أهلا وسـهلا بالأخت رنا يوسـف.
لاحظت الأخت رنا بأنَّ زوجًا زانيا صار سببا أنْ سلكت زوجته طريق الزنى ، وصارت تُعدي عدواها الى عوائل أخرى فـ ” تحَّطم البيوت “، وتحضر مع ذلك المراسيم الدينية في الكنيسة. فسـألت :
1- إذا زنى الزوج كيفَ يتمُ التصَّرفُ معه ؟
2- وكيف سيتمُ إيقافُ هـذه المرأة من تحطيم البيوت ؟
3- بل : كيف التصَّرفُ مع الطرفين ؟ هل سنراقبُهم فقط ؟
الأصلاح الأخــوي !
إنَّ أحد الأركان الأساسية للحياة المسيحية هو : القـداسة. كتب مار بولس لأهل تسالونيقية :” إنَّ مشيئة الله إنما هي قداستُكم. ذلك بأن تجتنبوا الزنى. وأنْ يُحسنَ كلٌ منكم صونَ جسدِه في القداسة والحرمة. ولا يدعَ الشهوة تستولي عليه … ولا يلحقَ بأخيه أذىً أو ظلمًا في ذلك … لأنَّ اللهَ لم يدعُنا الى النجاسة ، بل الى القداسة “(1تس4: 3-7).
و قد تطرَّقَ يسوع الى أنَّ القداسة واجبُ كل مسيحي الى درجةِ أن يسهرَ عليها في نفسه وفي إخوتِه المؤمنين. فالجماعة كلها تهتم بقداسةِ سيرتها. وإذا تخلَّفَ أحدٌ عن الركب و خالفَ الشريعة ذلك يعني أنَّ الجماعة قد جُرحت في جسمها العام وأصابها الداء ، فعليها أن تعالجَ نفسَها قبل أن يستشريَ الداءُ في الجسم كله فيُفسده. من هذا المنطلق قال يسوع ، ” إذا خطيءَ أخوك “… فـوَّبخه. إذا لم يسمع فآصحب معك آخرين – واحدا أو إثنين – ونَّبهوه. وإذا لم يسمع لكم فأخبر الكنيسة لتتخذ الخطوات اللازمة والناجعة لرَّده عن إثمِه ، ولآنقاذ الجماعة من تفشّي عدوى الشر بين الآخرين (متى18: 15-18).
وقد وقع حادثُ زنى بين الكورنثيين. فآستنكرَ بولس ذلك. وطالبَ بإزالةِ الفاسد من بينهم ، قائلا ،” ليُسَّلم هذا الرجل الى الشيطان حتى يهلكَ جسدُهُ فتخلصَ روحُه يومَ الرب ” (1كور 5: 5-13). أى بقطع كل علاقةٍ مع الزاني الى أن يتوبَ. كما فعل أيضا مع أهل تسالونيقية وقال :” راقبوه ، ولا تخالطوه ، ليخجلَ. ولا تعاملوه معاملة عدو ، بل أنصحوه نُصحَ أخ ٍ لأخيه ” (2تس3: 14-15).
موقف علاج الخاطيء بالنُصــح !
أمرٌ واضحٌ وصريح بأنه يجبُ أنْ يهتمَّ كلُ واحد منا ، ونهتم كلنا معا ككنيسة ، بقداسةِ سيرة كل مؤمن. لا يليقُ بنا أن نسمح للفساد أن يعشعشَ بيننا. علينا ألا ننسى أنَّ المحبة تجعلنا نبذل، بل وحتى نضَّحي ، من أجل إنماء القداسة في جماعاتنا المؤمنة ولا نتغاضى عن الداء الذي يزرعه العالمُ بيننا لإبادتنا. والفسادُ إحدى وسائل ابليس وأعوانه من أهل العالم للقضاء على الأيمان. أما هكذا فعل بلعامُ فنصح بنات مديان ليجُّروا بني اسرائيل الى الفساد ليقضي عليهم ؟(عدد 25: 1-3؛ 31: 15-16). إذن لا يجوز أن نعتبرَ أمرًا طبيعيا تصَّرفَ بعض المؤمنين الشاذ ، لاسيما ما يخُّصُ وحدة الزوجين وطهارة سيرتهما. ولا نكتفي بمراقبتهم أو فقط إدانةِ أفعالهم. بل مفروضٌ أن نذهبَ الى أبعد من ذلك ونحاولَ إفهام الخاطيء بفساد أخلاقه ورفضها، ودعوته الى تغيير سلوكه، ومساعدته على ذلك. نرفضُ سلوكَه إذا رفضنا مجالسته ، و رفضنا تبرير تصَّرفه ، وأبدينا له ذلك علنا وعن تصميم. إنما كما قال مار بولس لا نعتبره عدوا نجافيه بل أخا مريضا يحتاج الى العلاج ، فنصفَ له الدواء الصحيح ونعينه على تناوله. يقتصرُ جهدُنا على نصيحة وإعانة ، وليس فرضا أو عقـوبة. وإذا سمعَ الخاطئ وتاب فخيرا، لأننا نكون قد خلَّصنا نفسا وحررناها من قيد ابليس. أما إذا رفضَ الزاني أن يتجاوبَ معنا فنهمله ونتعامل معه ، كما قال الرب ، كأنه ” وثني وعَّشار” (متى 18: 17). هكذا تصَّرفَ يسوع مع الفريسّيين ، ويهوذا الخائن. لم يتجنبْ يسوع الخطأة بل عاشرهم وأكل معهم ليكسبهم للحَّق ويرُّدَهم عن الشر. كما رفضَ رجمَ الزانية ولم يحكم عليها ، إنما دعاها الى تغيير سلوكها واتجَّنب الزنى (يو8: 10-11). كما غفر للمجدلية الخاطئة ، في بيت سمعان الفريسي وساعدها على التوبة (لو7: 44-50).
و في كل الأحوال يُفَّضَلُ أن تجريَ الأمور بمعرفة الكنيسة وتوجيه الراعي ، ولا ينفرد أحد من ذاتِه ويُنَّصبَ نفسَه حاكما على غيره ليدينه ، أو أحيانا لينتقم منه بحجة السهر على نقاوة الأيمان. لا نجعلْ من أنفسنا رقباءَ على غيرنا ونهملُ بذلك ، أحيانا، سيرَتنا. بل لتكن غيرتنا ومحَّبتنا حارة بحيث نرفُضُ الشرَّ أينما كان ، ونحاولُ أن نستأصله أولا من حياتِنا ، وبعده من حياةِ غيرنا، كما قال الرب :” إبدأ بإخراج الخشبة من عينكَ ، حتى تُبصرَ فتُخرجَ القذى الذي في عين أخيك ” (لو6: 42).
موقف وقـاية الذات !
كثيرون يندفعون الى المعالجة وينسون أنَّ ” حَّبة من الوقاية خيرٌ من قنطارٍ من العلاج “!. و ينسونا أيضا أنَّ هدفَ غيرَتنا الأول في إصلاح الآخرين وقايةُ جسم الكنيسة من الإصابة بعدوى الشر. إذن لنُرَّكز جهدَنا على إيجاد طرق تجَّنب فساد غيرنا ، والقضاءِ عليه بتكثيف إهتمامنا في قداستنا الشخصية فنكون نحن نورا وملحا يُغَّيرصورة الحياة في عيون الخاطئ. هذا ما يقوله مار بطرس :” إنَّ مشيئة الله هي أن تُفحموا، بأعمالكم الصالحة، جهالةَ الأغبياء ” (1بط2: 18). ولذا سبق ونصح قراءَه الكرام بأن : ” سيروا سيرةً حسنة بين الوثنيين ” (آية 12)، وفسَّرَها لاحقا بـ” سيرة الأحرار، سيرة عبَّادِ الله ” (آية 16).
لم يُكلف يسوع الرسلَ ومن بعدهم كلَّ المؤمنين عبر الأجيال بالحكم على الآخر، ولا حتى بإصلاحه. بل كلفهم بالشهادةِ له بحسنِ سلوكهم. طالبَهم أن ينظروا الى كل إنسان والى كل شيء بعين الله ويتفاعل معه بروحانيته. أعطاهم القدوة في الخدمة والبذل (يو13: 15)، لا في التسَّلط عليهم أو دينونتهم. والله قد إكتفي بالتعليم والتوجيه ، وأشاع نور الحق والبر، و الطوبى لمن يتَّعظ. و لم يضع قوانين لإصلاح الأنسان الشرّير. كل وصاياه هي دعـوة إلى سلوك الدرب المستقيم للحياة ، و وسيلة للوقاية من الشر.
إذن لحماية إيمان الجماعة المسيحية نقيا من الفساد، ولتجَّنب الإصابة به بسبب مؤمنين فاسدين علينا أن نهتَّم أولا بوقاية أنفسنا بعدم تبرير الشر أينما كان ، بل بإدانتِه و كشف هويته المُضّرة ، وبمقاومته فلا يتسَّربَ الى أسَرنا وذلك بآقتناعنا بكلام الله و وصاياه ، و سلوكنا نحن درب القداسة ، وإعطاء المثل لغيرنا. شهادة الحياة الفاضلة سلاحٌ أمضى من كل علاج. إنَّ مثالَ عشرةُ قديسين في الرعية أقوى وذو فاعلية أفضل من ضياعِ الوقت في إيجاد سبُل كفيلة بإصلاح مئات الخطـأة.