تتلى علينا اليوم القراءات : أع1: 6-12؛ 2مل2: 1-15 1طيم1: 18-2:6 ؛لو24: 44-53 القـراءة : أعمال 1 : 6 – 12 :– يُروَى لنا صعودُ يسوع الى السماء على مرأى من الرسل وقد وعدهم بإرسال الروح القدُس لهم، كما كلَّفَهم بأن يشهدوا له. القـراءة البديلة : 2 ملوك 2 : 1 – 15 :– تُحَّدثُنا القراءة عن إنتقال إيليا في عربةٍ نارية ، وعن أخذ إليشاع محَّلَه و روحَه. الرسالة : 1 طيمثاوس 1 : 18 – 2 : 6 :– يحُّثُ بولس على الجهادِ من أجل الأيمان والضمير الصالح والصلاة لكل الناس، ويُبدي تعليماتِه لآدابِ المرأة. الأنجيل : لوقا 24 : 44 – 53:– يتراءى يسوع للتلاميذ ويشرح لهم ضرورة ما حدث له، ثم يُقيمهم شهودًا له في العالم، ويعِدُهم بإرسال الروح القدس لهم. إرتفعَ الى السماء ! بعد صعودِه الى أورشليم صعدَ يسوع الى السماء. لقد إكتملت مسيرته نحو المجد فآستقَّرَ فيه. بينما كان الرسل ما يزالون مُتعَّلقين بالمجد الدنيوي حتى سألوه، قبل أن يُفارقَهم،” ربَّنا أ في هذا الوقت تُعيدُ المُلكَ إلى إسرائيل”؟ (أع1: 6). سألوه بلهفة مُصّرين على بقائِه حِسّيًا معهم، ومُلِّحين على المجازاة الزمنية بالإحتفال بأكاليل النصر لقيامته المجيدة بتشكيل ولاية الفقيه اليهودي. خَيَّبَهم يسوع بهدوء” ليس لكم أن تعرفوا..” وتتدخلوا بشؤون الله الخاصّة. عليهم بالعكس أن يتأَهَّبوا لعيش وضعهم الجديد. لقد دعاهم الى منصب أسمى مما يُفكرون فيه وعليهم أن يتفاعلوا معه ليتمَجَّدوا. ما يفكرون به أرضِيٌّ. أما دعوتهم وما ينتظرهم فهو سماويٌّ. لقد تخَّطوا حدود الجسد والدنيا، حدود الحرف والحّس، وأصبحوا أنصارَه وذراعَه اليمنى في مملكة الله الأبدية لا مملكة البشر الزمنية. ويقوم مجدهم في مقالهم الجديد، ” أنتم شهودٌ لي في العالم كله “!، و” ها أنا معكم طَوالَ الأيام..” (متى28: 20). أنا معكم ! سيبقى يسوع معهم. نعم. سيُرَّيحُهم ويُمَّجِدُهم ولكن لا بشكل”حِسِّي” كما يتخَّيلونه ويريدونه. بل كما خَصَّصَه الآب لهم (متى20: 23). وعليهم أن يَغسلوا أفكارهم ويُدركوا” أبعادَ المُلكِ الجديد”، وأن يتعَّودوا أن يُعايشوا حضورَه الروحي. فاللهُ ومملكته روحيان. وعليهم أيضًا أن يترَوحَنوا. لقد عايشوه في ناسوتِه، بقي أن يُعايشوه في لاهوتِه. هو عاش معهم كإنسان وعليهم من الآن ان يعيشوا معه كـ “آلِهةٍ ” (يو10: 34). ولم يعودوا بعدُ أطفالا ليحتموا بظِّلِ معَّلمهم، بل آن الأوان ليتصرفوا كـ” معلمين وقادة ” لغيرهم، ويحموا من الآن و صاعِدًا، الضعفاء والمساكين ومن ينبذهم العالم لأنهم أبناء الله. يجب أن يرتقي تلاميذ يسوع درجةً أسمى فيتعاملوا ويتحاوروا معه وهو في السماء لا يرونه وهم على الأرض يجابهون المصير الذي واجهه يسوع. وإن كانوا لا يرونه يستنجدون به كإلى مصدر قوتهم لنجاحهم. آن الأوان ليعيشوا أبناءَ لله بعد أن عاش يسوع معهم إبنًا للأنسان. إنَّها مغامرة ولكن يستحَّقُ عيشُها. لقد وعدهم الرب بأن يرافقَهم بديلٌ له يُوَّجهُهم ويحميهم. سيحُّل عليهم الروحُ القدس فيجعلهم صورةً إلهية ليسوع حَيَّةً فاعلة. فيحولُ غيابُ يسوعَ إلى غِنًى لهم. والروح هو الذي سيُغَّيرُهم فيبني الصورة التي رسمها يسوع في فكرهم وقلبهم. مَجِّدْ إبنَك ليُمَّجدَك إبنُك ! لقد مجَّد يسوعُ الآبَ وشهد لحَّقِه وقداستِه. وبدوره شهد له الآبُ ومَجَّدَه إذ أقامه. وجاء الآن دور الرسل/ الأنسان ليُمَّجدَ الله بحياتِه، ويُمَّجدَ يسوعَ نفسَه بإيمانه وبالتبشير بكلمته والشهادة لحياتِه، أقوالِه وأعمالِه ” وتكونون لي شهودًا” ليتمِجَّدَ بهم الله ويُمَّجدُهم هو. لقد وضعهم يسوع على الدرب الذي سلكه والذي يقود الى صليب المجد وقيامة الراحة الأبدية. فأرشدهم الى سلوكِه و ضمن لهم عند الآب أن يجتمعوا معه في المجد (يو17: 24). إنتهى مع يسوع زمن الأنقسام في الفكرأو الشريعة. أعلن يسوع الخلاص لجميع البشر حتى لأعدائه.ويحملُ الرسل رسالته فعليهم أن يحملوا يسوع الى كلِّ أنحاءِ العالم ويُقَّدموه مخَّلِصًا لآلامهم ومُقَّدسًا لآمالهم. مجدهم في السير على الدروب في اليهودية والسامرة وإلى أقاصي الأرض (أع1: 8). فرحُهم أن يُعاينوا الناس تدخلُ أفواجًا الى حظيرة المسيح. راحتهم أن يتحَقَّقوا بأن الحَّق والبر التي نادى بها المسيح تغزو شعوب العالم. لا ينفع مجد الجاه ولا تُغريهم بعدُ السلطة. جاه الأرض وسُلطانها يزولان. ما يدوم للأبد هو المجد الآتي من الله. قال يسوع عن بولس ” إنَّه إناءٌ مُختار.. وسأريه كم يجب أن يتحَمَّل من الآلام في سبيلي” (أع9: 16). وسيقولُ بولس في نهاية جهاده :” جاهدتُ الجهادَ الحسن.. والآن ينتظرُني إكليلُ البرالذي سيجازيني به الرَّبُ الدَّيان..” (2طيم4: 7-8). الروح يرشدكم الى الحق كله ! هذا المجد الأصيل لم يفهمه الرسل إلا بعد حلول الروح القدس عليهم ولمَّا بدأوا يخوضون غمار الجهاد والنضال من أجل الحَّق الذي كان يغلي في باطنهم. تعلموا من يسوع أن يُقَدّسوا آلامهم. وكما ظل هو هادئًا على درب الآلام وحتى الموت، هكذا واجهوا بهدوء معاناتهم وتعذيبَ القادة لهم ليَهُّدوا من جُرأتهم ويُقَلِّلوا من حماسِهم في البشارة لا بل فرحوا لمَّا جُلِدوا بسبب إيمانهم وكرازتهم لأنهم ” وُجدوا أهلا لقبول الإهانة من أجل اسم يسوع ” (أع5: 41). وشَّجَعوا المؤمنين على سلوك نفس السبيل (رم6: 5) وأعطوهم المثال بقبول الألم على أمل المشاركة في مجد القيامة (في3: 10-11)، مبررين تحريضهم ” بأنَّ آلام هذا الدهر لا تقاس بالمجد الموعود” (رم8: 18)، ذلك لأنَّ ” تلك الآلام تُكَّملُ في أجساد المؤمنين ما ينقص من آلام المسيح” (كول1: 24). لقد أدركوا بعمق” أنَّ طريق المجد يمُرُّ لا بالأيمان وحده بل بتحَّمُل الضيق من أجل الحق” (في1: 29). لقد أنعم اللهُ، بالمسيح، على الناس بهذا المجد. وضمنه المسيح بصعوده الى السماء وجلوسِه عن يمين الله (مر16: 20) ليُمارس السُلطان الذي أعطي له على الكون كله (متى28: 18) ، لأنَّ الأنسان لمَّا خُلق كُلِّفَ أصلا بالسيادة عليه (تك1: 26). لأنَّه ” كما أنَّ للآبِ سُلطانًا على الحياة كذلك أولى الأبن سُلطانًا على الحياة ، وأولاه سُلطة القضاء لأنَّه إبنُ الأنسان ” (يو5: 27). يسوع صعد الى السماء.. وجلس عن يمين القدرة، وسيأتي بمجده العظيم .. وأصبح لنا عند الآب لا فقط شفيعًا يتوَّسل بل وملِكًا يأمُرُ ويحمي ويقودُ ويدين كلَّ حَّي. هذا هو” الصعود”. وقد إختصرته ترتيلة من الصلاة الطقسية تقول : ” أيُّها الرب ! لقد كرَّمتَ بحُّبكَ طبيعَتنا بدءًا بصورتك الحَّية الشبيهة لك. ولمَّا أسقَطَنا النَّمامُ، بحسده، من مجدِنا أرسلتَ إبنكَ فرَّدَ جنسَنا بولادته من الضلال. وبعمادِه الغافر إستَحَّقَ لنا ذخيرة البنين. وبآلامِه وموته أنقذَنا من عبوديةِ الخطيئة. وبقيامته برَّرَنا. و بصعودِه عظَّمَنا (بإجلاسنا) عن يمينه ” (حوذرا 2، ص496). صعود المسيح إذًا وتمجيدُه هو تأكيدٌ وضمانٌ لصعودنا وتمجيدِنا نحن أيضًا. لِنفرَحْ إذًا و لنتهَّللْ. لنبتهجْ ولنهتفْ مع النبي : ” إرتفعي أيَّتُها الأبوابُ الدهرية. إرفعي رأسكِ. لقد جاءَ مَلِكُ الكرامات “، ومعه إخوتُه المؤمنون الحاملين رايَتَه