أهلا وسهلا بالأخ أيــاد عــامر.
للأخ أيـاد رغبة وأمنية أن يتركَ حياةَ العالم ويعيشَ للرب. ويريدُ إنْ يعرفَ إن كان الله حَّقًا هو الذي يدعوه الى التكَّرُسْ لخدمتِه مدى حياتِه. فســألَ :
كيفَ أعرفُ مشـيئة الرب في حياتي ؟ كيفَ أكتشفُ دعــوتي ؟
نــداءُ الـرب !
كان موسى يرعى الغنم في الجبل عندما سمع صوتَ اللهِ يناديه بآسمه ، ثم يُكَّلفُه بخدمته : ” رأيتُ ظلمهم.. فنزلتُ لأنقذَهم من أيدي المصريين… فتعالَ أرسلُكَ الى فرعون لتُخرجَ أنتَ شعبي .. من مصر”(خر3: 7-10). أرادَ الله أن يُقَّدمَ خدمة للبشر وينقِذَهم من العذاب فدعـا إنسانا وأرسله ليُنَّفِذَها بآسمِه وبمساعدتِه. موسى إستفسر: من أنتَ ؟. ثم إعترض: قد لا يُصدقني الشعب ولا يخضعون لقيادتي. وإذ تردَّد أمام جسامة وخطورة المهمة وحسبَ نفسه غير مؤَّهلٍ لها ، أضاف: ما كنتُ يوما رجلا فصيحًا .. أنا بطيءُ النطق وثقيلُ اللسان” (خر3: 13؛ 14: 1، 10).
هكذا دعا الربُ أيضا إرميا (تنبَّأ من 627 الى 587ق.م). ودعوة الرب وآختياره أزليان :” قبل أن أصَّورَك في البطن إخترتُك، وقبل أن تولد كرَّسْتُك نبيا للأمم… أينما أرسلك تذهب، وكلُ ما آمرك به تقوله. .” (ار1: 1-7). وبدوره إعترضَ ، مثل موسى: أنا لا أعرفُ أن أتكلم لأني صغير”. يرُّدُ عليه الرب مؤَّكدًا له عونه :” لا تقل إني صغير…لا تخف من مواجهة أحد. أنا معك لأنقذك. ثم مَّدَ يدَه ولمس فمي وقال: ها أنا جعلتُ كلامي في فمك، وأعطيتُك اليومَ سلطةً على الآمم ..” (ار1: 6-10). وأضافَ الرب :” إذهبْ ونادِ في أورشليم ..” (ار2: 1).
ودعا الرب أيضا مباشرة متى (متى 9:9) ، ومار بولس :” وسمع شاول هاتفًا يقولُ له : ” شاول، شاول لماذا تضطهدني .. أنا يسوع ..قُم وآدخُل المدينة فيقالُ لك ما يجبُ عليك أن تفعل.. ونادى الربُ حننيا .. إذهب الى الزقاق المستقيم .. إسأل عن شاول.. إذهب ، فقد إخترتُه رسولا يحملُ اسمي الى الوثنيين .. أرسلني الرب اليك لتبصر وتمتليءَ من الروح القدس.. إعتمد وتناول الطعام … ثم أخذ من ساعته ينادي.. بأنَّ يسوع هو آبنُ الله ” (أع9: 4-19).
توجــيه وســيط !
هذا عن الدعوة المبَّلغة مباشرة من الله. لكن الله يستعملُ أحيانًا وسطاءَ يُبَّلغون دعوته الى من إختارَهم. فمثلا اليشع النبي إقتربَ منه ايليا و” ألقى عليه عباءَته ـ وهي علامة أنه يمتلكُه فيتبَعُه، راعوث3: 9، وأنه يُسَّلمُه مهمَّتَه 2مل2: 13 ـ فتركَ اليشع البقر وجرى وراءَ ايليا .. ثم ذهبَ معه ليخدُمَه ” (1مل19: 21). وكذلك الرسل الأوائل ،لاسيما بطرس وأخوه مع يعقوب ويوحنا أولاد زبدى، أرشدهم يوحنا المعمذان الى معرفة يسوع والتتلمذ له (يو1: 35-42)، وكذلك نثنائيل تبع يسوع بناء على دعوة فيلبس ” هَلُّمَ وآنظُر”(يو1: 46).
إيـحـــاء ومـواهـب !
وبطريقة ثالثة يمكن للأنسان أن يشعر بدعوة الله ويتعَّرفَ عليها وهي بما يهَبُه الله للشخص من مواهب خاصة تتميَّزُ بها حياة رسله، أو يُلهمُه سلوكا خاصًّا ينفردُ به المُكَّرَسونَ لخدمتِه. منها الشوق والرغبة الى الروحانيات والى الخدمةِ والتبشير بكلام الله. وبما أنها ليست صريحة كالطرق الأولى فيحتاج الذي يشعر برغبة وميل الى التكريس لله أن يختبرَ ذاتَه وقدراتِه وهواياتِه ، وأن يستعين لذلك بالخبراء بالحياة المُكَّرَسة. وأفضل السُبل لذلك هي ممارسة النشاطات الدينية التي يلتزم بها المدعوون للخدمة ، أو محاولة العيش في دير ما أو معهد تثقيفي للكهنوت فيختبرَ مدى قابليته وآستعدادِه لعيش تلك الحياة ، وماذا عليه أن يعزله ويُبعدَه عن سلوكه اليومي ليستطيع أن يسلك الدرب المطلوبَ منه وبالوسائل الخاصة. إنه يختبر بذلك هل هو مؤَّهل للخدمة التي يشتاق اليها أم لا. لأنه قد تكون بعض الرغبات شعورا عابرا لا أساس له. وإذا تأكدَ أنه قادرٌ على عيش تلك حياة الخدمة وأنها تريحُه فذلك يعني أنَّ الله هو الذي يدعوه ، وأن ذلك النوع من الحياة الأجتماعية يُسعدُه ويضمن حياته الابـدية.
و قد ذكر متى ليسوع كلاما عن الحياة الرسولية (متى8: 19-22) جاء فيه: قال له كاتبٌ : يا معلم أتبعك.. أجابه يسوع: للثعالب أوجرة ولطير السماء أوكار، أما ابن الأنسان فليس له ما يضع عليه رأسه”. أى الدعوة لا توعدُ بالعيش الرغيد والمترَّفه. من يتبع يسوع ليخدم لا يتوقعُ ولا يفكرُ بآقتناء المال والإغتناء. قال آخرليسوع وقد دعاه ليتبعه :” إيذن لي أن أدفنَ أولا أبي ” ردَّ عليه يسوع :” دع الموتى يدفنون موتاهم، أما أنت فآتبعني “!. أي لا تهتم بما ليس واجبك وعملك. أما عملك ومهمتك فلا تؤَّجلها ولا تُهملها و لا تتصَّور أنه توجد مهمة أقدس وأفضل من تلبية نداء الله والعيش بموجب دعوتِه. يجب أن يثق المدعو بالله : بوعوده وبقدرته على تحقيق ما يطلبه من الأنسان.
لما دعا الله ابراهيم لترك ” أرضه ، وعشيرته ، وبيت أبيه ” لم يتردد في ترك أورالكلدانيين والتوجُّه نحو المجهول؟ ولما وعده بزرع من نسله وهو شيخ وزوجته عجوزة وعاقر لم يشك في أن الله قادر على تحقيق ذلك. ولما طلب منه ان يقدم إسحق ذبيحة لم يتردد في أنَّ الله يعرف كيف يلتزم بوعده وأنه لا يمكن ان يؤذيَ أحدًا، وأنه سوف يفهمُ فعله بعد أن يتم. آمن ابراهيم بالله وآستسلم لمشيئته ، وآستجاب لمشيئته منَّفـذًا كل ما طلبه منه بثقةٍ وبرجاء.
فمن يشعرُ بالدعوة لتكريس ذاته لله ويتأكد بمعونة الخبراء ، ولاسيما بالصلاة الى الله ، أن يلَّبيَ الدعوة بفرح وآرتياح وبثقة تامة بالله بأنَّ ذلك الطريق وحده يقوده الى الحياة الخالدة في الـراحةِ والهناء والمجدِ والبهاء.