أهلا وسهلا بالأخ بشَّــار رسام
سألَ الأخ بشار عن :” إذا كان بابا الكاثوليك خليفة بطرس ، ماذا عن بابا الأرثذوكس “؟. إنه يعني بطريرك الأقباط ، بابا الأسكندرية
البـابــا
تعني الكلمة ” أب “. واليوم كلُّ الكهنة يدعوهم الشعب ” أبونا “. أى هم في مقام الأب بالنسبة الى المؤمنين لأنهم يدخلونهم مملكة المسيح عندما يجعلونهم بالعماد يولدون أبناء لله، ويُلقنونهم مباديءَ الأيمان ويسهرون عليهم روحيا من أجل خلاص نفوسهم. إنهم يمارسون روحيا دور الأب من إهتمام وخـدمة. وهكذا دأب الشعبُ المسيحي في الأسكندرية بمصر قبل أي كنيسة أخرى بتسمية أسقفِه ، الرئيس الديني الأعلى بـ ” بابا / أب”. ربما يرتقي ذلك الى القرن الثالث الميلادي. وبعدَه دُعي ” أسقف روما ” أيضا بـ ” بابا / أب “. وبما أن أسقف روما هو رئيس الكنيسة في كل العالم ، لذا صارَ لقب ” البابا ” يعني الرئيس الأول والأعلى للكنيسة الجامعة. أما لقب بابا الأسكندرية فآستمر وهو يعني ” أسقف اسكندرية ” والرئيس الأول والأعلى لمصر وعموم أفريقيا. وحاليا بطريرك الأقباط. أما بطرس فـبشَّر في روما وأدار الكنيسة الجامعة من هناك.
البطـاركــة
ثم إقتضت الظروف الزمنية فقـَّررَ جميع الأساقفة بآتفاق مع أسقف روما بأن يقسموا العالم الى أربع ولايات لتسهلَ إدارة الكنيسة العامة. حدثَ ذلك في القرن الثالث الميلادي. فكان كرسي روما الأول ورئيس كل الأساقفة في الكنيسة يديرُ مسيحيي الغرب. يليه كرسي اسكندرية لأهميتِه آنذاك ويديرُ مسيحيي أفريقيا. ثم كرسي أنطاكيا ويديرُ آسيا في الشرق. وكرسي أفسس يدير مسيحيي تركيا وأوربا الشرقية. ثم إنتقل هذا المنصب الى كرسي قسطنطينية التي تفوَّقت في أهميتها كونها عاصمة الأمبراطورية البيزنطية المسيحية. دُعيت هذه الكراسي أو المراكز بـ ” البطريركية ” وأسقفَها ” البطريرك ” من الكلمة اليونانية ” باترياركا Patriarca ، ويعني الأب. ربما أخذت هذه التسمية من الكتاب المقدس الذي أطلقَها على ابراهيم وإســحق ويعقوب.
ومجمع نقية المنعقد سنة 325م أكد هذا التقسيم الأداري والمُسَّمَيات، وأظهر مرونته بحيث يتغير مستقبلا حسب الحاجة. و من هذا المنطلق أخذت ، في نفس المجمع ، حبشة استقلالها الآداري عن اسكندرية ، و مدائن استقلالها الأداري عن أنطاكيا. أما في شأن الأيمان و الأخلاق فـيبقى أسقف روما هو الذي يقررُ ما هو الحق كما أكد ذلك أعمال الرسل :” وبعد جدال طويل قام بطرس وقال لهم : تعلمون انَّ الله اختارني من بينكم منذ الأيام الأوَل ليسمعَ الوثنيون من فمي كلام البشارة ويؤمنوا”(أع15: 7)، ثم فضَّ الخلاف بين الرسل بخصوص الختانة، وآلتزم الجميع بقراره. وهكذا جرى في كل المجامع التي عقدتها الكنيسة منذ 325م والى يومنا بأنَّ القرار لم يكن يُتخذ قبل وصول ممثلي بابا روما ولا مخالفا لرأيهم.
وكنيسة المشرق الكلدانية تعلن هذا بشكل رسمي ، حتى بعد إبتعادِها عن روما سنة 485م. فتقول في إحدى صلواتها لخميس الفصح :” يا رب لقد بنيتَ كنيستكَ على أساس ايمان شمعون الصفا. وبسبب وعودكَ له لمْ تقوَ أمواجُ الوثنية وأعاصيرُها أن تزعزعها. ولما رأى الشيطان أنه لا يقدر على يد عملائِه أن يغلبَ الكاثوليكية أثارَ أبناءَ تعليمها في كل الأمصار ليفنوا بعضهم بعضا بسهام الحسد..”(حوذرا 2 ص351). وفي ترتيلة أخرى تقول :” طوباكِ روما الشهيرة مدينةُ الملوك وأمة الختن السماوي. يوجدُ فيك كما في ملجأ بشيران إثنان حقّانيان بطرس رئيس الرسل الذي بنى مخلصُنا كنيستَه الأمينة على أساس إيمانه. و بولس المختار والرسول والمهندس لكنائس المسيح. نلوذ بصلواتهما لننال المراحم والرأفة لنفوسِنا” ( الحوذرا ص 179*). وهذه النصوص مثبتة منذ عام 650م.
ولما خالفَ بعضُ الأساقفة رأي خليفة بطرس وقرارَه بدأ الأنقسام. وأول إنقسام ذَّرَ قرنَه في الكنيسة كان لما رفض أسقف الأسكندرية بمصر قرار أسقف روما خليفة بطرس وكان ذلك سنة 451م في مجمع خلقدونية وأيده بعض اساقفة الشرق الأوسط ، وهكذا قامت الكنائس القبطية في مصر والأرمنية في ارمينيا، والسريانية في سوريا والعراق. ولحقتهم كنيسة المشرق الكلدانية سنة 485م ، ثم الكنيسة البيزنطية سنة 1053م واليونانية والروسية. و أخيرا البروتستانتية سنة 1520م و الأنكليكانية سنة 1531م.
وبعد عشرة أيام نبدأ أسبوع الصلاة لأجل وحدة الكنيسة. لنطلبْ من الله أن يُنَّورَ عقولنا ويُلَّينَ قلوبَنا لنصغيَ الى صوتِه ونتبعَ شريعته في المحبة والخدمة قبل طلب الألقاب أو المطالبة بحقوقٍ لا أوجدَها المسيح ولا تمَّناها ، ولا يرتبط بها الأيمان ولا الأخلاق.