أهلا وسهلا بالأخ وسام زهير خضر.
لماذا نقول : مريم هي أمُّ الله ؟ مع أنها هي أم الأنسان يسوع المسيح ؟
وذيَّلَ الأخ وسام سؤاله بتعقيب جاءَ فيه : ” أنا أعرف أن للمسيح طبيعتين : الهية وإنسانية. ونعرفُ أنَّ اللاهوت هو من الله والناسوت من مريم. أ ليسَ الأصَّحُ أن نقول : مريم العذراء هي أمُ الأنسان يسوع المسيح ، وأفضل من أن نقول أنها أم الله ؟. الله روح وليس له جسد ليتكون مِن قبل الأنسان ” !!!.
اللـه روحٌ ولا يتكون من قِبَل الأنسان !
بالتأكيد الله روحٌ. وبالتأكيد لا طاقة للأنسان أن يُعطيَ اللاهوت لأحد. لأنه ببساطة لا يملكه. ولا يقدر أن يعطيَ ما لايملكه. ولكن لا ننسى أنَّ الأنسان يمتلك روحا الهية!. روحا ناطقة وخالدة. ولا فقط يمتلكها بل أيضا يُعطيها لغيره : لأطفاله!. لا يُعطيها بمعنى أنه لن تبقى عنده. بل بمعنى يُمَّددها الى الآخرين. هو نفسه لا يمتلك الناسوتَ كله حتى يحتكره. بل هو فقط من الطبيعة الأنسانية. نال منها ما يوصله الى غيره دون أن يفقده. كما لم يفقد الله حياته عندما نفخ منها في الأنسان فجعله إنسانا ، مجبولا من التراب وتُحييه روحٌ الهية.
هذه أمور بسيطة لكننا نكادُ لا نفقهها. لأننا لا نتأملها في جوهرها كما هي، كما خرجت من يد الله الخالق، بل كما نتصورها نحن بفكرنا ومنطقنا وحكمتنا. وهكذا رفض اليهود ومعهم الفلاسفة اليونان صلبَ يسوع وقالوا إنه حماقة وعثرة ، في حين هو، كما قال بولس ” قدرة الله وحكمته “(1كور1: 23-24). وهكذا عندما نقول مريم هي أم الله كثيرون يترددون أو يتشكون من خطورة التعبير. وكأنهم يفهمون أننا نقول مريم هي إلهة وأعطت اللاهوت ليسوع المسيح. بينما هذه حقيقة أقَّرها المجمع المسكوني الثالث في أفسس سنة 431م ، أى قبل إنقسام المسيحية.
مريم هي أُمُّ اللـه !
كان أولَ المعترضين على لقب ” أم الله ” نسطوريوس بطريرك قسطنطينية. لكن إعتراضه لم يكن لأنه خاطيء. بل لأنه فقط يُشَّككُ المؤمنين البسطاء الذين قد يعتبرون مريم إلهة. هذا ما أصدى له القرآن عندما قال : ” ومن قال لكم أن تتخذوني أنا وأمي إلهين من دون الله “؟. لكلمة الأم معنى خاص. الأم ليست من تُعطي الناسوت. الأم تـلدُ شخصا، هو أنسانٌ جديد. الناسوت يتكون من الرجل والمرأة معا. يتكون الأنسان من القوة الخلاقة التي وضعها الله في الأنسان وقسَّمها بين الرجل والمرأة. فلا توجد أم من دون أن يكون أيضا أب، وكذلك العكس؟. الأمومة تشمل إذن الشخص وليس الطبيعة. لا توجد طبيعة في الهواء مولودة من دون أن تكون مُشخصنة !. يوجد أشخاص أو أفراد بشر كما يوجد أفراد غير بشر.
لو قلنا بأنَّ مريم هي أم الأنسان يسوع المسيح فقط نكون نُمَّيزُ في المسيح شخصين: أحدهما الهي من الله والثاني انساني من مريم. في حين ليس المسيحُ إلا شخصا واحدا فقط هو أنسان وألـه في نفس الوقت لأنه مولود من اللاهوت، كما قال الأنجيل :” الروح القدس يحّلُ فيك وقدرةُ العلي تظللك لذلك فالمولود منك قدوسٌ وآبنَ اللهِ يُدعى”(لو1: 35)، ومولودٌ من مريم كما سبق وقال ” ستحبلين وتلدين إبنًا .. يكون إبن العلي “(لو1: 31). فيسوع هو ابن اللـه وإبن مريم بنفس القياس. ولمار أفرام نشيد ٌ روحاني عظيم ،يقول فيه على لسان مريم :” لقد إحترتُ فيك!. أنت ابني. إذا دعوتك رَّبـا، أراكَ إنسانًا أحضنه وأُقَّبلُه وأُرضِعُه!. وإذا دعوتك إنسانا ، تسجد لك قوات السماء. علمني لا أعرفُ كيف أدعوك “!. إنه إبنٌ واحد، هوالخارجُ من اللاهوت والحالُ في حشا مريم فأخصبها و وُلدَ منها. فيسوع أبوه من السماء الله ، وأمه من الأرض مريم!. لا كما يتوهم البعض عن طريق علاقة زوجية ، بل مريم لم تعرف زوجا بالمعنى البشري (لو1: 34). إنما الأخصاب والتكوين تمَّ بقدرة الهية وفي إمرأة هي مريم. ولهذا سوف تهتف مريم ” إنَّ القدير صنع بي عظائم ، وآسمه قدوس ” (لو1: 49). وإذا كان الطفلُ الذي ولدته هو اللـهُ المتجَّسد فمريم هي أم الله المتجسد ، وليست فقط أم الجسد!.
لا يوجد في يسوع شخصٌ إنساني مستقل عن اللاهوت حتى نقول عن مريم أنها أم الأنسان يسوع المسيح. لم تتكون شخصية يسوع الجوهرية من مريم. ولم يتكون الله من الأنسان. لكن هذا الله كان بحاجة الى أم تحمله وتلده وتربيه. والا لما كان له ناسوت. كما لم يكن له أبٌ بشري وإلا لما كان يسوع إلهًـا. وكما يطيبُ ليسوع أن يُسَّمي نفسه ” إبن الله” هكذا يسمي نفسه بنفس القوة و الطيبة والتأكيد أنه ” إبنُ الأنسان”.
نقول في” نؤمن”: نؤمن برب واحد يسوع المسيح .. الذي من أجل خلاصنا نزل من السماء ، وتجَّسد من الروح القدس ، و وُلِدَ من مريم العذراء ، وصار إنسانا “. لا تشترط أمومة مريم الألهية أن تكون مريم الـهًا. هي أم المولود منها ، الذي رضعته وسبَّحته وربَّتْه. هي ولدت شخصا أخذ منها بشريته. فالمولود منها هو الله ، فهي إذن أم الله. منذ 1600 سنة تقريبا يدعو المسيحيون مريم أم الله. يتلو السلام الملائكي يوميا ملايين الناس ويرددون” يا مريم القديسة ، يا والدة الله”، ولم يُسمع في التأريخ لا أنَّ الله إعترضَ على البشر وعاقبهم ، ولا أنَّ مريم رفضت اللقبَ. بل هي أوصت بتلاوة الوردية وأعطتها سلاحا لمقاومة أخطاء الهرطقات التي ذرت قرنها في أوربا في القرن الثاني عشرالميلادي.
ربما أفضلُ لقب لمريم أن ندعُوَها ” أمَّ المسيح”. فالمسيح الــهٌ وإنسان. ولكن رفضَ لقب ” أم الله ” قد يؤدي الى نكران لاهوت يسوع. كما حدث فعلا وآدَّعى آريوس بأن يسوع هو قمة الأنسانية فقط وليس الله. والروحُ القدس الذي يقودُ الكنيسة هو الذي قاد آباء الكنيسة ليطالبوا بإعلان مريم ” أم الله “. والروحُ القدس أعلم منا بالحقيقة وبالمشيئة الألهية. لذا من الأفضل أن نسمع كلام الكنيسة ونقبل تعليمها لا أن نعارضه لأنه لا يوافقُ ذوقنا أو منطقنا البشري.