أهلا وسهلا بالأخت الكريمة بشرى.
سألت الأخت بشرى عن معاني بعض مفردات إيماننا وحياتنا الطقسية ، التي نتعامل معها كثيرا دون ان نعي َ دوما عمقَ معناها الأيماني ، وليس اللغوي. ومن هذه المفردات :
• : الفرق بين الأنتقال والصعود ؟
• : معـنى الصعـود ؟
• : مفهوم معنى ” القداس ” ، Mass ؟
• : كيف إنفصلَ يسوع عن التلاميذ ورُفِعَ الى الســماء ؟
بين الأنتقال والصعـود !
عَّـيَدْنا قبل أيام عيد ” صعود” يسوع الى السماء. وفي 15 أب من كل سنة نُعَّيد عيد ” إنتقال مريم العذراء ” بالنفس والجسد الى السماء. نقول ننتقلُ من مكان الى آخر، أو من موضوع الى آخر. نُغَّير وضعنا وحالتنا. نتحَّول الى نوع آخر من وجودِنا أو نشاطنا. فمريم العذراء إنتقلت بجسدها الى السماء. لم يبقَ جسدُها في الأرض ولم يخضع للفساد مثل أجساد بقية الناس. لأنَّ جسد مريم لم يتلوَّث بالخطيئة مثل سائر الناس. صانه الله من أجل المخلص المسيح الذي كان سيتخذ ناسوتَه من جسمها. صار جسدها مُمَّجدًا في السماء مع جسد يسوع . إذن تحَّولت مريم من حالة الى أخرى. تغَّيرَ وضعُ وجودِها من أرضي الى سماوي مجيد. و نقولُ ” إنتقلت “، ونُسَّمي ذكرى هذا الحدث بـ ” عيد الأنتقـال “. ليس مهمًا أن تكون هي نفسها أخذت البادرة فآنتقلت أو إتخّذَ البادرة غيرُها فنقلها، ولا كيف إنتقلت. المهم أنَّ وضعها تغَّير، وليس مصيرُها مثل مصير كل الناس.
أما الصعود فيعني أولا ” إرتفاع ” أو” إعتلاء “، أي الأنتقال من وضع أدنى الى آخر أرفع وأعظم. نقول ” صعدَ” من الأرض الى السطح ، من الوادي الى الجبل، من درجة ملازم الى عقيد ، من مدرس الى أستاذ جامعة. فالصعود في المناصب أو المكان يعني تغييرا نحو الأجود و الأفضل. فالصعود ليس حصرا على يسوع وحده. بل في شخص يسوع ترتفع الأنسانية كلها الى وضع أفضل. الأنسان أبو البشرية أخطأ فأنزلَ عن وضعه الجيد والمريح والمجيد الى وضع أدنى وأحقروأشقى. نزل آدم عن درجةِ صداقة الله وحُرِم إمتيازات الجنة . وأكثر صارا عبدًا لشهواته وخضع لسلطة الشيطان. أما في شخص يسوع فتاب الأنسان وكَّفر عن خطيئته ودفع عنها ثمنا باهظا. وفي صعود يسوع إستعادت الأنسانية صداقة الله وآرتفعت في المجد والعظمة. يسوع الأنسان جلس عن يمين الله ملكًا على الكون كله ، على الأرض و السماء. هذا هو الصعود. ليس إرتقاء الدرجات أو السلالم ولا مراتب التيجان والنجمات. بل هو إشتراك الأنسان في مجد الله نفسِه وسلطانه. فهو ليس إنتقالا بل هو ترقية وآكتسابا.
إصنـعوا هذا لـذكري !
أثناء عشائه الأخير قدَّسَ يسوع الخبز والخمر وحَّولهما الى جسدِه ودمه. وقال ” إصنعوا هذا لذكري”أي أنتم أيضا قدسوا الخبزوالخمر وحولوهما الى جسدي ودمي لتذكروا آلامي وموتي وقيامتي. وفي القداس نتذكر موت يسوع وقيامته لأننا نقَّدسُ الخبز الى جسد المسيح والخمر الى دم المسيح ، مفصولين رمزًا للذبيحة والموت ، ثم متحدين رمزًا للقيامة. فما قمنا به كان ” قـدّاسًا”. والى اليوم يستعمل بعض المسيحيين ، كالموارنة مثلا، كلمة ” نذهب الى الكنيسة نقَّدس”. لا يقولون مثلنا ” نحضر القداس ” بل ” نقَّـدِس “!.
رُفـعَ الى الســماء !
كثَّر يسوع قبل موته وقيامته الحديثَ عن فراقه عن التلاميذ ، وعن دُنُّوِ ساعةِ مجده وآنتقاله الى ابيه وعن أنه هو والآب واحد وعن أنَّ ما له وللآب مشترك بينهما وعن مجده السابق لوجود العالم وعن إتمامه المهمة التي كلفه بها الآب وعن وحدتهما هو والآب وحتى عن طلب إشراك تلاميذه في نفس الأتحاد. لقد أنهى يسوع مهمته التي من أجلها أرسله الآب. و حان وقتُ إظهار مجدِه للبشر. ومجده أن يُباشر المهمة الجديدة ويُمارسَ، بصفته إبن البشر، سلطة القضاء على الكون. حضوره بالجسد على الأرض لا يفي بالغرض. سَّلمَ متابعة مهمته الى الرسل، فأرسلهم الى العالم، وهو رُفعَ الى السماء ، أى عاد الى وحدة اللاهوت. هذه المرة بصفته المسيح ، ابن الله الحي وآبن الأنسان. إرتفع الانسان الى مقام ابن الله. والله روح خفي. فآختفى عن الأنظار ليبقى حيا في قلب المؤمنين وفي ذاكرتهم ليروه بالأيمان ويُحَّدثوه بالروح.
رُفع يسوع عن الرسل أي إنفصل عنهم بشكل لا يقدرون أن يتبعوه. لما عرف اليشع أنَّ معلمه ايليا النبي سيغادره لم يفارقْه. و حاول ايليا كثيرا أن يُبقيَ اليشع بعيدا عنه وتحجَّجَ لكن اليشع لم يسمع له لأنه عرفَ أنه منفصلٌ عنه نهائيا. وأخيرا كشف له ايليا قائلا ” إنَّ الله سيرفعني اليه”. ورفعه بمركبة نارية فصلت بينهما وأخفته عن أنظاره. لقد إجتمع ايليا الى الله وجها لوجه (1كور13: 12). أما يسوع فقال عنه لوقا :” وبينما يباركهم إنفصل عنهم ورفع الى السماء (لو24: 51). وأكمل لوقا نصه في سفر الأعمال :” لما أنهى كلامه إرتفع الى السماء… وحجبته سحابة عن أبصارهم” (أع1: 9). تم إنفصاله عن التلاميذ في جو من الألفة و المودة والقربى. لا كغريب ولا كفقدان بل كمسافر عزيز يتجاذبُ أطراف حديث حلو مريح مع أعَّز أصدقاء لن يتركهم كثيرا حتى يعود اليهم فتقُّر العيون ببعضهم. لذا لم يكن إنفصالا مُـؤلمًا. فيسوع دخل المجدَ إذ ” جلس عن يمين الله “(مر16: 19)، فآستلم حكمَ الكون. ولم يكن بوسع الرسل أن يروه بعد. أما هم ” فسجدوا ليسوع ، ورجعوا الى أورشليم وهم في فرح عظيم ” (لو24: 52) لمجد معَّلمهم ولضمان مستقبلهم معه بآستلام مهمَّـتِه ليتابعوها.