أهلا وسهلا بالأخت سعاد نجيب رواكس
سألت الأخت سعاد عن معنى” الكَّياسا “.
يبدو أنها كانت في سفرة بمناسبة عيد القيامة في إسطنبول وآشتركت في القداس الذي ، أَثناءَه، مثَّلَ شبابٌ من الرعية أوبريت ” كَّياسا وْ مَلاخا “. وخلال نهار العيد قرأت تعليقات لبعض من إشتركوا في القداس فكتبوا :” ما هذا الهرج ؟. لا يوجد في كنائسنا شيءٌ من هذا القبيل. بأيةِ لغَةٍ دار الحوار؟. أفهِمونا “. ¨ أبدأ الجواب أولاً بالأعتذار عن التأخير في الرَّد. لأنَّ السؤالَ كتب منذ 21/ 4/ 2019. لكنه على ما يبدو تلَّكأَ في الوصول إليَّ. إذْ لم أطلع عليه إلا قبل أيَّام فقط. ربما قام السؤال بجولة في الكرة الأرضية وعرقلت سيره زلازل أو طوفانات طارئة !.
كَّـياسا !
كلمة كيَّاسا ܓܲܝܵܣܵܐ تعني ” لص. قاطع طريق “. ويشيرُ هنا إلى أحد المصلوبين مع يسوع المسيح؛ ” صُلب مع يسوع لِصَّان أحدُهما عن اليمين والآخر عن اليسار.. وكانا يُعَّيرانه ” (متى27: 44). ويُخبر مار لوقا بأنَّ ” واحدًا منهما أخذ يشتمُه .. فآنتهَرَه الآخر وآعترفَ بأنهما خاطئان ونالا عقابَهما العادل. أمَّا عن يسوع فقال:” أمَّا هو فلم يعمل سوءًا “. ويبدو أنه آمن بأنَّ يسوع هو المسيح. فآلتفتَ إليه متوَّسلًا وقال: ” أُذكرني يا يسوع، متى جِئتَ ، في ملكوتك”. ورَدَّ عليه يسوع :” ستكون اليوم معي في الفردوس”. فهذا اللص يريد الدخول الى الفردوس، بناءًا على وعد المسيح له على الصليب. لكنه يلقى منعًا من الملاك حارس الفردوس، إستنادًا إلى أمر الله بطرد الأنسان عن الجنة وحراستها لئلا يعودَ اليها ؛: ” فآخرجَ الرَّبُ الأِله آدمَ من الجنة.. وطرده، وأقام الكاروبيم شرقِيَّ الجنة .. وسيفُا مشتعِلا مُتقَّلِبًا لحراسةِ الطريق إلى شجرة الحياة ” (تك3: 23-24). خلق الله الفردوس أو الجَّنة تتمتع فيها كلُّ الكائنات براحةٍ وهناء. وأسكن فيها الأنسان نديمًا له. كان الأنسان يتمَّتع بخيرات الله. وكان سيحيا معه للأبد في وضعه هذا المجيد والسعيد. إنمَّا إشترط عليه الله أن يحرم الأنسان نفسَه من خيرٍ واحد. وكان ذلك إختبارًا لحُرّيتِه : هل يكون تابعًا لله، أم حُرًّا مثله يختارُ أفعاله ويعيشُ حياتَه الخاصَّة. وآختار آدم الحرية. رفض حُبَّ الله والأقامة معه. عليه أُضطُّرَأن يترك الفردوس ويفلح بنفسه الأرض ويتحَّملُ وزرَها. تنَّدم الأنسان على غلطته لكنه لم يعتذر عنها، بل برَّر موقفه وألقى اللوم على حواء معينته مما يعني على الله نفسِه لأنه هو أعطاها له معينة فصارت مُهينةً ومسيئة. فآنحرم الأنسان من رفقة الله والتمتَّع، حتى بعد الموت، براحته ومجده.
كان يوجد في الفردوس خيرٌ آخر، شجرة الحياة (الرحمة)، ولو توَّجه إليها آدم الخاطيء و تناول ثمرها (التوبة) لعاد وبقي في الجنة. ربما حاول آدم، بعد ندمه، ونسله من بعده العودة بالقوَّة الى الفردوس مملكةِ الله، لكن بيت الله كان محمِيًّا تحرسُه الملائكة ونارٌ ملتهبة تُحرقُ من يقتربُ منه. ولِصُّنا التائب والحامل بيده مفتاح الجنة – الصليب – مسرورٌ ومُطمَئِنٌ إلى عودته الى الفردوس المفقود ليقضي حياته مدى الأبد مع الله. لكنه يلقى صَدًّا من الملاك. يطالب بحَّقه ويتحدَّى الملاك بحججه لكنَّ الملاك الذي يعرف بتجسد المسيح وحتى بموته، لا يرى دليلا صادقًا على ما يدَّعية. فيتهمه بأنه آتٍ ليسرق وأن الأنسان أضاف سوءًا على سوئِه بقتله المسيح. فكيف يدَّعي الحَّق بآستعادة الفردوس؟. ويطول الجدل بينهما سجالاً ، بين مطلب وردَّ ومحاولةٍ وصَّد، إلى أن يبرزَ اللصُ الصليبَ علامة توبتِهِ وفدائِه. فسِلاحُه ومفتاحُه هو شجرة الحياة التي وصل اليها أخيرًا وتناول من ثمرها فشُفيَ من برصِهِ الذي أبعده عن الله. وشهادةُ شفائِهِ هي الصليب الذي عليه صُلبَ مع يسوع المسيح. فيحُّقُ له أن يتمَّتع بالمجد والهناء مع من صُلبَ معه. لقد دفعت البشريةُ جمعاء فِديةَ خطيئتِها بصَلبِ المسيح، ولم يبقَ سوى الأنتماء الى المسيح، ودفع فاتورة الأخطاء الفردية الخاصَّة.
الأوبريت !
هذا التعليم اللاهوتي كتبه الملفان مار نرسي شِعرًا بأسلوبٍ مُبَّسط ليستوعبه المؤمن وليدرك مصدر فرح عيد القيامة. وقدَّم النَّص في ثوب مسرحيةٍ مُرتَّلة لتضفي بهجةً وسرورًا أكبر، مع الأيحاء بحركاتِ الملاك واللص، وعنادِ كل واحد في موقفه، بأنَّ الخلاص لم يكن سهلا مثل ” شُربة مَيْ “؟. وشَدَّد على أن” شجرة الحياة ” كانت نبوءةً ورمزًا للصليب الذي عليه تمت الذبيحة التطهيرية لنجاسة الأنسان وبرصه المهلك ، ومنه يقطفُ ثمرَ الفداء فالحَّقَ في دخول السماء. أمَّا ” الهرج ” الذي تحَدَّث عنه المعَّلقون فربما سببه عدم فهمهم لغة الحوار بين المُمَّثلين أي ” السورث” وهي لهجة آرامية (كلدانية)، ربما لا ينطق بها أولئك السامعون كما يفعل غالبية كلدان العراق والعالم. وقد يكون ضحك الحاضرين وآندماجهم مع المشهد أثار دهشة الذين لا يفهمون الحوار فآنزعجوا.
وأمَّا أنَّ كنائِسَهم لا تملك هذه الأوبريت فربما ينتمون الى كنيسة غير كلدانية ، أو إلى كلدان مُستعربين ينطقون بالعربية، أهملوا ما يفعلُ غيرهم في مدن أخرى. لأنه من تراث الكنيسة الكلدانية أداء هذه الأوبريت في عيد القيامة لتوضيح أبعاد الخلاص اللاهوتية بأسلوبٍ حيوي ليبقى التعليم في ذاكرة المؤمنين. أحيانًا يخرج الممثلان عن إطار التمثيل ويُضيفان كلامًا وعبارات مُضحكة أو يؤَّديان حركاتٍ بهلوانية من شأنها أن تشُّد المشاهد والسامع إلى الخبر ، لكنها تشبِهُ فعلا التهريج وتثيرُ الضحكَ لدى الحاضرين، كما لو كانوا في سيرك ، أكثر من أن تُرَّسخَ فيهم عقيدة الفداء الأيمانية.