أهلا وسهلا بالأخت أنسام يوسف.
كتبت الأخت أنسام ما يلي : أ لم يكن يسوع قد إعتمد ،وهو كبير، على يد يوحنا المعمدان؟. لماذا تحتفل الكنيسة في يوم 6/1 بعيد عماد المسيح أى ” الـدنــح ” ؟. هل هو تقليد كنسي أم ماذا ؟. أرجو التوضيح.
لماذا نُعَّــيد ؟
لقد أقام موسى للشعب العبراني، بإيحاءٍ الهي ، أعيادًا أمر الأحتفالَ بها سنويا بهدف عدم نسيان الأحداث والمراحل الأساسية في حياة الشعب. وإذا تذكرها الشعب يتعَّلقُ من ثمة بالله وينهل من تلك الأحتفالات النعم والغنى الروحي الذي تضفيه على الأنسان. وهذا الغنى هو حضور الله في شعبه وفي المؤمن به ، وعونه الألهي الذي يعرُضُه عليه ليضمن له حياة هادئة وادعة ومريحة.
وهكذا درج في المسيحية أيضا إستذكار الأحداث الأيمانية المهمة والأساسية لتبقى حية في ذاكرة المؤمن، عبر الأجيال، وتغَّذيَ إيمانه وتقودَ أخلاقَه. وأول أهم حدث كانت القيامة تلاها عمادُ يسوع ، حتى إشترطَ بطرس في آنتخابِ بديل يهوذا أن يكونَ الرسولُ البديل ” قد رافقَنا طوال المدة التي قضاها الرب يسوع بيننا، منذ أن عمَّدَه يوحنا الى يومَ رُفعَ عنا ، ليكون شاهدا معنا على قيامتِه “(أع1: 21-22).
وأهمية عماد المسيح تكمن في معنى كلمة ” الدنح ” ويعني الظهور أو الشروق. قبل العماد لم يكن أحدٌ يعرف من هو يسوع ما عدا والديه. عرفه الجيران والأصدقاء كإنسان خلوق محبوب ومحترم لا أكثر. لم يكن لأحدهم فكرة عن أنه ” المسيح المخلص المنتظر”. ويوم آعتمد يسوع كشفه يوحنا وأعلن أنه هو ” حمل الله الحامل خطايا العالم “(يو1: 29). وهذا بذاتِه حدثٌ عظيمٌ وجب الأحتفال به لأن عماد يسوع كشف أنه هو نور الحق الآتي الى العالم ليُضيءَ طريق الحياة للناس. وأعظم نور كان أنَّ الله كشفَ عن سّر جوهره الثالوثي : فالله آبٌ وآبنٌ و روحٌ قدوس!.
عـيد الميلاد والعمـاد معًــا !
ظهر هذا العيد في القرن الميلادي الثاني. يشهدُ على الأحتفال به اكليمنضس الأسكندري منذ سنة 202م. وعَّيده المسيحيون في الشرق مع ذكر ميلاد يسوع. لم يعَّينوا للميلاد ذكرى قائمة بذاتها. بل خلطوا الميلاد مع العماد ، إنما صَّبوا تركيزهم على العماد. ولما تبَّنى الشرقُ “عيد الميلاد ” الغربي المُحتفَلُ به في 25/12 عندئذ إستقَّل عيد العماد في 6/1 حسبما كانوا يحتفلون به. لا زال الأرمن يحتفلون بكليهما معا يوم 6/1.
العـيد في 6 كانون الثاني !
أما آختيارُ الأحتفال بعيد العماد في 6/1 أى كانون الثاني فبسبب إختياره بداية للسنة الجديدة. تبدأ السنة الشمسية بشهر كانون الثاني. بينما كانت السنة القمرية تبدأ بنيسان القمري ( آذار/ نيسان الشمسي)، وفيه يُحتفل بعيد الفصح أو القيامة.
وهنا أشير الى ما نوَّهت اليه السائلة وهو: كيفَ نعَّيد عماد المسيح بعد 12 يوما فقط من ولادتِه ، بينما آعتمد يسوع “وهو كبير” أى فاقَ عمره الثلاثين سنة ؟. يشتمُّ القاريء من هذه الملاحظة صدى بعض الآراء الناشزة. التي تدعي بوجوب الأحتفال بهذه الذكرى بعد ثلاثين سنة من الأحتفال بمولده. أولا : الأعياد هي ذكرى لا يولد فيها المسيح من جديد ولا يعتمد ولا يموت ولا يقوم… ثانيا : تحتفل الكنيسة خلال سنة واحدة بكل أحداث حياة يسوع. ثالثا : تزولُ المسافة بين الأحداث بالنعم التي ترجو الكنيسة أن يحصل عليها المؤمن من جراء تلك الأحتفالات. لا تتوخى الكنيسة التواريخ والتفاصيل الزمنية بقدر ما تستنتجُ من الحدث درسَه وعونه ، وتقدمه للمؤمن فرصة لتعميق إيمانهِ وإنعاش روحيتِه وتسديد خطاهُ في درب الحق والبر. وأخيرا إذا أحَّبَ أحدٌ أن يماريَ و ينعزلَ عن جسد المسيح السري/ الكنيسة فيُعَّيدَ كل حدث بعد عدد من أيام أو أشهر أو حتى سنين من وقوعِه ، فهو حر، لكنه سيرى سريعا نفسَه في عزلةٍ تامة من كل البشر، إذ لا أحد يعترفُ ويقبلُ بكذا فكرة أو نظام. لأنه لا يضمن أحد حياتَه كي يُعَّيد ولو مرة واحدة كل أحداث حياة المسيح التي وقعت خلال 38 سنة. فإذا عيَّد هذه السنة ميلاد المسيح من يضمن له أنه يعيشُ 38 سنة ليحتفل بقيامة المسيح مثلا؟. ناهيك عن أنَّ هناك فراغ بدون ذكريات عن حياة يسوع : من عمر سنة والى إثنتي عشرة سنة. ومن عمر إثنتي عشرة والى الثلاثين ؟.
تقليدٌ أو إتفاق كنسي !
تتحَّددُ إذن مواعيد الأحتفال بذكر أحداث المسيح أو القديسين بناءً على إتفاقٍ كنسي بين المسؤولين أو تمديدًا لآحتفال جرى عفويا برغبةِ راغبٍ ، إرتاح له المؤمنون وآستفادوا منه فقررت الرئاسة الكنسية تعميمه والأستمرار بالأحتفال به. لذا نلاحظ بجانب الأعياد العامة للكنيسة الجامعة وجودَ أعياد خاصة بهذه الكنيسة أو تلك، أو حتى بمدينة أو أخرى نتيجة علاقة خاصة لذلك المكان بالحدث المُحْتفَل به : كالباعوثة في العراق لاسيما عند الكلدان ، أو الأحتفال بالملوك المجوس في الغرب.