أهلا وسهلا بالأخت سعادة لويس.
قرأت الأخت سعادة في الرسالة الى العبرانيين بأنَّ االعبرانيين أسخطوا الله وعصوا أوامرَه في زمن موسى فحُرم جيلُ برية سيناء دخول ” راحةِ الله ” بسبب كفرهم (عب3: 15-19). فسألت :” لماذا حرَمَ اللهُ موسى دخول أرض الميعاد في حين أنَّ مَن أخطأ كان الشعب؟ لماذا حرم معهم؟. وأضافت سؤالا ثانيا :” لماذا إذا كثرت الخطيئة ، تفاضلت النعمة ؟.
موسى والـحرم !
يُشير النص الى الخصومة التي وقعت بين موسى والشعب بسبب نقص الماء في منطقة قادش من برية سيناء ، موقع سُّمي بعده بـ “مسَّه و مريبة” ، أى مكان الشك والتذمر. صرخ موسى وآستنجد بالله. فأوصاه الله موسى أن يضربَ بعصاه الصخرة بمرأى من الشعب فيتفجَّر منه الماء، ونفَّذَ موسى أمر الرب وخرج ماءٌ من الصخرة(خر17: 1-7).
ولكن ليس بسبب هذه الخصومة قرر الله حرمان الشعب دخول أرض الميعاد. أما السبب المباشر لهذا الحرمان فهو أنَّ تقرير الوفد المرسَل لتجسس فلسطين كان مُرعبا ومُهبطا للعزائم دفع الشعب الى التذمروالتفكير في العودة الى مصر، رغم تشجيع يشوع بن نون وكالب في الأتكال على الله. و بلغت الوقاحة بالشعب أن إقترح رجم هذين القائدين رافضين بذلك الأتكال على الله. عندئذ فقط أعلن الله لموسى أن كلَّ من ” إستهان به لن يرَ أرض الميعاد”(عدد14: 23). وأضاف :” الى متى أحتمل هؤلاء القوم الأشرار..فالذين ألقوا اللومَ عليَّ لن يدخلوا الأرض ..وأما جثثكم فتسقط في البرية.. تتحملون عاقبة آثامكم أربعين سنة بعدد أيام تجسس الأرض وهو اربعون يوما ..”(عدد14: 26-38).
لم يشمل هذا الحرم موسى. بل سبق حرمان موسى من دخول أرض الميعاد وحصل قبل حرمان الشعب. ونص رسالة العبرانيين (3: 15-19) يُشيرُ الى حادثة مسَّه ومريبة التي جاءَ خبرها في (خر17: 1-7). أوصى موسى، قبل موته، بأنَّ الرَّبَ حرمَ عليه عبور نهر الأردن”(تث31: 2) وعند موت هارون أخبر الله موسى بعدم دخوله أرض الميعاد وقال :” لأنكما عصيتما أمري يوم ماءِ مريبة “(عدد20: 24)، و” خالفتماني فيما بين بني إسرائيل.. ولم تظهرا قداستي فيما بينهم. فأنتَ تنظرُ من بعيد الى الأرض.. ولكنك لا تدخلها “(تث32: 51-52). وفي نص آخر يُعطي الكاتب تفاصيل أكثر فيقول:” جمع موسى وهارون الجماعة أمام الصخرة ، وقال لهم موسى : إسمعوا أيها المتمَّردون أ نخرجُ لكم من هذه الصخرة ماءً؟. ورفع موسى يده وضربَ الصخرة بعصاه مرَّتين.. فقال الرب لموسى وهارون مُؤَّنِبًا : بما أنكما لم تؤمنا بي إيمانًا يُظهرُ قداستي على مرأى بني إسرائيل ، لذلك لا تُدخلان أنتما هؤلاء الجماعة الى الأرض .. هذا هو ماءُ الريبة ، حيثُ آرتابَ بنو الرب ومع ذلك أظهرَ لهم قداسته فيما بينهم “(عدد20: 10-13). هكذا لم يتحمل موسى وزر الشعب بل بسبب شكه هو وعدم إظهاره قداسة الله شمَلهُ حرمانُ دخول أرض الميعاد.
حيث كثرتْ الخطـيئة …. !!
نقرأُ هذا في رسالة مار بولس الى أهل روما 5: 20-21 فقال: ” قد جاءَت الشريعة لتكثرَ الزّلـة ، و لكن حيثُ كثرَت الخطيئة فاضت النعمة. حتى إنه كما سادت الخطيئة بالموت ، تسودُ النعمة من أجل الحياة الأبدية بربنا يسوع المسيح “. كلام غريب ومُخَّدش للآذان الحسَّاسة. أ يعقُلُ أنَّ كثرة الخطايا يقود الى الحصول على نعم ٍ أكثر؟. لو كان الأمر هكذا إذا لنخطأ كثيرا حتى نحصلَ على نعم أكثر. إنَّ مقارنة بولس تأتي في سياقِ الحديث عن خطيئة الأنسان الأول التي سببت ” موت ” الأنسان أى خسارتُه لصداقةِ الله. ولكن نعرفُ أنَّ تلك الحالة لم تدُم. لأنَّ الله وعد بالمخلص ، ونفَّذَ وعدَه بأنه تجَّسدَ. وتجسد الله نعمة لا توازيها نعمة ولا تقابلها خطيئة. ولولا خطيئة الأنسان لما تجَّسد الله ليفديَه. ظنَّ عدو الأنسان أنه قضى عليه لما أغواه وأبعده من الفردوس. لكن تجسد الله وفداءَه لا فقط أعاد الأنسان الى فردوس صداقةِ الله بل ورفعه الى مرتبة ” ابن الله “، و زَّوَده بالروح القدس بحيث يقدر كل إنسان أن يسحق ابليس ويُخزيَه. لولا خطيئة الأنسان لما تجسد الله. وتجسد الله رفع الأنسان الى مستوى أفضل من الأول. فإذا كانت الخطيئة نهرًا جرف الأنسان إلا إنَّ التجسد بحر أغرقَ النهر وغطاه فعَّوَم الأنسانَ ليبحر على راحتِه في مياه الحـياة. فحيثُ أمطرت الخطيئةُ أحدثت النعمة فيضانا !
ولندركَ بشكل أعمق نستشهدُ بقصَّة يوسف ابن يعقوب الذي باعه إخوتُه كعبدٍ للمصريين. كان ذلك جريمة نكراءَ. ولكن بسبب تلك الجريمة أوصلَ الله يوسف الى عرش مصر فأنقذَ المصريينَ وشعبَه من هلاك محتوم. وخلاص شعب من الجوع نعمة كبيرة لا تقارن بخطيئة بيع يوسف الذي لولا ذلك البيع لما أصبح سيّد مصر. خاف إخوةُ يوسف من العاقبة. لكن يوسف لم يُبالِ بعذابِه بل طمأنهم وآعتبرَ فشَّددَ على إفتخاره بمنصبه وبإمكانيتِه إنقاذ أهلهِ.
كذلك خطيئة اليهود في صلب المسيح كانت كبيرة ومؤلمة. ولكن نتيجة موتِه كانت أكبر نعمة للبشرية جمعاء التي نالت بموتِه حق العودة الى صداقة الله وضمان الحياة الأبدية. فهنا عظمت خطيئة اليهود ولكن نعمة الرب بخلاص البشرية فاقتها بكثير.