أهلا وسهلا بالأخ جـنان طحَّــان.
قرأ الأخ جنان الجواب عن غسل أرجل الفتيات فتسـاءَلَ : ” إذا كان غسلُ أرجل البنات مسـموحًا أيضا ، فسوف نرى رسامة قساوسة من النساء “!!. ثم سأل ” لمْ تقتصرْ إذن رسامة القسيسات على الانجيليين فقط بل أيضا على الكاثوليك “!.
تـلمــذة ، رســامة !
جاء في المقال أنَّ مُـبَّررَ غسل أرجل البنات يستندُ الى أنَّ كلَ المسيحيين هم تلامذة يسوع المسيح لأنهم معَّمَدون باسم المسيح ويشتركون في كهنوته العام أى الشهادة للحق ، والعيش في المحبة ، والمشاركة في خلاص العالم. وفي هذا يتساوى الذكورٍ والإناث أى لا فرق بين رجل وامرأة فالكل شهود لحياة المسيح ومبادئه (أع1: 8). وغسل الأرجل لا يعني سوى التلمذة للمسيح في التواضع والخـدمة التي أوصى الرب أن تقوم بها الكنيسة : ” أذهبوا الى العالم أجمع وتلمذوا كلَّ الأمم “(متى 28: 19). لم يستثنِ يسوع أحدًا عن تلمذته.
أما عن الرسامة الكهنوتية ، إى إقامة كهنة يُوزعون الأسرار ويُبشرون بالإنجيل ، فقد ميَّز يسوع بين الكهنوت العام كمسيحي ، وفيه أشترك الرسل والتلاميذ وكل المؤمنين ذكورا وإناثا وعددهم 120(أع1: 15)- وبين الكهنوت الخاص ، كدعوة الى الخَدَمة ، وقد أختار له من بين أتباعِه أثني عشر فقط وسًّماهم ” رُسُــلاً ” (متى10: 1-2؛ مر3: 13-15؛ لو6: 12-14). بينما أشرك 72 آخرين بمهمة التبشير وتهيئة الجو له ” يتقدمونه الى كل مدينة أو موضع كان مزمعا أن يذهب اليه” (لو10: 1-…)، دون أنْ يُشرك يسوع في ذلك أية إمرة أو فتاة. حتى أمه مريم التي كلَّفها بأن تكون أما للكنيسة ، لكل تلاميذه ، لم يشركها في الكهنوت الخدمي الخاص بالتبشير وتوزيع الأسرار. ولهذا أصَّر بولس الرسول فلم يسمحْ للمرأة أن تعَّلم – في الكنيسة وبآسمها – (1كور14: 34؛ 1طيم2: 11-12)، ولا أن تمارس خدمة الأسرار. ولا الرسل أشركوا نساءًا قسيسات في خدمتهم.
الكهنوت دعـوة لا اختيار !
وتسلكُ الكنيسة الكاثوليكية النهجَ نفسَه. لأنَّ الكهنوت دعوة من الله للبعض ليعملوا في كرم خلاص البشرية. فالله هو الذي يدعو كل كاهن مباشرة وليس الإنسان من يختار. إنا لله لا يوزع على الكهنة أمجادًا وأفضالا ولا يوعدهم بالراحةِ والهناء حتى يطمع بها البعضُ و يطلبوا الكهنوت. سبق وطلب بعضهم من يسوع إتباعه فرفضه (متى8: 19-20). كما ليس الكهنوت عرضا فيرفضه المدعو:” دع الموتى يدفنون موتاهم أما أنت فأتبعني” (متى8: 21-22). إنه تكليفٌ خاص بمهمة أُعّدَها لهم الله منذ الأزل ، فأختارهم لها ودعاهم اليها وزَّودهم بمتطلباتها ، ويكافئهم عليها بالمجد والراحة الأبديين (رم 8: 28-30). يظل الله يدعو عبر الزمن فعلة لكرمه في ساعات وسنوات متعاقبة (متى20: 1-7). ولهذا وصَّى يسوعُ تلاميذَه عبر العصور بأن يسألوا رب الحصاد أن يرسلَ فعلة لحصادِه (لو10: 2).
أما الناسُ فيتجاوبون مع الدعوة ويعيشونها. والكنيسة تطلبُ وتستقبلُ من يُرسله الله وتُعّدَه للمهمة وتساعده على أدائِها.
المُســاواة و الكهـنوت !
معروف أنَّ الكنائس غير الرسولية – وهي التي لا ينتسبُ كهنوتهم ولا يتصّلُ بالرسل – فقد بادروا الى رسامة قسيسات وحتى أسقفات موازاة للقساوسة والأساقفة مبَّررين سلوكهم بـ” المساواة بين الرجل والمرأة “. كان هذا قرارَهم لا قرار المسيح ولا قرارَ الرسل ولا تقليدَ الكنيسة قبل القرن العشرين !.
أولا : هل المساواة بأن تُمارسَ المرأة كلَّ ما يمارسُه الرجلُ ؟. هل المساواة هي كما يُقيمها البشر أم كما خلقها الله في الإنسان ؟. إن كانت المساواة بأداء نفس الأعمال والأدوار عندئذ لن يتساوى الرجالُ والنساءُ أبـدا. فلا الرجلُ يقدر أن يحمل طفلا في بطنه ولا المرأة تقدر أن لا تتصَّرفَ بعاطفة. حتى تفكيرها هو عاطفي، تماما كما أنَّ حُّبَ الرجل يبقى فكريا أبدًا. ولن تمتلك المرأة أبدا قوة العضلات التي للرجل كما لن يمتلك الرجل ابدا لطافة المرأة وفنونها. وإن كانت المساواة بالمفهوم البشري الحَّسي ، فلن يتساويا مطلقا لا في أجهزة الجسم ولا في أدوار الحياة الاجتماعية . أما إن بُنيت المساواة على أساس الجبلةِ الأهلية في الصنع فستكون بأداء كل واحد دوره لتكتمل الحياة. فالرجل قوة وعنف والمرأة ضعف ولطف والحياة تحتاج كليهما.
الرجل فكر وعمل شاق والمرأة عطفٌ وتدبير،والحياة تحتاج الى كليهما. بينما تعمل المرأة للأسرة من الداخل : انجاب و تربية وتدبير ، يعمل الرجل من الخارج : توفير الموارد والحماية وضمان المستقبل. وإذا أدى كل واحد دوره كما تتطلبه طبيعة كل واحد يتمتع الإنسان – المتكَّون من الرجل والمرأة – بحياة كاملة موَّفقة. وخلافُ الأدوارِ ليس ظلمًا ولا نقصًا بل هو كمالٌ وطريقٌ الى النجــاح.” من أملى على الله طريقَـهُ ” ؟ أي36: 23
ثانيا : هل الحياة المسيحية متوقفة على ” وظيفة ” الخدمة بالتبشير والتوزيع ، أم هي أوسع من هذا بكثير وتشملُ أبعادا أخرى للحياة لا تقل أهمية عن الوظيفة ؟. ليست المسيحية خدمة إدارية حسَّية فقط. بل هي أكثر من ذلك سلوكا روحيا واجتماعيا . نساءٌ كثيرات مثل القديسة كترينة السيانية وترازية الأفلانية و الأم تيريزا أو كيارا لوبيك لم يكُّنَّ كهنة وعملنَ مع ذلك للإنسانية ولرفع كرامة الأسنان ومساعدته على الخلاص أكثر بمئات المرات من ألف كاهن و رسول. أ لم ينهزم الرسل عند القبض على يسوع بينما خرجت النساء الى الساحة يرافقن يسوع الى الصليب ؟. ومع ذلك لم يغير يسوع تنظيمَه أو دعـوتَه !
الله الذي خلق الإنسان و وَّزعَ الأدوار بين الرجل والمرأة هو نفسه الذي أقام في الكنيسة كهنة ولم يُعَّين بينهم حتى ولا امرأة واحدة رسولا. ترى أ لم يكن يعرفُ ماذا يصنع ؟. هل ينتظرُ منا أن نعَّلمه كيف يقودُ كنيسته؟.هل تعترضُ الكنيسة على مؤسسها فـ ” يقولُ الصنعُ لصانعه لماذا صنعتني هكذا “؟(رم9: 20). أم نعلمُ الله كيف يجب أن يتعاملَ معنا فيستشيرنا في أعمالِه ؟. هكذا فعل ايوب فأجابه الرب:” من هذا الذي يُغَّلفُ مشورتي بأقوال فارغة من كل معرفة ؟. ..أينَ كنتً حين أسَّستُ الأرض ؟..”(اي38: 2-4). و”هل يُخاصمُ القديرَ لائمُه، ويجيبُ اللهَ من يشتكيه،..أ حَّقا تريدُ أن تنقضَ حكمي وأن تدينني لتُبَّررَ نفسَك “؟(اي 40: 2).
بالنسبة الى كهنوت المرأة قد غلقَ البابا القديس يوحنا بولس بابَ النقاش فيه. تريدُ الكنيسة الكاثوليكية أن تبقى أمينة للإنجيل وأن تتعلمَ من تاريخ الكنيسة وتقليدها فلا تقبل أن يُصبحَ الكهنوت ” وظيفة “. بل تحافظ ما آستطاعت على سمُّوِهِ الروحي على أنه اشتراك في كهنوت المسيح الخدمي ، بينما تساندُ وتباركُ كهنوت التلمذة العام بالشهادة للحق والبر.