أهلا وسهلا بالأخ أوراها يوحنا
لاحظ الأخ أوراها بأنَّ المُعَّزين في مجالس التعزية أو من خلال مواقع التواصل يستعملون عبارة ” يرحمه الله و مكانه الجنة”!. فآستغربَ ثم تساءَلَ لماذا لا يستعملون مثلا هذه العبارة ” أعطاهُ الله ملكوتَ السماء، وأسكنَهُ مع القديسين والأبرار.. وما شابَهَ ذلك ” ، كما يقولها الكاهن عند الدفنة أو في صلاة الجناز. فسألَ : ما الفرقُ بين ملكوتِ السماءِ والجَّنة ؟
السماء والجـنة !
السماء عبارة تُطلقُ على الفضاء الخارجي، غير المحدود واللامتناهي، والمعروف بجمالِه ونقائِه وهيبتِه وجلالِه حتى أُعتُبِرً مقَّـرًا لتواجد الله، فهو وحدَه يليقُ بقداستِه وسنائِه وعظمتِه. أما الجَّنة فيُطلقُ عادة على مكان أرضي محدود فيه من أسباب الراحة والهناء، كالخضارِ و الأزهار والماءِ والفواكه اللذيذة، حيث يجد الأنسان غذاءَ حياته ونعيمَها. هكذا تحَّدثَ الكتابُ المقَّدَس عن المكان الذي خلق الله فيه الأنسان وحيثُ كان يلتقي به وأطلقَ عليم اسم” الجنة ” ، فقال:” وغرسَ الربُ الأله “جَنَّـةً ” في عدن شرقًا، وأسكن هناك آدم الذي جبَله. وأنبتَ من الأرضِ كلَّ شجرةٍ حسنةِ المنظر، طيِبةِ المأكل، وكانت شجرة الحياة وشجرة معرفةِ الخير والشر في وسطِ الجنة. وكان يخرُج من عدنٍ نهرٌ فيَسقي الجنة…”، “… وكان الرب الأله يتمَّشى في الجنة عند المساء . ونادى الرب الأله آدم وقال له : أين أنتَ”؟ (تك2: 8-10؛ 3: 8-9). فالجنة على الأرض. والجنة مُلتقى الأنسان مع الله.
أما عن السماء فقال:” لتَفِضِ المياهُ خلائقَ حَيَّةً ولتَطِرْ طيورٌ فوقَ الأرضِ على وجه السماء … ولتَكثُرِ الطيورُ على الأرض..”(تك1: 20-22). ومن” السماء “، من عند الله، نزل مطر الطوفان ليُبيدَ كلَّ الكائنات على الأرض (تك7: 11-12؛ 8: 2). يقول الكتاب بأنَّ الله الذي ” لا تسعه السماوات وسماءُ السماوات “(1مل8: 27)، والذي” يقيمُ في الأعالي ومن أعاليه يطِلُّ ليرى السماوات والأرض”(مز113: 5-6)، قد جعلَ “في السماءِ عرشَه، وهي هيكله المقَّدَس” (مز11: 4). وقد أيَّدَ الأنجيل هذا القول عندما قال يسوع :” لا تحلفوا مُطلقًا، لا بالسماء لأنها عرشُ الله ، ولا..”(متى5: 34؛ 23: 22؛ رؤ4: 1-8). كما نقول في الصلاة الربية :” أبانا الذي في السماوات..”. ويسوع ” نزل من السماء ” (يو3: 13) ثم عاد اليها (لو24: 51 ؛ أع1: 9)، جالسًا عن يمين عرش الله (عب8: 1).
وبقدر ما هي السماءُ موطن الله إلا إنها أيضا مُلتقى الله بالأنسان. وكما كانت الجنة لآدم هكذا السماء للأنسان فتلتقي مشيئة الله بمشيئة الأنسان الصالح (متى16: 19؛ 18: 18). السماء أيضا موطيءُ الملائكة (اش6: 1-3؛ متى18: 10؛ مر13: 32؛ لو2: 15)، والناس الأبرياء كالأطفال (متى19: 14)، وخاصَّة المسيح الذين ينقلهم عنده الى السماء(يو14: 3؛ 17: 24)، حتى أكد بولس أنَّ ” وطننا نحن ففي السماء” (في3: 20).
أما عبارة ” الجنة ” فلم يرد ذكرُها في العهد الجديد كله. وإذا آستعملَها المسيحيون في تقديم التعازي فهم عنوا بها، عن وعيٍ أو عن جهلٍ، أن يتمتَّع المتوفي بالسعادة والراحة الأبديين. لقد درجَ إستعمالُها بمساحةٍ أكبر لدى المسلمين الذين نقلوها منذ البدء عن العادات المسيحية التي ألفوها قبل الأسلام. وبسبب الأختلاط وتفوَّق المسلمين عددًا تعَّودَ المسيحيون على أن يستعملوا المصطلحات الأسلامية في تعازيهم، ثم لم يستثقلوا إستعمالها حتى في تقديم العزاء في المجالس المسيحية. لا بل بلغ الجهلُ والغباءُ ببعضَهم حتى دعوا مجالسَ العزاء” الفاتحة “. قلت ُ أنَّ أحدَ الأسباب هو تفوُّق المسلمين عددًا، وهذا يُسَّهلُ تبعية الذين هم أقلَّ عددًا للأكثرية في العادات والتقاليد الأجتماعية، يتبعُه ضعفُ الثقافةِ والأيمان عند بعض المؤمنين وهذا جعلَهم لا يترددون في مجاراة المسلمين في عاداتهم وتقاليدهم ، وذلك دون وعي أو قصد. ولم يَصُّدَ ذلك بعضُ المسؤولين لعدم إنتباههم وآهتمامهم وخاصةً أنَّ الجنة والسماء موطن الله ورمز الراحةِ والسعادة، فلم يجدوا مُبَّررًا لتبديلها بما إقترحه السائل الكريم. إنها شبيهة ٌ بتلك المصطلحات كما أشار السائل نفسُه اليها، ربما دون أن ينتبه ، فقال “.. واسكنه مع القديسين والأبرار، وما شابه ذلك”. ومقر القديسين والأبرار هو السعادة والراحة والهناء مع الله ، كما كان آدم البار، قبل أن يخطأ ، يعيشُ مع الله متنَّعِمًا بالهناءِ والراحة.
السماءُ تدُّلُ بالأكثر على موطن الله ، بينما الجنة تشيرُ الى حالة السعادة. و لا سعادة بدون الله. والحياة مع الله هي راحةٌ وهناء ، هي” جنة “. فالسماءُ جَّنَـةٌ مجدِ الله وجلاله و بهائِه يشتركُ فيها القديسون والأبرار الذين أرضوا الله بإيمانهم وسيرتهم. وإذا قلنا عن المتوفي “مكانه الجنة ” أو” أسكنه الله مع القديسين والأبرار” نكون نعني نفسَ الشيء.