أهلا وسهلا بالأخت مريم ميخائيل.
قصَّت الأخت مريم خبرَ دفع والدتها سنويا مبلغًا من المال لآقامة الصلاة، كما قالت، عن روح أحد موتى العائلة وقد مَّرت سنون على وفاتِه ، فتسـاءَلت :
1- لماذا نُعطي مبلغًا مقابل صلاة ، على نية شخص متوفي : ما الغاية وما الفائدة ؟
2- وإلى متى نُعطي هـذا المـبلغ ؟
3- هل لفترة مُعَّينة ؟ أم مدى الحـياة ؟ وهل ينفـع بشــيء ؟
مالًا مقابل صــلاة !
خطأٌ شائع يقع فيه الكثيرون إنْ لمْ أقل أغلب المؤمنين. وذلك بسبب قلة الثقافة الدينية. وهذا أمرٌ مؤسف أن يؤديَ الأنسان فعلا لا يعرفُ معناه ، والأتعس أن يؤمن أو يظُّنَ أمورًا غير صحيحة. الكنيسة لا تبيعُ الصلوات مقابل مال. فالصلاة ،لاسيما القداس، لا يُثَّمن بمال الدنيا. والمالُ الذي كان يُدفع ، أو ما زالَ يُدفع ، هو مشاركة مادية لضمان معيشة الأكليروس و لتحمُّل مصاريف الكنيسة. يقولُ مار بولس :” إن كنا زرعنا فيكم الخيرات الروحية ، فهل يبدو غريبا أن نحصدَ من خيراتِكم المادية؟.. أما تعلمون أنَّ خدمَ الهيكل رزقُهم من أرزاقِ الهيكل ، والذين يخدمون المذبح يأخذون نصيبَهم من المذبح؟. هكذا قضى الله للذين يُعلنون البشارةَ أن ينالوا رزقهم من البشارة “(1كور9: 11-14). لأنه كما قال الرب ” العاملُ يستحقُ طعامَه “(متى10:10).
إنَّ المسيحية نظمت من البداية ، وآستنادًا الى تعليمات يسوع ، أن تقومَ الجماعة المؤمنة بتحمل مصاريف دور العبادة ومعيشة الأساقفة والكهنة والخَدَم. كان المؤمنون يؤدون واجبهم ويدفعون مبالغ ، لاسيما عند تكليف المسؤول بخدمة دينية ، ليست مقابل الخدمة بل في تلك المناسبة يفَّكرُون ويؤدون واجبَهم ، لتُصرف على كل حاجات الجماعة الروحية وخُّدامِها. مازال المؤمنون يقومون بواجبهم تجاه رعاتهم الروحيين وكنائسهم إنما بأساليب مختلفة قليلا. وهذا من شأن التطور الفكري.
على نية شخص متوفي !
الصلاة ممكنة من أجل كل فئات الناس من الأحياء والأموات. نؤمن بأنَّ الميتَ حَّيٌ يعيش بطريقة مختلفة عنا نحن الأحياء بالجسد: إنها الحياة الروحية. الله روحٌ ، والأنسان على صورتِه روح لأنَّ حياتَه ” نفخة من حياةِ الله “(تك2: 7؛ يو20: 22). لكنه جُبِلَ من تراب مادي، وهذا التراب فاسدٌ وزائل. وعندما يزول أى يموت يستمرالأنسان يحيا بالروح مثل الله ومعه . وعند موته بالجسد سيُحاسبُه الله على الحياة التي وهبها له ويُبَّين كيفَ إستعملها. فإن رضي الله عنه سيتمتع معه بالسعادةِ والهناء. أما إذا دانَه الله بسبب خطاياه ورفضَه فيخسر الحياة الأبدية و يشقى متندّما ومتعَّذبا. ولكن إذا تابَ الخاطيء عن ذنوبه قبل وفاته لكنه لم يلحق أن يدفعَ ضريبتَها عندئذ لا يهلك للأبد بل يتطهر من عقوبات آثامِه لفترة ما. فيتألَّم لأنه لم يُحب الله كما يلزم ولم يحفظ وصاياه بل تبع شهواتِه الجسدية. يتعَّذبُ الى أن يتنقى تماما ويكون جديرا بان يواجه قداسة الله ويشاركه حياته. فمن أجل هؤلاء تصلي الكنيسة حتى لا يطول عذابُهم.
الى متى ندفع حسنة ً ؟
الصلاة من أجل الموتى ليست مُحَّددة لا في نوعها ولا في كميتها. تتوقفُ الصلاة من أجل موتانا على مدى علاقتنا بهم وحُّبنا لهم وآستعدادنا أن نُّضحيَ براحتنا أو مالنا من أجل ضمان راحتهم الأبدية. يمكن أن نصَّليَ من أجلهم كلَّ يوم ، في العائلة مثلا أو في الكنيسة ، أو نكلَّف غيرَنا بتلك الصلاة ، ولاسيما تقريب ذبيحة المسيح التي بواسطتها خلَّصَ جميعَ البشر، الموتى الذين سبقوه بملايين السنين أو الذين يلحقونها بملايين أيضا. لا قيمة لعامل الزمن. الصلاة تتوجَّه الى الله. والله دوما حاضر وهو الذي قال ” صَّلوا كلَّ حين ولا تمَّلوا” (لو18: 1). والصلاة لا تتوقف أيضا فقط على تلاوة نصوص تقوية. بقدر ما تعني عملَ الخير عن روح الموتى بالصلاة والصوم والصدقة.
هل تنفـعُ الصـلاة !
نحن نصَّلي من أجل موتانا لأننا مؤمنون بالله وبالكنيسة وبالقيامة والحياة الأبدية. والكنيسة لا يمكن أن تطلبَ منا شيئا لا ينفع أو يرفُضُه الله. والكتابُ قال بأنَّ الصلاة وتقديم قرابين من أجل الموتى شيءٌ لا فقط صحيح بل مقبولٌ ومُقَّدرٌ لدى الله ؛ صَّلى يهوذا المكابي مع جيشه ليغفر الله خطيئة جنودٍ أخطأوا وسقطوا في الحرب ، وجمَّع من بقية جنوده مالا و طلب تقديمَ ذبيحةً وصلاة عن أرواحهم: ” وكان ذلك خيرَ عمل وأتقاهُ لأيمانه بقيامةِ الموتى. .. وهو رأيٌ مقَّدسٌ وتقي لهذا قدَّمَ الكَّفارة عن الموتى ليغفِرَ الرَّبُ لهم خطاياهم “(2 مكا12: 42-45).
وذكرَمار بولس أنَّ بعضَ أهل كورنثية بلغَ الأيمان بهم إلى أن يعتمدوا ثانية، وهم مُعَّمَدون، لأجل أشخاص آمنوا بالمسيح وماتوا قبل لأن ينالوا سّرَالمعمودية(1كور15: 29). فالصلاة إذن تنفع.
لمَّا ظهرت مريم العذراء سنة 1917 في فاتيما ، البرتغال، أظهرَت للرؤاة لوسيا وهياسنت وفرانسوا ، يوم 13/10/1917 ،مشهدًا من المطهر وشاهدوا كيفَ يتعَّذبُ فيه من يوفون ضريبة خطاياهم قبل أن ينتقلوا الى السماء ، وطلبت منهم أن يُصَّلوا ويُميتوا شهواتِهم في الأكل من أجل أن تخلصَ تلك النفوسُ سريعا. ونحن لا نعلم ،عندما نُصَّلي من أجل موتانا، هل هم بعد في المطهر أم غادروها. ولهذا طلبت مريم أن نصَّليَ من أجل ” نفوس المطهر” عامَّة ليرحمَها الله. نتحَّملُ نحنُ جُزءًا من الألم والضيق أو التضحية لأجل خلاصهم.
المسيحُ مات من أجل غيره ، ومن أجل كل الناس ، وفي المسيح كلُ الناس إخوة وأقرباء و لهذا لا نكتفي بالصلاة فقط من أجل أقربائنا. بل نصَّلي من أجل كل من لا يزالون يتألمون في المطهر. الى أن يوجد العالم سوف يتواجد المطهر لحالة الخطأة التائبين ولم يوفوا ، على الأرض ، ضريبة خطاياهم ولم يتقَّدسوا ويرتفعوا في محبة الله الى المستوى المطلوب. ولهذا سنُصَّلي من أجل الموتى الى نهاية العالم. وإذا صَّلينا من أجل أفرادٍ محَّدَدين ولم يستفيدوا منها فالصلاة تنفعُ لغيرهم. لأنَّ إستحقاقات المسيح لا تذهب سُدًى ، وكذلك لا يَضيع أجرُ صلاةِ المؤمنين أبدًا (متى10: 42)