أهلا وسهلا بـنيفين وردة.
عسُر على السائل الكريم معنى هذه الآيات التي تتبعُ موت يسوع مباشرة. وستتلى على المؤمنين بعد أسبوع اي يوم الجمعة العظيمة، وفي قمة رتبة الآلام. تقول الآيات :” وصرخَ يسوعُ صرخةً شديدة ، ولفظ الروح. وإذا ستارُ الهيكل قد آنشَّقَ شطرين من الأعلى الى الأسفل. وزُلزِلَت الأرضُ. وتصَّدعت الصخورُ. وتفَّتحت القبورُ. فقام كثيرٌ من أجسادِ القدّيسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعدَ قيامتِه ، فدخلوا المدينة المقَّدَسة وتراءَوا لكثيرين ” !. فكتبَ السائل:
ما هو القصد من قديسين قاموا وظهروا … ؟
هل هي ـ حقائق ـ حرفــية ؟
نبَّشرُكم بما رأيناهُ وسمعناه لتشاركونا الحياة ! 1يو1: 3
كلُّ ما جاءَ في الأنجيل كتبَه الأنجيليون وقصدهم ، كما رواهُ لوقا ، ” لتتَيَّقَن ، ايها الشريفُ المُكَّرَم، صحَّة َ ما تلقيتَ من تعليم ” (لو1: 4). وأيضا كما قال يوحنا ،” وإنَّما دُوِّنَتْ تلك الآيات لتؤمنوا بأنَّ يسوعَ هو المسيح إبنُ الله. وإذا آمنتم نِلتُم بآسمِه الحياة “(يو20: 31).
فالآن ماذا قصُدَ متى بقوله ” قام قديسون .. وخرجوا.. ودخلوا.. وتراءَوا ” ؟. ولماذا إنفردَ وحدَه بإعطاء هذا الخبر؟.
نعرفُ أنَّ لكل واحد من كتبة الأناجيل الأربعة هدفٌ يريدُ أن يوَّجهَ إنتباه قرّائِه اليه. ومتى يريد ان يؤمن قرّاءُه بأنَّ يسوع الذي يبَّشر به هو المسيح المنتظر، من نسل ابراهيم وداود و الذي يحَّققُ النبوءات ويُكَّملُ الشريعة ، والذي يُنعشُ الكون ويُجَّددُه. يؤمن بأنَّ الأنسانية منذ أن أخطأت في شخص آدم حُكمَ عليها بالبعد عن الله ، أخرجت من الفردوس، وعدم التمتع براحةِ القرب منه والهناء. وعليه ظلَّ أبرارُ العهد القديم الذين قضى عليهم الله بالأمهال في آنتظار المخلص الذي سيخرجهم من ظلمة سجن قبرهم ” (1بط3: 19-20). ولن يعودوا الى التنعم بصداقة الله إلا بعد أن يسحق واحد من نسل آدم رأس الحية القديمة (تك3: 15). وهذا النسل هو يسوع. وقد سحقَ بطاعته رأس الشيطان وكَّفر بموته وآلامِه عن خطيئة الأنسانية.
وبناءً على ذلك إنفتح من جديد باب الفردوس الألهي أمام من يُحّبون اللهَ ويسمعون كلامه. وقديسوا العهد القديم هم الذين أحبوا الله وحفظوا كلامه. فنالوا حق العودة الى الفردوس. لقد إنتهى سجنهم وأشرق في وجههم نور الخلاص ” فقاموا ” لأنهم كانوا مثل نائمين فقدوا الإحساسَ بالحياة دون أن يفقدوا الحياةَ نفسَها، كمن في سُباتِ. و” خرجوا ” من قبورهم – عزلتِهم – وآختلطوا ببعضهم وبالآخرين لاسيما شاركوا الحياة مع الله في نعيمِه الأبدي. قال يسوع للص اليمين ” اليوم تكون معي في الفردوس”. هكذا عَّبرَ لوقا عن قيامة البشر مع يسوع وبحق موته وقيامتِه. أما متى فعَّبرَ عنها كما قرأناه في الآيات المذكورة. فقصدُ متى إذن هو أن موتَ المسيح وقيامته معًا فتحتا باب الحياة بصحبةِ الله من جديد وأن نفوس أبرار العهد القديم إنتهت عزلتها وبدأت تتنعم فعلا بالحياة. فالستار/الجدارالفاصل بين الله والأنسان قد تهَّدم ـ إنشَّقَ ـ !، وسلطان الظلمة تبَدَّدَ ، ونسيم الحياة الحَّقة هبَّ للبشر.
الحرفُ يميتُ ، اما الروح فيُحيي ! 2كور3: 6
لقد إشتهر متى بالأستناد الى حقائق حصلت لكنه يتوَّسع فيها أو يختار تعليما ثابتا ويُدخله قالب ” قصـة” قد لا تكون واقعية في حرفيتها. فلهذا لا يُؤخذ الكتاب المقدس بحرفية الكلمات المقروءة. لما تحَّدثَ يسوع عن أكل جسده وشربِ دمه لم يفهمه اليهود وحتى تلاميذه فآعترضوا عليه. فأجابهم يسوع الجسد لا ينفع شيئا. الروح هو الذي يحيي. و كلامي روحٌ وحياة (يو6: 63). ربما لم يحدث بالتفصيل كل ما ذكره متى ، لكنه حدثَ في بعض أجزائه فكمله بالقول ليوصلَ التعليم الذي يعنيه موت وقيامة يسوع. لم يختلق شيئا من خياله ولا إستند الى أساطير بل الى حقائق لم يرَ بقية الرسل ضرورة لأعلانها بسبب ما توَّخَوه من هدف في الكتابة. ويؤَّكد يوحنا أنهم لم يُدَّونوا كلَّ شيء (يو20: 30) ، وما دوَّنوه لم يذكروا عنه كل التفاصيل (يو21: 25). ومار بطرس يقول:” قد أطلعناكم على قدرةِ ربنا .. ولم يكن ذلك منا اتّباعًا لخرافات مُصطنعة، بل لأننا عاينا جلالَه “(2بط1: 16).
فإذا كتبَ متى ما نقرأُه فذاك يعني أنه ينقل إلينا التعليم، ويصُّبه في قالبٍ راعوي، أى أقرب الى الناس البسطاء، ليدركوا فحواهُ. فهدف متى أنَّ مأساة الصليب كانت قاسية جدا فأصدت لها الطبيعة نفسها بالزلزال والتصدع. ومع شدتها المؤلمة كانت تغييرا لحالة البشرية بحيث تحققَ حلمها الذي كادت أن تتنازل عنه لأنه أصبح شبه خيال ، ألا هو تحريرها من سطوة الشريرالمظلمة القاتلة والعودة الى نور الفردوس وراحتِه ونعيمِه. هذه الحقيقة أنجزها موت يسوع الكفّاري وقيامته المجيدة ، التي أنكرَها اليهود ورفضوا الأعتراف بها في حين آمن بها الوثني الغريب لما قال عن قائد المائة ورجاله :” خافوا خوفا شديدا وقالوا : كان هذا حَّقًـا ابنَ الله ” (متى27: 55).