أهلا وسهلا بالأخ فادي ألبير
قرأ الأخ فادي أخبار قيامة يسوع وجلبَ إنتباهَه أمران، حسبهما متناقضين، قول يسوع للمجدلية ” لا تلمسيني.. فإني لم أصعد بعد الى الاب “، وقوله لتوما بعد أسبوع “هاتِ إصبَعَكَ وآنظر يدَيَّ.. هاتِ يدَكَ وضعها في جنبي ..”. فآستنتجَ أنَّ صعود يسوع الى الآب يكون قد تمَّ بين القولين. فتســاءَلَ :
1- هل يعني أنَّ يسوع صعد في هذه الفترة القصيرة ؟
2- وإذا كان قد صعد ، فإذن صعودُه أمام التلاميذ كان صعودًا ثانيًا ؟
3- وإذا قرأ غيرُ المسيحي خبرَ المجدلية أ فلا يكون تفسيرُهم أنَّ المسيحَ أيضًا يُقَّللُ من شأن المرأة ، إذ رفضَ أن تلمسَه ؟.
متى صعد يسوع !
إنَّ صعودَ يسوع ونزوله ، خاصَّةً بعد القيامة، لا يُقاسُ بحركة البشر حتى تُحَدَّدَ بكيف أو متى أو كم. حركة يسوع تُعاين وتُثَّبت بعلاقة تأثيرها على الناس وتفاعل هؤلاء بها. قال يسوع للصّ اليمين وهما بعد على الصليب ” اليوم تكون معي في الفردوس”. والفردوس هي مُلتقى الله والأنسان مع بعضهما (تك3: 8-19). فإذا كان يسوع في الفردوس لابد وكان عند الآب!. وهذا بدوره يعني أن يسوع كان قد صعد عند الآب حالا بعد تسليمه الروح. ومار بطرس يقول بأنَّ يسوع “مات في الجسد لكنَّ الله أحياه في الروح” أي ظل في روحه ولاهوته في آتصال مستمر مع الآب، كما كان قبل ذلك فترة حياته على الأرض حتى قال مرَّةً :” إنَّ الذي أرسلني هو معي ، لم يتركني وحدي “(يو8: 29). ويتابع بطرس فيقول:” إنطلق { أو إنحدر} بهذا الروح يُبَّشرُ الأرواحَ السجينة ..”(1بط3: 18-20). ويؤَّكد متى أنَّ بعضًا منها قام عند تسليم يسوع روحه (متى27: 52). وهذا يعني أن حركة يسوع ليست مثل حركة البشر حتى تُحَّدَد بذاتها.
فصعودُ يسوع بالنسبة الى الآب، أي وجودُه معه ، لم ينقطع أبدًا. لذا ليست أقواله للمجدلية و توما قياسًا ودليلا بها نُحَّدد ” صعود يسوع” ولقاؤُه الآب. بل هي دليلٌ وقياس على أنَّ إنفصاله البشري الحِّسي عن الرسل لم يتم بعدُ كليًا ونهائيًا. وبالتالي هذا يعني أنَّه لم يستلم كليا أيضا بعدُ قيادة الناس وسيادته ” كإنسان ” على الكون كله، مُحَّررًا إيّاه من سطوة عدوه الشّرير. وهذا ما سيقوله لنا لوقا :” يسوع هذا الذي صعد عنكم.. سيعودُ مثلما رأيتموه ذاهِبًا “. ويؤَّكدُ بأنَّ يسوع كان يتراءى للرسل” مُدَّة أربعين يومًا .. يُكَّلمهم عن ملكوت الله” (أع1 : 3).
لا صعودٌ أول ولا ثانٍ !
وما سَمَّاه السائلُ الكريم بـ” الصعود الثاني ” ليس سوى الفراق النهائي عن التلاميذ. لن يرونه بعدُ في الجسد مثل الأول. ولهذا رفضه للمجدلية أن تلمسه يجب أن نفهمه في بُعدِه الحقيقي. أولاً كلمة “لا تلمسيني أو لا تُمسكيني” لا تعني حرفيًا رفضه أن تمُّسَهُ بقدر ما يريد يسوع أن يُقَّلل من جيشان عاطفة مريم ويُعَّلمها أنه لم يعُد بالجسد الحسي لتلمسه. إنه في وضعِ روحاني، في جسد مُمَّجد، لا تنفعه بعدُ العاطفة لتتعامل معه بل أن تتعَوَّد على التعامل الروحي معه. يسوع موجود في الفكر والقلب والوجدان. ويقودُنا التفكير إلى فهم كلام يسوع بهذا الشكل إذ نقله يوحنا وسَجَّله وفسَّره بعد أكثر من خمسين سنة بعد قيامة يسوع، أي عندما حَرَّرَ إنجيله بين سنة 95 و 100 ميلادية. ونعلمُ أنَّ إنجيل يوحنا يُدعى بالأنجيل الروحاني، وليس الحرفي. فبما أن يسوع لن يغيبَ كليا عن تلاميذه وأحَّبائه فهو يدعو مريم، ومن خلالها، كلَّ أحبائه المؤمنين به إلى أن يتعَوَّدوا على تقديره وإظهار حبهم له بالأعمال لا بالحركات العاطفية. إنه باقٍ معهم وغير مستعجلٍ إلى مغادرتهم والأجتماع مع الآب. ويؤَّكد مرقس هذه الرؤية، أي أن الصعود النهائي يعني إستلامه قضاء الكون و سيادة الأنسان عوض ” سيَّد العالم ” السابق، أي ابليس الذي حُكم عليه (يو16: 11). يقول مرقس :” رُفعَ يسوع الى السماء ، وجلس عن يمين الله “(مر16: 19)، أي إستلم السيادة على الكون بصفته ” ابن الأنسان”. فقال عنه بطرس في أول خطبةٍ له:” إنَّ اللهَ رفعَ يسوع بيمينه .. وجعلَه.. رَبًّا ومسيحًا “(أع2: 33و36). فصعود المسيح لا علاقة له بالأحاسيس البشرية ولا بمبادئها ولا بطرق تفكير أبنائها أو تصَّرفاتِهم.
والتقليل من شأن المرأة ؟
فيسوع لم يُقَّلل من قيمة المرأة عندما نصحَ المجدلية ألا تتعامل معه كالسابق بل رفع من شأنها ودعاها إلى إستثمار موهبتها، كونها هي أيضا صورة الله مثل الرجل، بل هي معه تُكَّمل صورة الله، فدعاها الى الأهتمام بالتبشير به وإعطاء الشهادة للعالم عن من آمنت به و أحَّبَته :” إذهبي إلى إخوتي وقولي لهم..”(يو20: 17). لقد رفع معنوياتها وثَبَّتها في إيمانها ومحبتها و كلَّفها بمهمة لمْ تُعزَ قبلها إلى غير الرجل!. وكأنه يقولُ لها بطّلي أن تفَّكري بقلبكِ، وأن تقبلي بإهانة الغير لكِ. أنا أدعوكِ أن تكوني بالفعل إمرأةً رسولةً لا خجولة. أمَّا أن لا يفهم كلُّ القرّاء هذا، فهذه مُصيبة كلِّ من يعْتَّدُ بنفسِه ولا يعترفُ بغيره حتى ولا بالله، وتلك مُشكلته ويُحاسَبُ عليها. وحتى الرسل لم يفهموا في البداية كلَّ ما نطقَ به يسوع و أعلنه. عندما تحَّدثَ عن أكل جسده وشرب دمِه كادوا كلهم أن يتخَّلوا عنه (يو6: 60-69). ومع ذلك لم تفشل رسالتُه ولا بَدَّلَ خطَّتَه ولا تراجعَ عن الحقيقة لأنَّ تعليمَه كان” روحًا و حياة ” (يو6: 63).
وأما إذا إعتبرَ البعضُ كلام يسوع ضُعفًا لا بل خطأًا فتلك نظرتهم للأمور لا الحقيقة. لما أرادَ القادة اليهود إثباتَ جريمةٍ على يسوع للحكم عليه بالموت لم يجدوا حجَّةً ولا إتفَقت حتى شهادات زورِهم (متى26: 60). وقد صَرَّحَ يسوع مَرَّةً أمام جمع منهم ” من منكم يقدر أن يُثَّبت عليَّ خطيئةً” لم يقدروا رغم إتهاماتهم (يو8: 46). ولمَّا إستحلفوه بآسم الله القدوس أن يقول لهم إن كان حَقًّا هو المسيح، وقال لهم أنه هو حكموا عليه بالموت، لأنه قال الحق. وصلبُ اليهودِ للمسيح لم يُغَّير لا حقيقة هويتِه ولا قُـوَّة نفاذ كلامهِ ولا براءة سلوكه وذِمَّتِه. ليست الكنيسة لا مسؤولة عن سوء فهم غيرأبنائها، ولا مستعِدة لتغيير كتابها أو تعليم معَّلمها. تشرح للناس إيمانها وتُبَّررُ بمعجزاتِ قديسيها رجاءَها بالحياة الأبدية و ثقتَها بكلام مُخَّلِصِها.