أهلا وسهلا بالصديق العزيز
طلب مني صديقٌ، فضَّلَ أن يبقى خَفيًا، أن أخبره بقاعدة تحديد عيد القيامة.
بداية غير مُوَّحَدَّة !
القيامة أقدم وأهَّم عيد في المسيحية. وهي مركز الأيمان والرجاء للمسيحيين. مع ذلك ليس مُثَبَّتًا تاريخيًا بدءُ تعييد القيامة. مات بطرس ومات جميع الرسل دون أن يُذكرَ بأنَّهم إهتَّموا بالأحتفال بالعيد. كان هَمُّهم الأول والأهَّم التبشيرُ بالمسيح. آخرُ رسول مات هو يوحنا، و هو لم يُشِرْ لا من قريبٍ ولا من بعيد الى إحتفالٍ بالعيد. وكما نعلم بدأ الأضطهادُ ضّدَ المسيحية منذ عهد الرسل، حوالي سنة 66م، حتى راحَ ضحّيَتَه بطرس وبولس 67م. ولم يبدأ المسيحيون يفَّكرون بالأحتفال بالقيامة إلا في القرن الثاني الميلادي.
بدأ مسيحيو الشرق لاسيما منطقة أورشليم بالأحتفال به مع فصح اليهود، عند إكتمال بدر الربيع القمري. بينما إختلف موعد العيد لاسيما في اسكندرية و روما. إحتفل به قسمٌ في الأحد الأخير من آذار، وغيرهم في الأحد الأول أو الثاني من نيسان. لكن جميعهم تمَّسكوا بأن يُعَّيدوا يوم الأحد عكس فلسطين. وقسمٌ منهم في أقرب أحد للفصح اليهودي. ولم يهتم المسيحيون كثيرًا بتوحيد عيد القيامة لسببين : أولا لأنهم كانوا منشغلين بالحفاظ على إيمانهم وهم تحت مطرقة الأضطهاد. وثانيا لأنهم كانوا بعيدين عن بعضهم ولا يشعرون بالأحراج الذي نشعر به اليوم بسبب تتطور وتقَّدم وسائل الأتصال.
تحديد يوم العـيد !
لمَّا نالت المسيحية حرية ممارسة شعائرها على يد قسطنطين الملك وآستقَرَّت الأحوال و تنَصَّر الأمبراطور والأمبراطورية بدأ الأهتمام والتفكير بتحديد يوم واحد لعيد القيامة لكل المسيحيين في كافة أقطار الإمبراطورية لتنعم بالسلام والأزدهار. وفي تلك الأثناء إنتشرت بدعةُ آريوس الذي نكر أُلوهيةَ المسيح فبدأت النفوس تقلق والكنائس تنقسم بين معارض و مؤيد. طلب أساقفة أنطاكية سنة 324م عقد اجتماع عام يبُّتُ في الأمر. عندئذٍ قرر الملك عقد لقاء يجمع بين كافة أساقفة الكنيسة ليدرسوا الوضع ويُحِّلوا السلام في البلاد. فدعا الى مجمع يُعقَدُ في نيقية سنة 325م. إلتأم المجمع في نيقية يوم 20 أيار 325م ، حضره بين 250 الى 318 أسقف، رعاه ممثلان عن بابا روما و وقَعَّا أعماله مع أسقف قرطبة ، و آختتم المجمع يوم 25 آب 325م ، مُثَّبتًا الوضع الراهن القائم وهو توزيع الأمبراطورية الى أربعة مراكز يرعاها بطاركة ، يقودهم بطريرك الغرب أي بابا روما. ومعلنًا لاهوت المسيح ومساواته للآب في الجوهر، ومُحَدِّدًا كيفية تعييد القيامة وفي أي يوم.
وجاءت قاعدة تعييد القيامة كالآتي :
1:- يجب أن تُعَّيد القيامة في الربيع لرمزها بتجديد الأنسان كما تتجدد الطبيعة. مع الربيع تتغَيَّرُ الأنواء الجوية ، ينتهي شتاء الموت وتنبعثُ حياة جديدة تسري في كل الكون. بالقيامة ينتهي موت الخطيئة وينتعشُ الأنسانُ بنيل حياة جديدة، حياة الأبن الوارث لأبيه الله. يبـدأُ الربيعُ عندما تدخل الكرة الأرضية برج الحمل. وهذا يتم في الأعتدال الربيعي يوم 21/آذار الشمسي. إذن تُعَّيد القيامة دومًا بعد 21 / آذار الشمسي.
2:- يجب أن تُعَّيدَ القيامة في يوم أحد. لأنَّ المسيح قام في الأحد، اليوم الأول من الأسبوع كما خلقَ الله نور الحياة للكون عندما قال ” ليكن النور، وكان النور.. وكان مساءٌ وكان صباحٌ ، يومٌ أول” (تك1: 3).
3:- لا تُعَّيَدُ القيامةُ أبـدًا مع فصح اليهود ، أي في نفس اليوم. أما بعدَه ولو بيوم فلم يتطَرَّق اليه المجمع. لقد صُلبَ يسوع ومات ودُفن يوم الجمعة. بعد غروب شمس الجمعة بدأ السبت . وآكتمل البدر فأكل اليهود الفصح (ليلة الجمعة على السبت، أي صباح السبت الباكر). في السبت استراح الناس خلال النهار. بعد غروب شمس السبت بدأ الأحد. وصباح الأحد قام المسيح وظهر للمجدلية وبطرس وللرسل. كان الأحد عيدًا. هذا ما حدثَ هذه السنة. غابت شمس الجمعة 30 آذار. بدأ السبت وآكتمل البدر، فأكلَ اليهود الفصح. خلال النهار استراح اليهود. غابت شمس السبت فبدأ الأحد. والكاثوليك عيَّدوا القيامة لأنها وقعت بعد أكثر من 24 ساعة من أكل اليهود فصحهم. لم نُعَّيد معهم بل بعدهم. بينما لو كان البدر قد إكتمل ليلة السبت على الأحد 31/ آذار لما عَيَّدَ الكاثوليك أيضا.
4:- وإذ لم يتم الأتفاق سنة 325م على أيِّ أحد من آذارأو نيسان لتعييد القيامة تمَّ الأتفاق على الأحد الذي يلي إكتمال البدر. أي يجب أن تمُرَّ على إكتمال البدر ما يُقاربُ يومًا كاملا أي 24 ساعة. وبما أنَّ القمر لا يُصبح بدرًا دائما في الجمعة، والعيد يجب أن يقع في الأحد، ولا يقع البدر دوما في يومٍ ثابتٍ من آذار أو نيسان، لذا يختلف موعد العيد من سنة لأخرى ، ويتنَقَّلُ بين 22 آذار و25 نيسان. فسنة 2008 مثلا صار القمرُ بدرًا يوم 21 آذار ، أي يوم الأعتدال الربيعي نفسه، وكان يومَ الجمعةِ، عَيَّد الكاثوليك يوم الأحد 23 آذار. و سنة 2011 وقع العيد يوم 24 نيسان لأنَّ بدرَ الربيع إكتمل في 19-20/ 4، والبدري الذي سبقه تم في 20/ 3 أي قبل الأعتدال الربيعي. فقاعدة تعييد القيامة هي إذن : الأحد الذي يلي البدر، الذي يلي الأعتدال الربيعي 21/ 3. و لم يختلف عليه المسيحيون حتى بعد إنقسامهم. لأنه كان لهم تقويم واحد مشترك.
إختلف التقويمُ ، فآختلف العيد !
وآستمَرَّتْ المسيحية تُعَّيدُ معًا الى سنة 1582م ، أي إلى تغيير التقويم اليوليانى { من سنة 46ق.م}، والذي أجراه البابا غريغوريوس 13 (1572- 1585)م عندما إكتشفَ مع علماء الفلك خطأًا في التقويم اليولياني. كان التقويم متأَّخرًا عن الحركة الكونية، دوران الأرض حول الشمس، عشرة أيام. عندما بلغوا21 آذار الشمسي كانت الأرض قد عبرت عشرة أيام للأمام. إستغربوا الأمر. أعادوا النظر وقاسوا مدة دوران الأرض حول الشمس فكانت 365 يوما و5 ساعاتٍ و48 دقيقة وحوالي 50 ثانية. في حين حسبها يوليوس قيصر(سنة 46 ق. م) : 365 يوما و6 ساعات. أي بزيادة 11دقيقة وكم ثانية. وعليه حدث تأخر التقويم عن بدء الربيع. فقرر علماء الفلك، من ضمنهم البابا ودعيَ التقويمُ بآسمِه، تصحيح التقويم و تقديمه عشرة أيام ليتطابق مع الحركة الكونية. ولكي لا يحصل تأَّخر جديد نظَّموا أيضا كيفية حسبان السنين الكبيسة. خاصَّة في حساب السنين القرنية. وقرروا تنفيذ التغيير سنة 1582م، وهَيَّأوا مُسَبَّقًا التقاويم. وغيروا كالآتي : كان الخميس 4 أُكتوبر (تشرين الأول) 1582 ، وسجلوا غداتَه يوم الجمعة 15 أكتوبر{وليس 5/ 10}1582م. قدموا التقويم عشرة أيام وأزالوا بذلك الفرق العلمي والكوني الموجود بين التقويم وبين مسار الأرض. تبعه الكاثوليك والغربيون عامة ورفضه الأرثذوكس. كان الفرق عشرة أيام، ولكن بما أنَّ الفارقَ السنوي يُشَّكلُ، كل 133 سنة شمسية، يوما واحدًا جديدًا (133×11= 1463÷60= 24. ساعة) لذا أصبحَ الفرق حاليا 13 يوما. وإذا آستمر العمل بالتقويم اليولياني فسيقع العيد بعد عشرات آلاف السنين صيفًا وخريفا وشتاءًا. وبعد36.575 سنة ستتزامن قيامة الأرثذوكس مع عيد الميلاد الكاثوليكي.