سأل بعضُ الناس، عن طريق صديقٍ عزيز، عن رأيي في ما يُنشر على صفحات ” الفيس بوك” أو عن طريق رسائل بريدية في الموبايل ، يدَّعون فيها ظهور المسيح أو مريم العذراء لهم وحديثه معهم ؛ أو كتابة آياتٍ من الكتاب المقدس وطلب إرسالها ” لعشرة أشخاص ” مع الوعد بحصول خير لهم ، وإلا فيهددونهم بـ ” نقمةِ الله والعذراء مريم” إذا أهملوا إرسال المطلوب.
1- الظهورات !
مبدئيا لا أحدَ يقدرَ : لا أن يمنع المسيح أو مريم العذراء عن الظهورلأناس معَّينين والتحَّدث اليهم. والتأريخ يشهد ، والكنيسة تؤَّكد ذلك. هذه لورد وتلك فاتيما وغيرها أثبتت الأحداث ظهور مريم العذراء الأكيد وإعطاءَها البشرية ،عن طريق من ظهرت لهم ، رسالة مفادها التوبة والصلاة والتمَّسك بتعاليم الله و وصاياه ؛
ولا أنْ يُحَّدد للمسيح أو لمريم لمن يظهرون ، ومتى ، وكيف!. تتعَّلق الظهورات بالمشيئة الألهية. لأنَّ الظهور يعني حضورَ المسيح أو مريم لشخص يختارونه ويطلبون منه أن يؤدي عملا ما ، مثل وسيط لنقل إرشادٍ الهي. فالظهور يبقى معجزة الهية يتم بواسطتها إتصال بين السماءِ والأرض فيها “يظهر الله لا للشعب كله بل لشهود إختارهم”(أع10: 41) . الله وحده مصدرها ويتحَّكم فيها. منه البادرة واليه يعود هدف الظهور. ليس للبشرِ فيها سوى دورٍ ثانوي ، أي يتلقون زيارة سماوية دون آنتظار أو رغبةٍ منهم ، ويستلمون فيها خدمةً محددة دون أن يختاروها أو يسبق علمهم بها.
يقدرون فقط أن يستجيبوا لـنداء السماء أو أن يُهملوه.
وإذا كان الظهور حقيقة لا خيالا ولا إدّعاءًا باطلا فسيُثـَّبتُ الله أبعاده وستتحَّقق مضامينُ رسالته. أما إذا كان حيـلة ً وآدّعاءًا كاذبًا فسينكشفُ أمره لا محالة :” ما من خفي إلا سيُظهر، ولا من مكتوم إلا سيُعلن “(مر4: 22). كما حدثَ وآنكشفت أسرارُ ظهوراتٍ عديدة لفَّقها أشخاصٌ أو جهاتٌ إستخباراتية ، لأهدافٍ سياسية أو إقتصادية !.
إيَّـاكم أن يضّـلكم أحد !
وبما أن الغشَّ والخداعَ ممكن ، لأن ابليس وأعوانه لم يُبطلوا عن إيهام الناس وإغوائهم بل يستمرون في خداعهم ” فيتزَّيون بزّيِ رسل المسيح وهم رسلٌ كذّابون وعملة مخادعون. و لا عجب فالشيطان نفسُه يتزَّيا بزي ملاكِ النور”(2كور11: 13-14)، لذا سبقَ يسوع وحَّذرَ منهم ، قائلا :” سيظهرُ مسحاءٌ دَّجالون وأنبياءٌ كذّابون .. إذا قال لكم أحد : هوذا المسيح هنا ، فلا تصَّدقوه.. وإذا قيل لكم ها هوذا في البرية فلا تذهبوا اليه .. و سأله تلاميذه : ما هي علامة مجيئِك..فأجابهم: إيَّـاكم أن يُضِلَّكم أحد ” (متى24: 3-13). ليس كل واحدٍ أهلا، حتى لو ظهر له المسيح ، أن يؤكدَ بأنه كان حقًا المسيح الذي ظهر له. الكنيسة وحدها لها سلطان التعليم والحل والربط. هي وحدَها قادرة أن تُمَّيز الرؤى الحقيقية من الخِـدع الشيطانية و من الألاعيب البشرية. وقد دعانا الرسول الى التمييز بين الأرواح وآختبارِها ، إذ ليس كل روح آتيا من اللـه (1يو4: 1).
لسنا ملزمين أن نؤمن بشيء إلا بالذي تؤَّكدُه الكنيسة وبعدَ أنْ تعلنه ظهورًا حَّقًـا. ليس الفيس بوك مكانًا لأعلان حقيقة المعجزات بل منبر الكنيسة. وليس أيٌّ كان مؤَّهلا لتأكيد صحة الرؤية بل السلطة التعليمية في الكنيسة. فمنها وحدها نتعَّلمُ الحقيقة ونتلقى أخبار الظهوراتِ والرؤى والمعجزات.
2- الرســائل !
أما الرسائل والآيات الكتابية فإنها ليست من ميزة هذا القرن. لقد شهدَ القرن الماضي آلافَ الصحائف مكتوبة ومرسلة للآخرين يدعون مستلميها الى إستنساخ عشراتِ النسخ منها ، وإرسالها الى آخرين ، لنشر خبر سقيم ودَّجال ، أو أداءِ صلاةٍ مجدوعة أو مُحَّوَرة ، أو حتى لإيصال خبر صحيح لكنه تافه ، مع الوعد بالحصول على مكافأة الهية خلال وقت قصير. ومع التهديد بعقوبة قاسية عند عدم الأستجابة للمطلوب. ما تغَّير هو الأسلوب فقط. فالأوراق المكتوبة والمرسلة تحَّولت الى إعلانات في القنوات الفضائية والموبايل وحتى الأنترنت. و كانت الوعود سابقا التخلص من أمراض أو نيل المناصب العالية أو حتى حلول مشاكل عويصة مزمنة ، بينما تحَّولت اليوم الى ملايين الدولارات أو الحصول على وظيفة والى ما يشابهها من مغريات العصر وحاجاته. وكان التهديد سابقا بخسارة مالية أو الإصابة بمرض واليوم صارت بـ ” حلول نقمةِ الله و مريم العذراء والأخبار السيئة ” مثل جرائم < داعش > وأمثاله!.
” تحُّلُ عليكم نقمـةُ اللـه ” !
لم نسمع يوما أن الله إنتقمَ من أحد. كيفَ ينتقمُ الله بسبب عدم إرسال عشرة رسائل وهو الذي لم ينتقم من الذين بصقوا في وجهه وعَّلقوه على الصليب وجلدوه وآزدروا به ؟؟. كيف ينتقم الله وهو الذي مات على الصليب ليكَّفرَعن خطايا المجرمين والجهلة ؟؟. كيف ينتقمُ الله وهو الذي أحَّبَنا نحن البشر إلى أقصى حَّد ؟؟ كيف ينتقم وهو الذي منع إنزال العقوبة بالخاطئين وأعطاهم فرصة التوبة ليخلصوا ؟؟. يتوَّهمُ جدًا من يريدُ أن يُدخل في فكرنا بأنَّ الله ينتقم. هوذا بطرس يقول عن المسيح ” قاضي البشر ودَّيانهم “(يو5: 22-27) بأنه ” شُتمَ ولم يَرُّدَ على الشتيمةِ بمثلها. تألمَّ ولم يُهَّدد أحدًا..” (1بط 2: 23). الله محبة. وحيث يسكن الحب لا مكان لا للحقد ولا للإنتقام ولا للقصاص. لقد غفـر اللهُ للبشر خطاياهم وغسلها بدمه : ” يا أبتاه إغفِر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون “(لو23: 34؛ كو1: 20).
وعن مريم العذراء التي لا فقط لا تنتقم بل تحمي البشر من العدل الألهي فقد ظهرت لرؤاة فاطمة سنة 1917م وهي تصُّدُ سيف العدالة عن البشر الخاطئين. كيفَ تنتقم مريم من مؤمنين وهي شاركت في فدائهم وضَّمت ألمَها الى ألم إبنِها ساندة ً إيّاهُ في تقديم ذبيحةِ ذاتِه عنهم؟. لم تنتقم مريم لظلم إبنِها فكيفَ تنتقم من أبناءٍ عهدَهم إليها إبنُها العزيز؟.
كلُ إنـاءٍ بما فيه ينضحُ !
إنَّ الرسائل المُشَّوقة والمهَّددة في آن ٍ واحد لا أحد يعرفُ مصدرَها ، ولا هوية صاحبها، و لا مُبررَ إرسالها لأناس تجهلهم ولا تعرف شيئًاعن أصلهم وفصلهم وثقافتهم وتطّلعاتِهم و دينهم. إنها رسائلٌ رعبٍ ، وخِدَعٌ شيطانية ينشرها عملاءُ ابليس بهدف تشويه الأيمان ، و زرع الشكوك في ضعافِ النفوس لإبعادهم عن درب الخلاص. همُّهم أن ينشغلَ الناس بقشور الأيمان وبمظاهر تافهة للأجتهاد في خلاص يُبنى على المال والقوة. لأنَّ الكلامَ ، في أغلب الرسائل ، يدورُعن المال أو المناصب ، ويسوع أكَّدَ أنه لا ” يمكن عبادة الله والمال في آنٍ واحد “(متى6: 24)،
إنَّ الرسائل المُشَّوقة والمهَّددة في آن ٍ واحد لا أحد يعرفُ مصدرَها ، ولا هوية صاحبها، و لا مُبررَ إرسالها لأناس تجهلهم ولا تعرف شيئًاعن أصلهم وفصلهم وثقافتهم وتطّلعاتِهم و دينهم. إنها رسائلٌ رعبٍ ، وخِدَعٌ شيطانية ينشرها عملاءُ ابليس بهدف تشويه الأيمان ، و زرع الشكوك في ضعافِ النفوس لإبعادهم عن درب الخلاص. همُّهم أن ينشغلَ الناس بقشور الأيمان وبمظاهر تافهة للأجتهاد في خلاص يُبنى على المال والقوة. لأنَّ الكلامَ ، في أغلب الرسائل ، يدورُعن المال أو المناصب ، ويسوع أكَّدَ أنه لا ” يمكن عبادة الله والمال في آنٍ واحد “(متى6: 24)،
رسائل مثل هذه لا تستحق سوى تمزيقها و رميها في سلة المهملات ، أو حذفها إن كانت في الموبايل أو الفيس بوك دون حتى كلوفة قراءَتِها. وأما الإدّعاء بظهورات يسوع ومريم فلسنا أغبياء حتى نصَّدقَ كلَّ من هبَّ ودَّب. نحن نصَّدق ونتبع فقط ما تُعَّـلمنا إيَّـاهُ كنيستنا الكاثوليكية.