أهلا وسهلا بالأخ العزيز فراس أدور.
لقد حَّيرَتْ أحداثُ ” داعش ” الأخيرة في العراق الأخ فراس فآنعطفَ نحو الكنيسة في العراق ، والكلدانية بالأسم، فرأى فيها صورة ً قاتمة ،لا تطَمئنُ حسبَ إحساسِه على مستقبل المؤمنين ، فسـأل َ:
1- إلى أين تذهبُ الكنيسة ُ الكلدانية والخوفُ من المسـتقبل ؟
2- لماذا أصبحتْ كنيستنا محافِظةً طقسيًا على المؤمنين الموجودين ، وآبتعَدَتْ ، كلَّ البُعد ، عن الكنيسةِ التبشيرية التي كانت في زمن الرسل ؟
مصيرُ الكنيسة !
الأعمـار بيد الله ، يقولُ المثل. والمثل الشعري الآخر يقول :
إعمَلْ لدنياكَ كأنَّكَ لا تموتُ أبدًا وآعمَلْ لآخرتِكَ كأنَّك تموتُ غـدًا.
ما معناه لا يقضي الأنسان وقتَه ولا يبذل جُهدَه من أجل المستقبل فقط. يعملُ الأنسان ويهتم في أنْ يعيشَ حاضرَه ويعمل ما يجبُ عليه. طبعًا كل إنسان يتطلعُ الى المستقبل. لكنَّ المستقبل لا ينبني إلا على الحاضر. حتى نضمنَ المستقبل يجبُ أنْ نفكّرَ كيف نعيشُ الحاضر. و بمعنى آخر سيكون المستقبلُ ثمرةَ الحاضر. لذا إذا أردنا أن نعرفَ كيفَ يكون مستقبلُ كنيسة العراق لننظر الى وضعها الحالي، ولنُهَّيِئْه لمستقبل نحلمُ به. إذا كانت الكنيسة تسير على خطى الأيمان والعلم فتهتم بالثقافةِ الأنسانية والدينية ، وبالقداسةِ والكرامة فستنتجُ مؤمنين يتفاعلون مستقبلا مع الحياة بشكل صحيح وبّناء. إذا ترَّبى أبناءُ الكنيسة على الحرية والمحبة والحق فلا خوفَ عليهم مستقبلا حتى لو جابهوا “التنين، الحية القديمة”. أما إذا لم ينالوا من الأيمان سوى القشور، ومن العلم سوى ما ينفخ فعندئذ يذهبون أدراج الرياح لأول عاصفة تهُّب عليهم.
والكنيسةُ من هي؟ ألسنا كلنا نحن الذين نجتمعُ ونعملُ تحتَ خيمةِ المسيح وفي ضوءِ تعليمِه؟ . فهل نعملُ كلنا ، وكل واحدٍ من موقعِه ومحَّلِ إعرابِه ، من أجل كنيسةٍ قوية لا تخافُ ، و مسَّلحةٍ بالأيمان والروح الألهية لا تتزعزع ، وفاعلةٍ بالمحَّبةِ والصمود وعيونُها على الله ، ورجاؤُها بالمسيح الذي قال أنا غلبتُ العالم ، رغم عواصفِ المعارضةِ والمقاومةِ بل وحتى الأضطهاد؟. أم يتنَّصلُ كل واحدٍ من واجِبِه ويلقي حملَه على غيرِه، ثم يعودُ وينتقدُ ويطعنُ؟
الكنيسة نحن مع المسيح !. أما المصير فمصيرُنا ولا يُغَّيرُ في المسيح شيئًا!. فهل يتساءَلُ كلُ واحد منا إنْ كان يُؤّدي رسالتَه ودورَه بأمان ضمن كنيستِه حتى تتوَّهجَ الكنيسة مشرقةَ الوجهِ ، رافعة َ الرأسِ أمام رأسها ليحميها بدوره من غوائل الدهرِ؟.
والسؤال خَّصَ الكنيسة الكلدانية. لكن الواقع ينطبقُ على كل الكنائس، بل على كل الجنسيات والقوميات والأديان والمذاهب. لقد هاجت اليوم قوات الشرعلى الحَّق. وتغلبت قواتُ الأنانية والمصلحة على المحبة. ولن ينقذَنا من هجمةِ الشيطان هذه غيرُالأيمان والعيش في الحَّق و المحبة. الكنيسة مؤسسةُ المسيح وليست من تأسيسنا. فلسنا نحن من يحميها وينقذها. المسيح حاميها ومُدَّبرها. إنما المطلوب منا أنْ نؤَّديَ شهادتنا ونعلن بشرى الخلاص ونتحَّملَ نتيجة ايماننا ونصمد في مسؤوليتنا ، والباقي يُدَّبره الله.
أما الشدائد والضيقات وحتى الأضطهاد فلم تكن الكنيسةُ عمرَها خالية عنها ، ولم تخف منها ولا تشَّكت يوما منها، لأنها لم تنسَ انَّ مؤسسها قد شربَ كأسَها قبلها، وشربها حتى الثمالة!. بل وأنبأها بأنَّ هذا يكون دربَها ، دربَ الجلجلة وحمل الصليب ونكران الذات. أما قالَ الرب :” تأتي ساعةٌ يظُّنُ فيها من يقتلكم أنَّهُ يُقَّربُ الى الله قُربانًا “؟ (يو16: 2). ولمْ يقُلْ بأنَّ ذلك نهاية المسيحية. بل رغم ذلك قال :” لا تخف أيها القطيعُ الصغير فقد شاءَ أبوكم أن يُنعمَ عليكم بالملكوت “(لو12: 32). فهل مستقبلُ الكنيسة هو ضمان عددٍ غفير من المؤمنين ، أم هو ضمان الحياة الأبدية في ملكوت الآب السماوي؟. وإنْ كان المؤمنون بالمسيح” ليسوا من العالم، كما يسوعُ ليس من العالم “(يو17: 16؛ 15: 19)، فهل يُخيفُ ويُقلق إذا ” شاركوا المسيحَ آلامَه وتمثلوا به في موتِه “؟. أما أكدَ الرسولُ بأنَّ ذلك ضمانُ بلوغ القيامةِ أيضا ؟ (في3: 10-11) لأنَّ المصائبَ و” آلامَ هذا الدهرلا تقاسُ بالمجد المزمع أن يتجَّلى في المضطهَدين “؟ (رم8: 18؛ 2كور4: 17).
إنَّ مستقبَلَ الكنيسة يُقاسُ بأمانتِها لرسالتِها ، و برجائها في الحياةِ التي لا تزول. أ لم يقل يسوع : ” لا تخافوا الذين يقتلون الجسد ولا يقدرون قتل النفس. بل خافوا الذي يستطيعُ أن يُهلكَ النفسَ والجسد معًا في جهَّنم “؟ (متى 10: 28). فأنا أرى أن ما يخيفُ في الكنيسة الكلدانية ليس عدُّوَها وتهديدُه الخارجي ، بل ضعفُ أيمان أبنائِها وعدم نظرهم الى المسيح بقدر تطَّلعهم الى مجاراةِ العالم في مبادئِه و آدابِه، والتمسُّك بقيمِه وخيراتِه، وهذه تُميتُ فيهم الحياة الألهية فتمحو مناعتَهم وتبيدُ رغبتهم في مقاومة الشرير بالأتكال على الله فالصمود ، وبممارسةِ المحبة والغفران. وأنا لستُ نبيًا لأخبرَ عما ستؤولُ اليه حالُ الكنيسة. إنما كلام الرب صريح بأنَّ الشجرة التي لا تُثمرُسوفَ تقطع حتى لا تُعَّطلَ حقلَ الله (لو3: 9؛ 13: 9) ؛ ويُنزعُ ملكوت الله عن غير المثمرين ويسَّلم الى من يجعلُه يُثمر(متى21: 42).
البعدُ عن التبشير، وحفظ المؤمنين طقسيا !
أما حفظُ المؤمنين طقسيا فهذا ليس من أجل الطقس ذاتِه ، بل فقط لأن السلطة الكنسية مسؤولة مباشرة عمن ينتمون الى ذلك الطقس ومؤتمنة على ايمانهم. بالطقس تُغَّذي إيمانهم وتنعشُ إتحادَهم بالمسيح من خلال الكلمة والصلاة ولاسيما تجديد ذبيحة المسيح تلبية ً لطلبه ” إصنعوا هذا لذكري”. تنَّورُ سيرتهم وتساعدُهم على حفظ وديعةِ الأيمان، وديعةِ حقائق العقيدة المسيحية (1طيم 6: 20؛ 2طيم1: 14)، لا بالكلام فقط بل بالفعل أيضا فيجتمعوا في محبة واحدة ويصلوا بقلب واحد ليكونوا واحدًا مع المسيح ، وعلى يده واحدًا بالكامل” في الآب والأبن ومثلهما ” (يو17: 21-23).
أما التبشير، ولماذا فقدت بريقَها الأول مثل عصرها الذهبي الذي وصلت فيه الى مغوليا والصين ، وعَّدت الكنيسة المشرقية الكلدانية 80 ثمانين مليونا من الأتباع في بداية القرن التاسع الميلادي ، بينما كانت اوربا كلها لا تبلغ آنذاك 50 خمسين مليونا ، فالتأريخ أولى أن يقُّص خبرَها. والظروف التي آلت اليها لا فقط لم تكن تسمح بالتبشير بل وكانت تهَّدد بإنهاءِ وجودِها ، كما هي الحال في أيامنا. يوم أبيدَ مسيحيو أربيل سنة 1312 عن بكرةِ ابيهم ، ويوم أشعلوا أديرة وكنائس في بغداد ، ويوم حاولوا أن يفرضوا الأسلام بالأكراه ، مع أنه لا إكراهَ في الدين ، وأبادوا في تركيا ثلاث أبرشيات لها من الوجود سنة 1915!. كلَّ هذه الأمور قادت السلطة الكنسية الى الأهتمام قبل كل شيء بالحفاظ على القطيع قبل العمل على تكثيره.
أما قال يسوع بأنه جاءَ ليرُّدَ أولا الخرافَ الضالة من آل اسرائيل؟.(متى15: 24). أما إتجَّه الرسلُ أولا الى اليهود كواجب عليهم قبل الوثنيين ؟ (أع 13: 5 و46). واجب الراعي أن يحافظَ أولا على القطيع ويحميه ضد الذئاب والسراق. ثم أن يبحث عن خرافٍ تضل عن القطيع. ثم يفكرُ كيفَ يكَّثرُ القطيع. ماذا ينفعه إذا تكاثرت الخرافُ لكنها إنفصلَت عن القطيع أو إفترسَتْها الذئاب؟. هل يغتني المرءُ إذا آقتنى الملايين ، لكنه خسر بعده المليارات؟. يقول المثل : عندما يسقط الثورُ تكثرُ السكاكين. لم تكَد تفقد الكنيسة بريقَها ، لأسباب داخلية و خارجية ، حتى تكالبَت عليها قوى الشر ومزَّقت جسمها ونهشت لحمَها. و لمْ تتعافَ من جروحها وكلومها الى يومنا. لكنها إستطاعت ، رغم كل المضايقات ، أن تحافظَ على القطيع الصغير. والربُ وحدَه يُقَّـيم ويُـثَّمن ويمتحن عمل كل كنيسة ! (1كور3: 13).