أهلا وسهلا بالأخت شميرام أثانوس.
قرأت الأخت شميرام إنجيل متى 12 : 30-33 الذي يتطرَّقُ إلى عدم إمكانية التوفيق بين متناقضين : مع اللـه وضِدَّه في آنٍ واحد، ثم إمكانية غفران كل خطيئة ما عدا ” التجديف ضد الروح القدس “، فتساءَلت الأخت شميرام :
+ إذا كان الآبُ والأبنُ والروحُ القدس متساوين في الجوهر، فكيفَ تُفَّسرُ هذه الآية ؟
نؤمن بإلاهٍ واحـد : آب.. إبن .. روح !
هذا هو إيماننا إستنادا الى الكتاب المقدس الذي كشفَ ذاتَ اللـهِ الواحد ، والثُلاثيُّ الصفات. والصفة الأولى ندعوها الآب ، أي القدرة الخلاقة. والصفة الثانية دعوناها الأبن، أي الحكمة الناطقة. والصفة الثالثة سُّميَت الروح ، أي الحياةُ التي تضمن الحياة للكون وما فيه. فالله هو ” الخالق والناطق والمُحيي”. لكن هذه الصفات ، أو الأقانيم كما ندعوها لاهوتيا وفلسفيا ، ليست أشخاصًا مختلفين قائمين كلُّ واحدٍ بذاتِه. الشخصُ واحد. الله واحد. ويُشيرُ اليه الكتابُ المقدس عادةً، لاسيما في العهد الجديد، بالآب. كما قال مار بولس ” يُسَّلمُ المُلكَ الى الأب… فيكون الآبُ كلاً في الكل” (1كور15: 24-28). يبدو هنا الآب وكأنه أعظم من الأبن. في حين يعني” اللاهوت “. وفي حين أكدَّ يسوع أنَّ ” من رأه رأى الآب ” ( يو 14: 9 )، لأنه “هو والآب واحد” (يو10: 30).
وعندما يتحَّدثُ الكتاب عن الروح فهو يعني الحياة. لقد أوجدَ اللهُ الكون فهو آب. ونظمه بحكمة فهو إبن. ويُنعشُه ويُحَّركُه وينميه فهو روح. الوجودُ والنظامُ لا دورَ للأنسان أو الكائنات فيها. أما الحياة فللأنسان فيها دورٌ. أي يمكن للأنسان أنْ يحيا حسبَ تخطيط الله فيضمن لنفسه الحياة مدى الأبد. ويمكن له أن يسلكَ طريقا مخالفا و يخسرُ بذلك الحياة. قائين وهابيل كلاهما خلائقُ الله. تصَّرفَ هابيلُ كما يُرَّيحُ الخالق فنال رضاه. أما قائين فتبع شهوتَه ولم يعترف لابفضل الله ولا بقانون يسودُ الحياة. حَّذرَه الله لكنه لم يرعوِ. إلتزمَ قائين قناعته الخاصة ورفضَ الحياة حسب مشيئة الله. جَّدَفَ على الروح ، على الحياة الآتية من الله. جَّدَف بالتالي على الله الثالوث كله. رفضَ عرضَ الله بالحياة ، فخسر الحياة كلها. لأنَّ الله لم يفرضْ عليه الحقَّ ، بل تركه يختارُ بحريتِه ما يشاء. إختارَ البعدَ عن الله. ولم يمنعه الله عن ذلك ، لم يغفِر له تجديفه.
كل خطيئة تغفر. التجديفُ ضد الروحُ لا يُغفر !
يقول بعض شراح الكتاب بأنَّ ” الخطيئة ” هي ضد البشر. أما التجديف فهو ضد الله (أح24 : 6). والله يغفرُ كلَّ الخطايا ضد البشر. أما من يعمل ضد روح الله ، يُجَّدف ، فلا يُغفَرُ له لأنه هو رافضٌ أصلا الله كلَّه: شخصَ الله وكلامَه. وكيفَ يغفرُ له الله وهو نفسُه يرفضُ الله؟ لقد أفاضَ الله روحَه على البشرية ليقودَها في درب الخلاص. ومن يرفُضُ الأنقيادَ لأرشادِه يخسرُ فرصة الحياة مع الله. فالتجديفُ ضد الروح يكون حالة عِداءٍ لله ورفضه نهائيا أكثرَ من أن يكون فعلا محَّددًا. لأنَّ الرفضَ ليس للأقنوم الثالث في الله ، بل هو رفضُ حياةِ اللهِ و التجاوبِ معها. التجديفُ هو رفضُ الحقيقة الإلهية وتحويرها وتشويهها بغيةَ تبرير الموقفِ الشخصي ، كما فعلَ الفريسيون إذ إدَّعوا أنَّ يسوعَ يجري المعجزات بقوة سيد الشياطين لا بقدرةِ الله (متى12: 24). وأكدَّ يسوع ،” وأمَّا إنْ كنتُ بروحِ الله أطردُ الشياطين فقد وافاكم ملكوتُ الله … كلُّ خطيئةٍ وكفرٍ يُغفَرُ للناس. وأما التجديفُ على الروح فلن يُغفر” (متى12: 28-31). عملُ الروح هو بالتالي عملُ الله ” لأنَّ الروحَ يرشدُ الى الحَّقِ كلهِ ، ولا يتكلمُ بشيءٍ من عنده “(يو16: 14)، ومن يرفضُ الروح يرفضُ الله الواحد !