لاحظت فتأةٌ تدخلَ أهل كثيرين من الشبيبة في حياتِهم ، وأحيانا بشكل يؤَّثرُ بل يُسيءُ اليهم. فسألتْ :” لماذا يُحّبُ الأهل أن يُقَّـرروا كلَّ شيءٍ عوضًا عن أولادِهم. وبالأخص في حياتِهم الخاصة ومستقبلهم “؟.
موقفُ الأهــل !
إنَّ الوالدين يُحَّبان أولادهما. ومنذ إنجابِهم ، وحتى بلوغهم ، أى مدَّة ثمانية عشر سنة، لا فقط يُساعدونهم بل ويتحَّملون المسؤولية كاملة عن حياتهم ، حاجاتِهم وتَّصرفاتهم. وفي تربيتهم لا يحاولون أن يكتشفوا مواهب أولادهم فيُغذونها ويُشَّجعونها ، كما لا يُلاحظون التغيير الذي يطرأ على نمُّوهم الكياني لاسيما في الفكر. لم يتعلموا بأن الطفلَ يتطور. ولم يشعروا باختلاف الطفل عنهم إلا بالجسد. وحتى لو كبر وتزوج لا يرون فيه سوى الصغير الذي يحتاج الى إرضاعه فكريا ، وحمله اجتماعيا ، وتوفير حاجاته على ذوقهم وبمالهم. تنقصهم مبادئ تربوية كثيرة تجعلهم يرون في طفلهم كائنا مختلفا عنهم ، قائما بذاتِه ، له شخصيتُه وله طاقاته وله دورُه في الحياة. وهذا الطفلُ يمُّر بمراحل مختلفة تتطور من زمن وحالة الأتكالية على الوالدين الى حالة تقرير المصير واتخاذ القرارات الحاسمة وتحَّمل كثير من المسؤوليات. من المفروض أن ينتبه الوالدان الى هذه الأمور ويدربوا أولادهم ، مع تقدم عمرهم ، على أن يتكلوا شيئا فشيئا على ذواتِهم ويشتركوا معهما في تحمل حتى مسؤولية العائلة. وقلة من الأهل يعتقدون أنهم وحدهم يفهمون ولا حياة حقيقية إلا من منطلق نظرتهم وحسبما يقررونه بغض النظر إن كان غيرهم من الأهالي يختلف مع كذا توجهات.
موقف الأولاد !
وهناك أيضا الأولاد الذين إذ يشعرون بشخصيتهم المختلفة عن أهلهم ويرون الحياة بإطار مختلف ويقفون أمام التطورات العلمية والتقلبات المستمرة في سلوك البشر ، ولاسيما أنهم يرتبطون بعجلة الحياة الكونية يرون في أهلهم أناسًا متخلفين وجهلة فيرفضون الانقيادَ لهم حتى قبل بلوغهم السن القانونية لاتخاذ المسؤوليات. يسعون دوما إلى التحرر من سـلطة الآخر ليتمتعوا بحّريتهم. يريدون أن يبرزوا شخصيتهم ويبرهنوا على قدراتهم واستقلاليتهم. وبعكسهم يوجد شبابٌ ضعاف الشخصية والقرار يأبون تحمل مسؤولياتهم الخاصة ويلقون المسؤولية كلها على عاتق والديهم.
لمـاذا اختلاف المواقف ؟
لسبب عدم نضوج الوالدين تربويا ، وبالتالي إعطاء تربية ناقصة لأولادهم. إن أهم عنصر في التربية هو القناعة بأن الطفلَ مختلف عن والديه. وبما أنَّه ثمرة محبة الوالدين يجب أن يُحباه لا عاطفيا فقط بل عقليا ، ويقبلان بالأمر أنه أمانةٌ سُّلمت اليهم لا فقط ليتنعموا بوجودها إذ تملأ عليهم حياتهم ، ولكن أيضا ليُشرفوا على تنميتهم بشكل يخلق منهم للمستقبل رجالا ونساء قادرين على التمييز بين الخير والشر ، ولاسيما على أتخاذ قراراتٍ صائبة تساهم في بناء البشرية. ليُدرب الأهلُ أطفالهم على الاعتناء بذواتهم وبغيرهم ، وعلى تحمل مسؤولياتهم حسب تقدم أعمارهم ليكونوا مؤهلين لاستلام راية القيادة والتقرير ومشاركة غيرهم في تطوير الحياة وتسهيلها لسعادةِ الإنسانية . ليستفـدْ الأولادُ من خبرةِ الوالدين ، و ليسفِدْ الوالدان من ثقافةِ الأولاد العلمية المتطورة. ليحترمْ كلُ طرفٍ الآخر لأنه يُحبُّه وليتركْ له حرية الاختيار وتقرير المصير. لايُقمْ أيُّ طرفٍ نفسَه حكمًا فيأمرُ ، بل صديقًا يتجاوبُ مع حاجات صديقه ويخدمُه في تتميم رغائبه . وتقريرُ المصيرِ لا فقط هو حقٌ لكل إنسان ، بل هو واجبٌ لأنه هو وحدَه يُعطي الجوابَ عن حــياتِه.