أهلا وسهلا بالأخت نـدى مروكي. سألت الأخت ندى هذا السؤال بعد أن تساءَلت :”هل هذا يعني أن سبقَ الربُ فعمل معجزات أخرى غير علنية ؟…أشياءَ خارقةَ الطبيعة مثلاً ؟.. مثل ايليا النبي ؟. أم هل تبَّينُ معجزة قانا أن العذراء كانت تعرف بأنَّ ابنَها إلاهٌ … نتيجةَ تجاربَ حياتية معاشة بينهما “؟. فسألت :” *: لماذا طلبت العذراء من أبنها هــذا الطلب ؟
معجزات وخبرات سابقة !
نحن نقرأ الإنجيل. بل قولي الأناجيل الأربعة التي تعترفُ بها الكنيسة منذ بداية المسيحية بأنها وَحدَها “البشرى السارة ” التي تنقلُ حياةَ المسيح وتعاليمه التي هي الصخرةُ الأساسية لعقائدنا الإيمانية ولأخلاقِنا. وهذه الأناجيل ، التي لم تضَع نصبَ عينيها نقل تفاصيل الأخبار اليومية لحياةِ يسوع لا منذ ولادته ولا حتى فقط في سنوات رسالتِه الثلاث ، لم تنقلُ لنا خبرا عن أية معجزة سبقت معجزة قانا في تحويل الماء الى الخمر. وإذا جاءَ خبرٌ من هذا القبيل في كتبٍ أخرى فالكنيسة لا تعتبرها صحيحة ولهذا لم تعترف بتلك المصادر. بل ولم يذكر الإنجيل حتى ولا كلَّ المعجزات التي أجراها يسوع مدة رسالتِه. لقد ذكر مرات عديدة أن يسوع أجرى أشفيةً جماعية دون أن يُحَّددَ نوعها ، مثلا :” وكان يسوع يسيرُ في جميع المدن والقرى يعَّلم في مجامعهم ويعلن ملكوت الله ويشفي الناس من كل مرض وعلة ” (متى4: 24؛ 9: 35: 11: 4). أو ” وتبعته جموعٌ كثيرة فشفى مرضاهم “(متى 12: 15؛ 14:14؛ 19: 3؛ لو2: 40). ليس هدف الإنجيل تدوين الأخبار. بل التعريف بيسوع أنه إلاه وأنه هو الطبيبُ الشافي للجسد والروح ، فيسهلُ الأمر لأيمان الناس به. هذا ما يؤكده الإنجيل نفسه إذ يقول : ” أتى يسوع .. بآياتٍ أخرى كثيرة لم تُدَّون في هذا الكتاب. وإنما دُّونَت الآيات المذكورة لتؤمنوا بأنَّ يسوع هو المسيحُ إبن الله. وإذا آمنتم نلتم باسمه الحياة ” (يو20: 30-31).
هل عرفت مريم أن يسو ع إلاه ؟
لمْ يقُم إيمان مريم بيسوع على أساس أفعالِه. إنها لمْ تستنتج لاهوتَه إنطلاقًا من مُعجزاتِه. إنها كانت تنتظرُ مع كل الشعبِ اليهودي ” المسيح ابن الله الحي”. ولما بشَّرها الملاكُ بولادة المسيح منها عرفت أنَّ المسيح هو روحٌ الهية. ولكن مدى تمييزها بين روحٍ الهية والاه حَّق الله وحدَه يعرفُ ذلك !. ربما حسَّت بذلك لاسيما وأن الأنجيل يذكر بأنَّ اليصابات نسيبتها دعتها بام ” أم ربي “. ويسوع نفسُه دعا اللهَ أباه عندما بقي في الهيكل يجادل العلماء وعمره إثنتا عشرة سنة ثم إكتشفه والداه قلقين (لو2: 48-50).
هــدفُ الأنجيـلي يوحنا !
لم يكن هدف يوحنا التركيزُ فقط على المعجزة وعلى معرفة مريم بلاهوت ‘بنها. بل يفترضُ يوحنا ذلك. ما ركَّز عليه يوحنا هو على دور مريم أنها هي ” المرأة المُعينة للإ مريء ” ( تك2: 18-23) تحُّسُ بحالةِ البشرية وتُلّـمُ بحاجةِ الناس وتتسارعُ الى إغاثتهم مع يسوعَ و مثله. لم ينتهِ دورُها بإنجابِ يسوع. بل يستمرُ دورُها فتتعاون مع ” المخَّلص ” لإنقاذ الناس من آلامهم وضيقاتِهم. هي أحَّست بنفاذ الخمر. هي بادرت الى إخبار المسيح ليعرفَ كيف يتصَّرف. كانت مريم مؤمنة أنها تشَّكلُ مع يسوع ابنها الإنسان الكامل الذي أطاع اللـه و يمَّثلُ الإنسانية كلها ويعملُ لخلاصها من ورطتها. فأدَّت مريم دورَها الذي أوحاه الله اليها دون أن تحتاج الى اختبار ما يجريه يسوع أمامها حتى تثق به. بقيت مريم متحَّدة باستمرار بالله وتتجاوب مع ارادته وإيحاءاتِه. أ ليسَ هذا ما يعنيه لوقا عندما يؤكدُ مرتين بأن مريم ” كانت تحفظَ جميع هذه الأمور وتتفكرُ بها في قلبها “(لو2: 19، 51). وظلت كذلك حتى موت المسيح (يو19: 25) ، بل حتى انطلاقة الكنيسة بحلول الروح القدس (أع1: 14 ؛ 2: 1).