرادَ أن يتبعني ، فليزهدْ في نفسه ويحملْ صليبَه ويتبعني …من يستحي بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطيء يستحي به ابنُ الأنسان متى جاءَ في مجد أبيه ..”؟ (مر8: 35-38).
أم رددوا الشهادة لأنهم فقدوا إيمانهم وثقتهم بالمسيح ؟. كانت حياةُ المسيح شهادة للحق. و حياة المؤمن بالمسيح هي شهادةٌ له : ” أنتم شهودٌ لي ” (لو24: 48؛ أع1: 8)، وقد أدَّى الرسل الشهادة (أع 2: 32؛ 3: 15؛ 4: 23). وكيف نؤدي نحن دورَنا ونشهدُ للمسيح ؟ لاسيما وقد عَّلمنا أننا سنُضطهد :” ..سيجلدونكم .. تساقون الى الحكام والملوك من أجلي ، لتشهدوا لديهم.. ويبغضكم جميع الناس من أجل أسمي ..”(متى10: 17-22)، ” وإن كانوا إضطهدوني فسيضطهدونكم أيضا”(يو15: 20)، ” تأتي ساعة يظن من يقتلكم أنه يُقَّربُ الى الله قربانا.. وستعانون الشدة في العالم، فآصبروا لها، لقد غلبتُ العالم “(يو16: 2، 33).
ليس للأنسان حياتان. هي واحدة فقط : إما تتبعُ الحَّق وتفَّضلُ الـله، وإما تنجرفُ وراءَ الجاه وملذات الدنيوية وتخسر الله والحياة الأبدية. والمسيحي أيضا ليس معصوما ولا مُـمَّيزا عن غيره : له أن يختارَ |< إما المسيح >| أو العالم !.