أهلا وسهلا بالأخ طلال شَّــفو.
تطَّرقَ الأخ طلال إلى حياة إكليريكي لا يُدَّبرُ ” بيتَه ” كما يتطلبُ الأيمانُ المسيحي ، كما جاءَ على لسان مار بولس في رسالتِه الى تلميذه طيمثاوس. فتساءَلَ : أما كان الأجدرُ، بهذا الشخص، أن يؤَّثرَ في أهلِ بيتِه أولا ومن بعدهم للناس ؟.
و يبدي مُبَّررَه في ذلكَ بأنَّ ” أهل إكليريكي معَّين لا يحضرون إطلاقا للكنيسة ، ولا يُشاركون بأي عمل أو نشاط مسيحي. بل يستهزئون بطقوسِه “. ويستنتجُ من ثمَّةَ بأنَّه تنقصُ الشهادة للمسيح ، وهي واجبةٌ أولا في البيتِ الخاص ، ومحيط الأهل ، و من ثمَّة في الكنيسة والمجتمع !.
الشهادةُ للمسيح وفكره واجبٌ لا مفَّـرَ منهُ !
إنَّ ما ذهبَ إليه الأخ طلال من صلبِ متطلبات الحياة والشريعة المسيحية. من أرادَ أن يُعَّلمَ يجبَ أن يكون القدوةَ والنموذجَ الذي يُحتذى به، فيُطَّبق ما يدعو إليه. هكذا فعلَ يسوع الذي هو ” المعَّلم والرَّب “(يو13: 15). والكاهن أو الشماس الأنجيلي أيضا معَّلمٌ يتلمذُ البشرية على حياة المسيح. والمثالُ الواحد على الأيمان في الحق والمحبة والعدالة والغفران أقوى و أفضل من ألف درس. وهذه رسالةٌ إئتمنهم يسوع عليها : “.. تلمذوا العالم كله..وعلموهم أن يحفظَوا كلَّ ما أوصيتكم به “(متى28: 19). وأرشدهم الى طريقةِ أداءِ ذلك بقوله : ” أنتم شهودٌ لي “(لو24: 48؛ أع1: 8). وآفتهم الرسلُ جَّيدا ذلك فأدوا شهادتهم بالقول والفعل.
يُحسنُ تدبيرَ بيتِه !
نحتاجُ هنا العودة الى نَّصِ مار بولس. إنَّ السائلَ الكريم تحَّدثَ عن ” إخوةٍ وأخوات ، وأبناءَ وبناتٍ ، وأختانٍ وكَّنات، وأحفاد ” للأكليريكي. أمَّا وَّصيةُ بولس لتلميذه طيمثاوس فتقول : ” يُحسنُ تدبيرَ بيتِه ، ويَحملُ أولادَه بالحُسنى على الخضوع. فكيفَ يُعنى بكنيسةِ الله مَن لا يُحسِنُ تدبيرَ بيتِه”. هذا للأسقف. ويُضيفُ للشمامسة :” أن يُحسنوا رعاية َ أبنائهم وبيوتِهم ” (1طيم 3: 4-5 و 12). أما عن الكهنة فيتحَّدثُ في رسالتِه الى تلميذِه طيطس ، قائلا : ” أن يكون بريئًا من اللوم ،.. وأولادُه مؤمنون لا يُتَّهمون بالفجور، ولا عاقون “(طي1: 6).
نلاحظُ أن واجبَ الأكليريكي قد حصرَه الرسول بالبيت والأولاد فقط. لم يتعَّدَ الى العشيرةِ و أفرادِها. وهذا تصَّرُفٌ إنسانيٌ ومسيحي ممتاز ونموذجي. إنَّ المسؤولية الأُسَرية لأي إنسان لا تتحَّدى أفرادَ أسرَتِه. كل إنسان مسؤول ٌعن نفسِه فقط. وقد حَّددَ الله الأنسان الكامل بالزوجين وثمارهما من الأطفال. فكلُ عائلة تشَّكلُ وحدةً متكاملة مسؤولة عن نفسها ،لا أحدَ يتدَّخلُ في شؤونها ولا هي تتدخلُ في شؤون غيرِها ، حتى لو كانت من اقربِ الأقارب. و هكذا لا يُحاسبُ الله الرجلَ أوالأكليريكي المتزّوجَ إلا عن أفرادِ أسرتِه التي كلَّفَه بقيادتها.
و لا يحُّقُ لنا أن نُحاسبَ الكاهن المتزوّج إلا عن بيتِه وأولادِه.
وإذا كانت الكنيسةُ تحاسبُ الكاهن عن حياة المؤمنين الموكولين الى رعايتِه فلأنه أصبحَ أبا للرعية كلها ومسؤولا عن العمل لخلاصِها. وفي هذا المجال تشملُ مسؤوليتُه أقاربَه أيضا. ولكن بدون أن يُمَّيزَ بينها وبين بقية أعضاء الرعية. إنه الراعي الذي يرعى جميعَ الخراف بخدمة وعناية متساويتين. إنْ كان أقاربُه ينتخون ويسندون خدمة الكاهن قريبِهم فيعطون القدوة ويتعاونون معه فخيرًا على خير ، ولهم الطوبى والفخر. أما إذا كانوا من أوائل من يُعارضُ خدمتَه ويُصَّعبُها ، فلا مسؤولية للكاهن في ذلك.
أما في غيرِ ذلك ، لاسيما إذا كان الكاهن متقاعسًا في خدمتِه من جهة ومُقَّصرًا في واجبِهِ ومتضامنا مع ذويه في إلحادِهم أو كسلهم عندئذ من الواجبِ أن يتدَّخلَ الأسقفُ ويعالجَ كلَّ شيءٍ وكلَّ حالةٍ كما يراه مناسبًا. وهكذا يفعلُ أيضا إذا كان الكاهنُ عرضة ً للتنكيل و التشويه من قبل بعضِ المؤمنين فيوقفهم حَّدَهم خدمة للرعية وللعدالة.
لا تــدينوا !
جاءَ في يو8: 15 : ” أنتم تحكمون حكم البشر. وأنا لا أحكمُ على أحد”!. من المعروفِ أنَّ إحدى أقوى تجارب الشيطان هي أن يُلهيَ المؤمنَ بمراقبةِ الناس وبإهمال حياتِه الروحية. ومراقبة الآخرين تقودُ الى الفضولية بالتدخل في شؤونهم. وعندئذ ينسى المؤمن شؤونه الخاصة. يهتم المراقب بتسجيل النقاط السود في حياةِ الآخرين الى درجة يرى أسودًا حتى أغلبَ البياض المسيطر في اللوحة. وبعد تسليط الضوء على النواقص والأخطاء ينتقلُ الى مرحلةِ المحاسبة والمطالبة بتحقيق العدالةِ الألهية بحَّقِ من قررَ،” هو”، بأنهم مخالفون. في حين حَّذرَنا يسوعُ من دينونةِ الآخرين :” لا تدينوا، لئلا تُـدانوا “(متى7: 1). ودينونة غيرنا لنا تكون أقسى وأوجع لأنه ” بالكيل الذي تكيلون يُكالُ لكم ، ويُزاد “(مر4: 24)!. وحتى الذين يُشَّككون ويُعَّرضون الآخرين للخطيئة لم يدعُ الرَّبُ للتخَّلص منهم ولاحتى لدينونتهم ، بل الى تجَّنبهم والى عدم إعطاء الشكوك لغيرهم. فالقضاءُ على الشر واجبٌ أولا في الذات قبل ملاحظتِه في الغير(متى18: 7-8).
كما نبَّهَنا الرَّبُ بألا نقعَ في حبائل المراءاةِ والنفاق. ودعانا الى أن نهتَّم بإصلاحِ أمورنا و تشخيصِ نقائصِنا وأخطائِنا وتقييم سلوكنا. لمْ يَدعُنا يسوع الى إصلاح العالم بل الى التوبة عن سيَّئاتِنا والى أن نصيرَ نورًا يُضيءُ طريقَ البر للآخرين. منذ القدم صَّرَح الله لشعبِه أنه قد أقامَه ” نورا للأمم ، ليَبلُغَ خلاصي الى أقاصي الأرض ” (اش42: 6؛ 49: 6). وقد جَّددَ يسوع الدعوة للمؤمنين : ” أنتم نور العالم “(متى5: 14؛ يو8: 12). وحَّذرَ من مغّبة تحَّولِ النورالى ظلام (لو11: 35).
وإذا كان الرَّبُ قد وَّصى بإصلاح الأخ (متى18: 15) فذاك لا يعني لا دينونة الآخر ولا إهمال الذات. بل يعني الأهتمامُ بنشر الحَّق والبر. لقد وصَّى الله ” أحبب قريبك كنفسك”. وكلُ واحد يريد أن يخلص ويتمتع بحياة أبدية سعيدة. والمسيح جاء لا ليحكم على العالم بل ليخَّاصَ العالم (يو12: 47). لذا يطلب من أتباعِه أن يقتدوا به (يو13: 15)، وكلَّفَهم بحمل إنجيل الخلاص الى العالم أجمع. فالنصح الأخوي يثبتُ من باب إحتضان كل البشر، والعمل معهم لخلاص الجميع. والأكليريكي أيضا ومن نفس المنطلق يهتم بخلاص الكل. بدءًا من الذات ومرورًا بالآخرين.