أهلا وسهلا بالأخ وسام زهير خضر.
قرأ الأخ وسام من سفر التثنية ف20 الآيات 10-14، فسأل كيف يمكن تفسير العنف الموجود في هذه الآيات الأربع؟. وأضاف :
هل يُعقَلُ أنَّ الله يدعو الى الحرب ؟
من الصعبِ أن تؤمنَ، على ضوء هذه القراءة، بأنَّ إلـه المحبةِ في المسيحية هو نفسُه إلـهَ العهدِ القديم ؟
أحبب قريبكَ كنفسك !
هكذا فرضَ الله على شعبِه ليتعاملوا مع بعضهم (أح19: 18). وهذا الله نفسُه سبق و وَّصى في شريعتِه :” لا تقتُل “(خر20: 13). فهل يُعارضُ اللهُ نفسَه ، أو يُحابي الوجوه ويكيل بمكيالين؟، حتى يقول أبيدوا الذكورَ من أعدائكم وتمتعوا بغنيمةِ باقي ما يملكون من إناثٍ وأموال وممتلكات؟. يبادرُ الى الذهن سؤالٌ آخر: ترى هل الكلامُ المنسوبٌ الى الله هو فعلا منه ، أم هو أمرُ القائد موسى وغيره ، نسبَه الكاتب بعدَه الى الله ليُعطيَه قوة ً أكبر فيتقيدُ بها المحاربون؟. بل أ ليست تلك خططًا حربية تمارسها كافة الشعوب للقضاءِ على كل مقاومةٍ مستقبلية ، ولتحفيز الجنود على الحرب جزاءَ أمانتهم وأجرة لأتعابهم؟.
نحن هنا في ساحة حرب. وكل التعليمات هي قتالية وليست أخلاقية. وكلُّ أمر يُقللُ من شجاعة الجندي ومن قوة قتالِه يُبعد عن المحاربة. وكل جندي يفترسُ يُشجَّعُ ويُكَّرَمُ لحشد طاقاتِه وتقوية معنوياته وحفزه على الأستماتة ليضمنوا النصرَ. كما أنَّ كل حرب تقوم لسبب وتتوجه الى هدف. والإبادة والعنفُ هنا يُبررُهُ الهدف المنشود ، وهو: ” لئلا يُعَّلموكم أن تفعلوا الرجاسات التي يفعلونا في عبادةِ آلهتِهم فتخطأوا الى الرب إلهِـكم” (تث20: 18). فالهدف واضح هو الحفاظ على ايمان الشعب وسلامةِ سلوكه. سبقَ الله فقال لهم :” كونوا قديسين لأني أنا قدوس”(أح19: 2). العبرانيون ” شعبٌ مُكَّرَسٌ “(تث26: 19) و” مقَّدَسٌ للرب الهكم الذي إختارَكم له من بين جميع الشعوب..”(تث7: 6).
بالإضافةِ الى كل ذلك إنَّ شعبَ الله مُهَّدَدٌ بالإبادة من قبل الشعوب الأخرى. إنه الصراعُ من أجل البقاء. فيجبُ أن يحميَ نفسَه ويُدافعَ عن وجودِه. والوسيلة الوحيدة كانت الحرب. وفي الحرب قتلٌ وإبادة. ولو دَقَّقْنا التأمل في النصوص نجدُ أنَّ أغلبية الحروب تقوم إما للدفاع عن الذات أو لضمان مستقبل سليم. وفي نصنا بالذات تظهرُ جليا النية المسالمة حيث قال: ” إذا أردتم الحرب ـ إقتربتم من مدينةٍ لتحاربوها ـ ، لأي سبب كان، اعرضوا عليها السلمَ أولا” (آية 10).
بجانب ذلك فالشعوب المطلوبُ إبادتها قد تنجَّست بعباداتٍ وثنية غير سليمة (تث17: 10-12). لقد إقتربَ زمن دفع ثمن ذلك. وبسبب رجسهم تخلى عنهم الله وسيطردهم من أمام شعبه الذي هو مدعوٌ الى القداسة والكمال فيعضده الله لأعلاء شأن الفضيلة وليس رغبة في القتل والتعذيب. ولا ننسى أننا في زمن الشريعة وليس النعمة كما قال الرسول(رم6: 14). لم يتهذَّب الأنسان كفاية بعد ليتقبلَ ما سيجيءُ به المسيح ويعلنه دستورا نهائيا للبشرية. ولما نضج الأنسان كفاية وتم الزمن الموعود أتى المخلص وقال ” أتيتُ لأكمل الشريعة “(متى5: 17)؛ ومن ” مِلئِه نلنا نعمة فوقَ نعمة “(يو1: 16).
إلَــهٌ واحدٌ للعهـدين !
تنبأ موسى عن المسيح يسوع. وأكدَ الله قوله:” سأُقيمُ لهم نبيا من بين إخوتِهم مثلكَ وأُلقي كلامي في فمه، فينقلُ اليهم جميعَ ما أُكلمُه به “(تث18: 18). ويؤكد يسوع أنه عنه تنبأ (يو5: 46). فما لم يفهمه موسى أعلنه وفسَّره يسوع. وقد تجَّلى موسى وايليا مع يسوع ليعلمَ الناس أنَّ الشريعة والنبوة بلغت نهايتها. فالمسيح الذي هيأت له قد أتى وآستلم زمام قيادة البشرية. وكمَّل ما نقص في الشريعة وفسَّرها:” سمعتم أنه قيل لكم … أما أنا فأقول لكم..” (متى5: 21-43). لقد كشفَ يسوع وجه الله أنه أبٌ ” أبانا الذي في السماوات” ، و” أنه محبة “(1يو4: 8)، وأنَّ الوثنيين خارج حظيرة اليهود هم أيضا شعبُه ورعيته (يو10: 16). وما أعلنه الله على يد موسى وأهمله الشعبُ والتأريخ من ” أحبب قريبَك كنفسك ” شَّـددَ عليه وفتحَ آفاقَ تلاميذه على قوة المحبة (في2: 1) وأصالتها في العلاقة مع الله والناس (1 كور 13: 1-3). ولم يختفِ وجه قداسة الله. بل كل الكلام الألهي الذي حوته الوصايا فقد إكتمل على يد يسوع المسيح.
لو لم يأتِ المسيح وفتح آفاقنا على جوهر حياة الله ومشيئته، حتى في محبةِ الأعداء، لما عرفنا الله على حقيقتِه. أكد يسوع ذلك لليهود:” أنتم لا تعرفوني ولا تعرفون أبي”(يو8: 19 ). لم يختلفِ الله. بل إختلفنا نحن وآرتفعنا، بقوة روحه القدوس المفاض فينا، الى المستوى الألهي لندرك الأمور بشكل مختلف. والدليل هو أنَّ شعوبًا كثيرة لم تعرفِ الله على حقيقتِه ما زالت تُصَّورُه وتُقَّوِلُه ، مثل موسى، بما لا يتماشى وطبيعة جوهره ومشيئته كما كشفه يسوع المسيح.