أهلا وسهلا بالأخت نـدى بويــا.
تابعت الأخت ندى قراءة مواعظ آحاد الصوم المنشورة في الفيس بوك. وآستوقفَتها في موعظة الأحد السادس وموضوعها ” الصوم والسهر” عبارةٌ جاءَ فيها ما يلي :” الموت نهاية ، لا للحياة بل للحرية وآقتناء المزيد. بعد الموت لن يختار الأنسان مصيرَه. بل يكون قد هَّيَـأ له وحَّـددَه بمسيرةِ حياتِه ، بـ ” إيمانِه العامل أو لا بالمحبة “. الموتُ يُثَّبتُ المصير لا يُقَّررُه. عَّلقت الأخت ندى عليه قائلة :إذا كان الموتى قد حدَّدوا مصيرَهم في الحياة قبل إنتقالِهم ، إذن لماذا نذكرهم في صلواتنا ؟ وأضافت سؤالها :
## -:- هل لِصلواتنا ، لأجل الموتى وأنفس المطهر، منفعةٌ روحية أم لا ؟
تثبيت المصير أم تقريره !
الفرقُ كبيرٌ بين تحديد المصير وبين إقراره. تثبيت المصير يعني يرتبطُ خلاصُ الأنسان وسعادته ، أو هلاكُه وتعاستُه، بسلوكه اليومي على الأرض. إذا عاشَ صديقا لله ، محّبا له وللقريب، ومطيعا لأرشادِ الله له فعند موته لا يوجد فيه ما يمنعه عن الأستمرار في العلاقة الطيبة مع الله. هكذا الى أن ظلَّ آدم حافظا كلامَ الله مبديًا إحترامه ومحبته تمتعَ بالسكنى معه في فردوسه. ولما عصى أمرَه وفضَّل على الله شهوتَه حدَّدَ بذات الفعل أنه يفضل نفسه على الله. ولما عرف أنه خسرَ الرهان زادَ في الطين بِلَّة ً إذْ بَّررَ مخالفته عوضًا عن أن يعتذر. فآختبأَ أولا من حضور الله ثم آنسحبَ خارجَ الفردوس بدون آعتراض لأنه لم يكن ممكنا أن يعيش تحت نفس السقف ، في نفس الجنة ، مع من رفضَ حُّبَه. فِعلُهُ حَّدَدَ مصيره. وقرار الطرد لم يكن سوى إعلان تلك الحقيقة وتنفيذها. هكذا يحصلُ لكل أنسان بعد الموت. هذا ما قاله الرب يسوع : “سيأتي إبن الأنسان في مجدِ أبيه وملائكته فيُجازي كلَّ آمريءٍ على قدر أعمالِه ” (متى 16: 27). يسوع سيعلن فقط ما حدده الأنسان بأعمالِه. العذارى الجاهلات لم يحبن كما طلب الرب فلم يسهرن ولا إستعددنَ للقاء الله. ولما جاء الختن غيَّبتهم غباوتهم عن الدخول معه. ولما أغلقَ الباب وقرعت الجاهلات ردَّ الرب ” لا أعرفكن “!. من أنتن ؟ ولِمَ لمْ تكُّنَّ حاضرات؟. لقد حددتن أنتن مصيركن أن تبقينَ خارجًا!.
الصـلاة للمـوتى هل تنفع ؟
نحن لا نعلم مصير موتانا. ولكننا نعلمَ أنَّ أبرارَالعهد القديم لم يهلكوا مع الأشراروالفاسدين. ولم يتنعموا أيضا برؤية الله. لم يدخلوا راحته في فردوسِه. كانوا ينتظرون مجيءَ المسيح ليخَّلصهم من وضعهم التعيس. ما كان يُعَّزيهم أنهم لم يهلكوا وأنهم سينعمون بالرؤية مع الله وجها لوجه مع قدوم المسيح. ولما مات المسيح على الصليب لم يمت فقط من أجل الأحياء. بل من أجل الأموات أيضا. كانت ذبيحته صلاةً من أجل الأموات والأحياء. وخلصَّهم فعلا. هذا ما قاله متى :” الأرضُ تزلزلت، والصخور تصدَّعت ، والقبورُ تفتحت فقام كثير من أجسام القديسين الراقدين…”(متى27: 51-52). أين كانوا ؟ في القبورأى في ظلام وحالة مخزية ومؤلمة. أنقذتهم منها صلاة المسيح. كان مصيرهم قد تحَّدد منذ حياتهم على الأرض بموجب سيرتهم وعلاقتهم الجيدة مع الله. ولكن لم يتمتعوا بالسماء لأنهم كانوا ما يزالون تحت نير الخطيئة الأصلية. لم يكن لهم خطاياهم الفعلية التي تبعدُهم عن الله. والخطيئة الأصلية لم يكن بوسعهم أن يتخلصوا منها فعاشوا مع أبيهم آدم وهابيل وشيت ، لا مع قائين وأمثاله الأشرار. وصلاة يسوع أنقذتهم من حالتهم.
هكذا اليوم كلُ واحد منا يحدد مصيره بسلوكه الخاص. فهناك من يهلكون، وهناك من يخلصون. والمخلصون قسمٌ منهم، القديسون ، يشاركون مجد يسوع ونعيمه حال موتهم مثل اللص اليمين. وقسم يتأخر. وهؤلاء هم الذين في المطهر. الذين تابوا عن ذنوبهم لكنهم لم يكفروا عنها بالكفاية مثل لص اليمين فيتأخرون عن دخول السماء زمانا يحتاجون اليه للتطهير. فهؤلاء تنفعهم صلاتنا. وهذا ما قالته مريم العذراء في فاتيما للرؤاة الثلاثة لوسيا وهياسنت وفرانسوا سنة 1917م. فبعد أن أرَتهم منظرا من المطهر وفيه نفوس تتألم طلبت منهم أن يصلوا من أجلهم ويقوموا بإماتات وتضحيات عوضا عنهم ليدخلوا السماء سريعا. فأنفس المطهر لم يُدانوا بالهلاك الأبدي. هم مخلصون. لكنهم ليسوا مستعدين لدخول مجد الله حال وفاتهم. فتصلي الكنيسة مع المسيح من أجلهم ليكتمل تطهيرهم سريعا. عزاؤُهم أنهم لم يهلكوا. ورجاؤُهم أن نسعفهم نحن بصلاتنا. لأنهم لا يقدرون أن يعملوا شيئا صالحا جديدا يُضافُ إلى رصيدهم ، يُسعفون به ذواتِهم، فيخلصوا. إنما ينتظرون إسعافنا لهم.
فلِصلاتنا من أجل الموتى ، نفوس المطهر، نفعٌ كبير. وأعظم نفعٍ يحصُدُه هو المصلي نفسه قبل الميت. لأن من يصلي من أجلهم يقوم بذلك عن محبة ، أى يريدُ ألا يطول عذابُهم فيقررُ أن يتحمل جزءًا من عذابهم، ويتعَّذب قليلا هنا بدلا منهم. مثل سجين لا يقدر أن يدفع غرامة فرضت عليه، يأتي آخرون ويدفعونها عنه فيخرج من السجن. كما فعل يسوع الذي أطاع الله عوض تمرد آدم وتألم عوض التمتع بشهوة المجد والجاه لأنه أحَّبَ الذين كانوا يتألمون و ينتظرون خلاصَهم ،” وعلم يسوع أن ساعة آنتقاله قد حانت ، وقد أحب أصحابه .. ، فبلغَ به الحبُ لهم الى أقصى حدودِه “(يو13: 1) فمات هو ليحيوا هم!.
وبجانب الحب تكون الصلاة من أجل الموتى وتحَّمُلُ الضيق لأجلهم خدمة تقَّدَم بآسم المسيح للمحتاجين. ويسوع دعانا الى ذلك ، وأعطانا المثل (يو13: 15). بل وأكَّد أنَّ إعطاءَ فقط كأسَ ماء بارد لعطشان أجره لا يضيع عند الله (مر9: 41). والخدمة بعد المحبة دعامة أساسية في بناء صرح الخلاص لأنفسنا. وإذا تشبهنا هكذا بالمسيح وشاركناه محبته وحملَ الصليب فنشاركه قيامته أيضا.