أهلاً وسهلاً بالشماس د. حسان باكوس
كتب الأخ الشماس حسان سائلاً : # هل الرسالة إلى العبرانيين كُتِبَتْ من قِبَل مار بولس أم أنَّ الكاتبَ شخصيةٌ أُخرى ؟.
إختلافُ رأيِ علماء الكتاب المُقَّدس !
تعَّوَدَ التقليدُ المسيحي نسبةَ الرسالة إلى بولس وذكرها مع الرسائل الثلاث عشرة الأخرى. ولمْ تُضَّمُ أبدًا إلى مجموعة الرسائل السبع الأُخرى المعروفة بالكاثوليكية. لكنَّ العلماءَ في دراسةِ الكتاب المقَّدَس لا يتّفقون حاليًا كلُّهم على ذلك. بل كُلُّهم أصبحوا يترَّددون في نسبة الرسالة إلى بولس أو إلى أحدٍ غيرِه مُحَّدَد. ويبدو سببُ الأختلاف الرئيسي أن هذه الرسالة وحدَها لا تبدو مُوَّجهةً إلى جماعةٍ مُعَّينة ولا تذكرُ من يُرسلها، إذ لا تبدأُ مثل بقية الرسائل الثلاث عشرة بالتحية المعتادة ” من بولس و.. إلى ..”. بينما تنتهي مثل البقية بالتوصيات الروحية ثم التحيات مع خاتمة بولس المشهورة ” لتكن النعمة معكم أجمعين”. بدأَها بولس من رسالتِه الأولى إلى أهل تسالونيكي، وذكرها في كل الرسائل، عدا إلى أهل روما، بشكل مختلف أحيانًا. وكان على ما يبدو يخُّطها بيده، لأنَّ نصَّ الرسالة يُمليه على كاتب (رم16: 22)، بسبب ركاكة لغته اليونانية، علامة مُمَّيَزة. وذكر ذلك في رسالتين قائلاً: ” وهذا بخط يدي أنا بولس” (1كور16: 21 ؛ كول4: 18).
مضمون الرسالة !
أمَّا عن فحوى الرسالة ومواضيعها فهي تجمع بين أفكار بولس، التي عبَّر عنها في الرسائل الأخرى، وتحوي أفكارًا جديدة ليست بعيدة عن تعليمه لكنه لم يتطَّرق إليها بشكل رسمي، و خاص. فالمواضيع مثل الأيمان والشريعة والخطيئة والخلاص بالمسيح هي من صلب تعليم بولس. كذلك هوية يسوع وتواضعه وطاعته. وعن فرادية شفاعتِه و وساطته الوحيدة عند الله. وعن مواجهة الأضطهاد بالأيمان والصمود. وعن طلب رفع الأدعية لأجله مع ثقتِه الوطيدة بسلامة تعليمه وضميره، وبعمل الله فيه. وليس مستبعَدًا أن يكون بولس، المعروف بوطنيتِه البالغة حدَّ التطرف حيث قال : ” أتمَّنى لو كنتُ أنا ذاتي محرومًا ومنفصِلاً عن المسيح في سبيل إخوتي بني قومي في الجسد” (رم9: 3)، وتابع ” أتمنى من كلِّ قلبي أن يخلصَوا وكم أبتهلُ الى الله من أجل خلاصِهم” (رم10: 1)، قد ختم جهده الرسولي بتوجيه رسالة عامة إلى الكنائس، من أصل يهودي، واليهود غيرالمهتدين بعدُ ليُقنعهم بأنَّ العهد القديم هيَّأ للمسيح، والمسيح جاءَ وهو يسوع الناصري وحَقَّقَ النبوءات ، فعلى المؤمنين أن يسمعوا يسوع المسيح ويتبعُوه، وعلى من تبعه ألا يتندَّم ولا ينغَّشَ بالمُتفلسِفين، فلا يتراجع عن إيمانِه. مجملُ النص قريب جِدًّا من تعليم بولس، وما يختلفُ هو اللغة والأسلوب المتَّبع وهو يبدو من أيدي كاتبٍ مختلف عن الذين تعَّوَدْنا عليهم في بقية الرسائل. أما الجديد فيها ولم يتطَّرق اليه بولس مباشرةً فهو الحديثُ عن تفَّوُقِ هوية يسوع المسيح وكهنوتِه وخدمته وعهدِه على موسى وكهنوت العهد الأول، والعهد الأول نفسه، وخدمته. و التشديدُ على إيمان شخصيات العهد القديم مثل نوج وإبراهيم وموسى وغيرِهم وأنَّ الله شهدَ لهم به. به أدركوا حقائق كثيرة وتغَّلبوا على الضعف وآحتملوا التعذيب و” رأوا المسيح عن بُعدٍ و آعترفوا بأنهم غرباءُ نُزلاءُ في الأرض” (عب ف 11). ويتحَدَّث عن تأديب الرب للشعب وهو ضروريٌ يلجأُ إليه كل أب لتربية أبنائِه. وعن طريق قدس الأقداس الذي إنفتح بدم ذبيحة المسيح، ولاسيما الدخول الى راحةِ الله الأبدية. هذا بآختصار.
إنْ لم يكن بولس، فمَن الكاتب ؟
يتحَدَّث بولس عن معاونيه ويذكر بينهم واحدًا إسمُه أَبُّلُش” برهن على ثباتِه في المسيح” (رم 16: 10). وقال عنه الكتاب أنَّه :” من اسكندرية، فصيحُ اللسان ، قديرٌ في شرح الكتابِ المُقَّدَس. تلَّقى مذهبَ الرب، فآندفعَ يتكَلَّمُ بحماسةٍ ويُعَّلِمُ تعليمًا صحيحًا ما يختَّصُ بيسوع ” (أع18: 24-25). ومن أفسس تابعَ أبُّلُسُ جولته التبشيرية في مناطق أخرى منها كورنثية (أع19: 1). فالعلماءُ الذين يرفضون نسبة الرسالة الى العبرانيين الى بولس يقترحون أنَّ أبُّلُس هو كاتبُ الرسالة. إنَّه الوحيد قريب من بولس إذ هو يهودي الأصل، ومتمَّكن من معرفة الكتاب المقدس والغوص في عمقِ أبعادِه، ومتعاونٌ مع بولس في البشارة. ولكن يبقى ذلك فرضية و نظرية لا حقيقة ثابتة. أرى أنَّ الرسالة الى العبرانيين هي، مقارنةً ببقية رسائل بولس، مُكَّملة لتعاليمه تمامًا مثل إنجيل يوحنا مقارنة ببقية الأناجيل. رُبَّما إشتهرت فعرفت بآسم بولس ، حتى إذا لم تكن له، لأنه هو مشهور وصاحب رسائل أكثر من غيرِه. ولكن هناك رسالة الرسول يهوذا لم تنسب إلى غيره مع أنه هو غير معروف. كذلك رسائل بطرس ويوحنا نسبها التقليد اليهما دون جدال أو إعتراض. بينما يبدو أبُّلُس معروفًا ومشهورًا، حتى لو فقط أكثر من غيرِه. ربما تعاون بولس وأبُّلُس على توجيه هذه الرسالة. إنما على يد كاتبٍ مختلفٍ عن الذين إستعملهم بولس في كتابة بقية الرسائل. ومن المُحتمل أن يكون أبلُّس نفسُه كاتب الرسالة بعد اتفاقِه مع بولس وبعد إستشهاد هذا، فآنتشرت بآسم بولس، بعلم أبُّلس أو بغير علمه ، خاصَّةً وأنَّ أبُّلس لم يُذكر عنه أنَّه كتبَ شيئًا آخر. بآختصار، يمكن نسبة تعليم الرسالة الى بولس أما كتابتها فلا، بل يجوز إلى أبّلس.