أهلا وسهلا بالأخ أمجد تـوما
كتب الأخ أمجد يسألُ :
هل يُعتَبَرُ ضياعُ الطفل يسوع المسيح إهمالاً من مريم العذراء ومار يوسف وخطـيـئة “؟.
ظَـنَّا أنَّه مع آلمسافرين !
هكذا قال مار لوقا في الأنجيل 2: 44. ولمَّا لم يظهر ” بعد مسيرةِ يوم واحد ” بحثا عنه عند ” الأقارب وآلمعارف “. هذا يجعلنا نتأمَّل الموضوع بتأَّنٍ. ويُدُّلُ على أنَّه لم يكن الطفلُ يقف معهما في الهيكل. ويدعونا أن نفَّكر أن الصغار كانوا، كما كانت العادة في كنائسنا، يجلسون معا معزولين عن ذويهم الكبار في الهيكل أثناءَ المراسيم الدينية. ويتفق دومًا أن يكون البعضُ أصدقاءَ خاصّين يبقون مع بعضهم ويعودون الى بيوتهم غير مهتمين بذويهم. خاصَّة وأن صبيًّا ذا إثنتي عشرة سنوات يُدَّبرُ حاله، وهو على أبواب بدء العمل. إنَّه كبيرٌ حتى لا يخاف عليه الوالدان ويتركانهم يتصَرَّفُ بمسؤوليته. هكذا كانت علاقتنا مع ذوينا ونحن صبيان فنهتَمُّ بأنفسنا ، ولا يقلق الوالدان علينا.
فليس غريبًا أن يكون مريم ويوسف لم يبحثا عنه حالا عند إنتهاء الطقوس الدينية بل إعتقدا ، كما قال مار لوقا، بأنه مع أصدقاء وأقرباء ، وسيلتقون به مساَءًا. وقلقهما عليه، عندما لم يعد إليهما ، وعودتهما بسرعة الى أورشليم للبحث عنه ، دليل أنَّهما لم يُهملاه ، بل إحترما سيادته وحرّيتَه و وثقا به أنَّه جديرٌ بآلمسؤولية ، ولاسيما لم يكن هناك خوفٌ من خطفٍ، أو تَـعَّدٍ من منَظَّماتٍ إرهابية، كما هي الحال في عصرنا.
بل يَدَعُنا الأنجيل أن نُفَّكر في نقطة أخرى مهّمة. نفكر في ردِّ يسوع عليهما عندما وجداهُ في الهيكل وعَبَّرا عن قلقهما وعذابهما في البحث في أنحاء المدينة. قال :” لماذا بحثتما عَنِّي؟. أما تعرفان أنَّه يجب أن أكون في بيتِ أبي”؟. وكأنَّه يقول لهما :” أَ نسيتما مَن أنا؟. حقًّا أنتما أمّي وأبي لكنَّ ابي الحقيقي هو الله. أما له حَقٌّ عليَّ أن أكون عنده؟. أما ينبغي أن يعرفَ الناسُ أني إبنُه؟. أمَا عليَّ أنْ أُعَرِّفَ الناسَ به”.
هذا يجعلنا نُفَّكر: رُبَّما يريدُ يسوع أن يحسمَ أمَرَه مع مار يوسف ومع أمِّه مريم أنَّه حان الوقت أن يستعِّد لأداء رسالته ، فيشهد للحق الألهي الذي شوَّهه البشر. وأنَّ مار يوسف خاصّةً قد إنتهى دورُه الوصائي عليه. وفعلا كان ذكره هنا لآخر مرَّة في الأنجيل. وتبقى مريم أمه ” شريكة في رسالته “، فهي التي تحاورهُ، وهي التي” تحفظ هذا كلَّه في قلبها”. فيبدو أن يسوع بادر الى فعل هذا، فعرفت مريم أنه تخطيطٌ إلهي، وبدأ يسوع دوره، ونقله الأنجيل ليقول لنا أن ندع يسوع يعمل فينا وفي العالم ولا نُضايقه كثيرًا بقلقنا وآضطرابنا أو خوفنا عندما لا نحُّس بقربه ونحسبُ أنه يُهملنا، فنتيه وراء نظرياتنا وعقدات نفوسِنا.
فضياعُ يسوع ، أومكوثه في الهيكل، لا هو إهمالٌ وى خطيئة ، بل درسٌ لنا أن لا نتغَرَّبَ عن أبيا السماوي ولا نتقاعس في التعَّرف على مشيئته وآلتقَّيد بها.