أهلا وسهلا بالشماس سعد تومايي.
نقل الشماس تشكّيَ صديق وتساؤُله حول عدالةِ الله في عدم التساوي بين الناس في المقتنى والجاه والراحة. فالبعضُ يتنعمون بينما آخرون يتألمون ، والبعضُ تفيضُ عنهم الخيرات و غيرعم يتضَّورون جوعًا ، والبعضُ يتنقلون بين المناصب ويترَّقون وغيرهم عاطلون عن العمل ، بل لا هوية لهم ، والبعضُ مُعَّززٌ مُكَّرَم وغيرهم منبوذون ومُزدرون ، … فسأل :
1- هل إنَّ الله يُحّبُ المحظوظين أكثرَ من غيرِهم ؟ أم ما هو السبب ؟
2- ما هو موقفُ الله تجاهَ الذين يعيشون في ظروفٍ شخصية صعبة {ماديا وآجتماعيا}؟
المســاواة والأخـتلاف ، العام و الخاص !
إن كان الله قد خلقَ الناسَ كلهم متساوين فما سببُ وجودِ الفروقات بينهم؟. قبلَ كلِ شيء يجبُ أن نُمَّيزَ ونُحَّدِدَ ماذا تعني المساواة وماذا الفروقات. قد نتصَّورُ المساواة ونحصرُها في عبارة ” التشابه ” والتماثل الكلي والحرفي بين الجميع. أي كما تشبهُ مئات ألوفِ الأجهزة لأنها خرجت من نفس المعمل. والفروقات تكون عندئذ الأجهزة الشاذة التي تختلف في بعض السمات نتيجة خلل حدثَ أثناء الصنع. أو لأنَّ تلك الأجهزة المختلفة صُنِعَتْ في معملٍ مختلف. وحتى الأجهزة المتكررة قد تختلف عند إستعمالها بسبب من يستعملها وايضا بسبب ظروفِ إستعمالها. ناهيك عما يحدثُ لكل جهاز من حين خروجه من المصنع والى تشغيله من قبل موظفين مختلفين. فتلك الآلات المتساوية في الصنع تختلفُ في أدائها وإنتاجها. لأنَّ الجهاز شيءٌ ، وتشغيله شيءٌ آخر.
هكذا الأنسان. كل إنسان يُخرجُ من يد الله الخلاقة. لأنَّ كلَّ الناس يشتركون بنفس الناسوت ، أي بنفس الطبيعة البشرية التي صنعها الله ، ولهم بالتالي نفس الصفات والطاقات الجوهرية. ولكن كلَّ إنسان يعيش بشكل خاص ويستعملُ طاقاتِه الأنسانية بشكل مختلف عن غيره. هذا هو السلوك. فالخلقةُ وهبت مقّومات الأنسانية مع أداة السلوك وكلُ واحد قادرٌ على إشغالها بشكل يختلف عن غيره. فالخلقة إذن لا توَّحدُ سلوكَ الناس ولا تُحَّددُ عمله. وإلا كانوا كلهم أصبحوا مثل الحيوانات يتصرفون بنفس الطريقة، ويتمتعون بالتالي بنفس الحياة. فما يتقتنيه الواحد من خيرات الزمنية ، من مال وجاه وبحبوحةٍ، هو ثمرة جُهدِه الخاص. أما الأمراضُ والعوائق الجسدية فهي نتيجة خلل يقع في التفاعل بين الأعضاء. فلا الصحة ولا المرض من الله. والمشاكل و المظالم الأجتماعية هي نتيجة التفاعل السلوكي بين الناس الأحرار في آختيارهم و تصّرفهم. لم يُحَّدد اللهُ أفعال البشر، فلا قضَى ولا قَّـدَرَ.
المســاواة ، العّـامة !
السلوك والعمل يعودان الى إرادةِ الفرد والى آختيارِهِ. أما مساواةُ الخلقةِ فهي أن يكون لكل واحد نفسَ الأنسانية ، أي نفس المقَّـوماتِ الخاصة بطبيعة الأنسان وهي: النفسُ الناطقة و الخالدة. كل أنسان عاقلٌ وحُّر. مهما فعل الفرد وكيفما فعل فهو يُمَّيزُ بين الخير والشر. و مهما كان وضعهُ فهو يختارُ بين إمكانات عديدة ويحَّققُ ما يقتنعُ به ، وما يشاء وما يُريحُه هو. يقدرُ أن يُخالفَ أيًا كان حتى اللهَ خالقَهُ. إختارَ آدم ما آشتهاه ولم يسمع كلام الله (تك3: 6). وصنع قايين ما آرتأَه ولم يُصغِ الى تحذيرِ الله وتوجيهه (تك4: 7). بينما آختلفَ عنه أخوه هابيل وأحسنَ الفعلَ عكس قايين (تك4:4). مع أنَّ كلاهما بشر لهما نفس الطبيعة البشرية. وهكذا لا يختلفُ إنسان عن غيره في طبيعتِه ، بل في إرادتِه وعملِه. وكلُ إنسانٍ، قديسًا كان أو إبليسًا، لن يزولَ ولا يفنى بالموت مثل بقية الكائنات، بل يستمّرُ في الحياة للأبد يتنَّعمُ أو يشقى.
الخـلافات ، الخاصة !
ولا تعود هذه السعادة أو التعاسة الى طبيعة الأنسان. لأنَّ الكل مدعوون الى صداقةِ الله و التنعُّم بخيراتِه الألهية الأبدية. إنما يُقَّررُ هذا المصير سيرةِ كل واحد : أقواله وأعمالُه وحتى إهمالِه. هناكَ خلافات في المواهب إذ ليس الجميعُ مدعوين الى أداء نفس الدور أو الخدمة. كما في الجسد الواحد أعضاء كثيرة ولكل عضو وظيفته الخاصة ، وتؤولُ كلها إلى إكتمال حاجة الأنسان الجسدية ، هكذا للجسم الأنساني الواحد ،المنقسم بين الأفراد، مواهب عديدة تتوزع على الأفراد ليكتملَ الخير العام (1كور12: 1-28).
مـوقــفُ اللـه !
لا يُمَّيزُ اللهُ ولا يُفَّرق بين الناس بحيثُ يُعطي الواحد أكثر من غيرِه. وآختلافُ المواهب بين الأفراد ليس لا تفرقةً ولاظلمًا. بل هو تنسيقٌ وتنظيم ليؤَّدي كل واحد دورًا يبرزُ فيه فتكتملُ جميع حاجات البشرية. فلا أحدَ محظوظ ٌ لدى الله ولا غيرُه منبوذٌ. ولا أحدَ ينالُ أكثرأو أقل. بل ” يوزع الله مواهبَه على كل أحد.. لأجل الخير العام “!. اللهُ يُحّبُ جميع الناس ويُعطي الجميع ما يساعدهم ليشتركوا في بناء ملكوتِه على الأرض. لا يكرَه أحدًا حتى ولا الخطأة الذين يُهينونه. بل يُعطيهم فرصة التوبة فلا يخسروا الحياة الأبدية. وإذا حسبنا نعمة الواحد أو موهبته أدنى من غيره فليس هكذا يرى الله الأمور. فلا توجد مهمة أفضل من غيرها. كما يحتاجُ الجسد الى المخ والقلب يحتاج ايضا الى الأصبع أو الشعرأو الأظفر. هكذا تحتاج الأنسانية الى طبيب ومهندس وشاعر ومعلم وسياسي وفنان وموسيقار ونزّاح و..و..و وقد تكون أبسط المواهب وأدناها وأخَّسَها في نظر الأنسان هي ، كما يقول مار بولس،” أشَّدُّها ضرورة ” (1كور12: 22).
أما الذين يعيشون أوضاعا مزرية وظروفا صعبة فليس ذلك من الله. وأما لماذا يسمح بها الله فلأنه لا يتدخلُ في إختيارات الأنسان اليومية الخاصّة. عرفَ اللهُ سلوك قائين السَّيئ. نصحه ليُحَّسِنَ تصَّرَفَه. وحَّذرَه مما نوى عليه. لكن قائين لم يرعَوِ ولم يسمعْ توجيه الله ، و نفَّذَ قصده الّشرير(تك4: 5-7). لو تدخلَ الله ومنع قائين من القتل كان سيُخالفُ نفسَه وعمله في خلق الأنسان حُّرًا يختارُ فعلَه ويقررُ مصيرَه. أساء قائين إستعمالَ موهبتِه. ولم يُقَّصرالله في تزويده بمقومات إنسانيتِه من جهة، ومن أخرى بتنبيهه وإرشاده نحو الحق. فيبقى قائينُ مسؤولا عن فعلِه وما جَّرَه بذلك على نفسه من عذابٍ وشقاء (تك4: 13-14).
وقِسْ هكذا كل حالات الأنسان الصعبة والمؤلمة. ناهيكَ عن أنَّ ما نراه عند غيرنا من نعيم و رفاهية قد تكون مظاهرَ فقط، أما الباطن فقد يكون تعيسًا ومؤلما. ليس ظاهرُ الكأس مهّمًا. أهم منه هو الباطن (متى 23: 25-28). وبالأضافة إلى كلِ ذلك يسمحُ الله بالشر وشقاء البعض ليُنتجَ عنه خيرًا أعّم وأفضل. هكذا سمح لأخوة يوسف أن يبيعوه وأن يتعَّذب فيشقى ليصلَ الى سُّدةِ الملك في مصر ويُنقذَ حياة ذويه ، شعبِ الله الذي كان في بدء تكوينِه. هكذا صَّرَح يوسف بعدَ أنْ عّرَفَ نفسَه لأخـوتِه ،” أنا يوسف أخوكم الذي بعتموه الى مصرَ. و الآن لا تأسفوا ولا تستاؤوا لأنكم بعتموني الى هنا، لأنَّ اللهَ أرسَلني أمامكم لأحفظ حياتَكم ” (تك45: 4-5).
وماذا نقول عن يسوع ونبذِهِ وآلامِه وصلبِه ؟. وكانت تلك المشيئة الإلهية لخلاصِ البشرية! ، ” أن يموتَ رجلٌ واحدٌ فدى الشعب أفضل من أن تبيدَ الأُمّةُ بأسرها ” (يو11: 50-52). ويُضيفُ بولس قيمةً إضافية لآلام المظلومين حيث يقول بأنها مشاركة في آلام يسوع إستعدادا للمشاركة في مجده (في3: 10-11؛ 2كور4: 10). ويختُم ماربطرس الموضوع بتأكيده على أنَّ الضيقَ والظلمَ والآلام تعترضُ مسيرة الناس شاؤوا أم أبوا. و الطوبى لمن يتألم من أجل البر ويتحملها بفرح وهدوء على مثال المسيح (1بط2: 21؛ 3: 14-17).