أهلا وسهلا بالأخت نوره مسيح كـكــا.
كتبت الأخت نوره بأننا نحن المسيحيين قد إستلمنا إيماننا تقليديا من عوائلنا. تعلن إيمانها بالمسيح أنه ” المخَّلص والشافي ” وتعتَّز بمريم العذراء وتعتبر مسبحة ورديتها ” انجيلَها الذي تحتفظُ به في قلبها”!. لاحظت أنّه قد قلَّ الأقبالُ على تلاوة الوردية فطرحت أسئِلَتَها:
هل ما زالت الوردية المقدسة لها نفس المكانة كما كان لها قبل 50 سنة ؟
هل نحتاجُ أن نُـرَّددَ الوردية ونتلوَ السلامَ الملائكي 50 مَّـرة ؟
بريق الورديةِ وفاعليتُها !
ليست قُّـوةُ الصلاة في ذاتِ حرفيتِها. ما قيمة الصلاة الربية ( أبانا الذي..) إذا ضلت في الكتب على الرفوف ولم يتلُها أحد؟. وكذلك ما قيمتها إذا تلاها الواحد كالببغاء مئة مرة خلال دقيقة واحدة؟. قيمةُ الصلاة في الشخص الذي يؤديها. فلا أقدس ولا أفضلَ من الصلاة الربية وقد علمها اللهُ نفسُه. ولكن هل يتلوها الجميعُ بنفس الوعي والأيمان والمحبة والحرارة ؟. أما يتلوها الكثيرون حرفيًا بشكل روتيني دون الأعتناء بمعنى عباراتِها والفكرُ تائهٌ بأمور أخرى كثيرة ، منها : المطبخ ، والدراسة ، والوظيفة، والتجارة ولاسيما ” المِسواقْ “؟. وقد يكتفي كثيرون بتلاوتها مرة بتلاوتها مرة واحدة بحرارة وإيمان وثقة وينالون مطلبَهم، بينما يتلوها غيرهم عشراتِ المرات بل قل مئات ولا ينالون مأرَبَهم لأنهم لم يعرفوا أن يُصَّلوا كما ينبغي ، كما قال مار يعقوب (يع4: 3). ومع ذلك لم تفقدْ أبانا.. قوتها وفاعليتَها.
هكذا صلاة الوردية. قال عنها القديس البابا يوحنا بولس الثاني بأنَّ الوردية لم تفقد رونقها ولا قوة فاعليتِها ولا هيبتَها. لأنَّ السلامَ الملائكي ( السلام عليكِ يا مريم..) تبقى مجدولةً من آياتٍ مأخوذة من الكتاب المقدس ودعاء الكنيسة الرسمي. والوردية فقد وصَّت السماءُ نفسُها بتلاوتها. فالقديس عبدالأحد طلبَ من مريم العذراء أن تُرشدَه الى وسيلةٍ يدحضُ بها هرطقة إنتشرت في أوربا. نصحتْه مريم بتلاوة الوردية. وعادت فأكدت لا فقط على منفعةِ تلاوتها بل على ضرورة تلاوتها وذلك في ظهوراتِها في لورد سنة 1858م ، وفي فاتيما /البرتغال سنة 1917م. فإن كان الناسُ قد إبتعدوا عن الأيمان وقلَّت محبتهم لله وزالت ثقتهم بالصلاة وتراجعوا عن تلاوة الوردية فهذا لا يعني أن صلاة الوردية هي التي فقدت بريقَها ومكانتها. بل يدُّل ببساطة على أنَّ المسيحيين فقدوا تذوقَهم للوردية لأنهم فقدوا أصلا ايمانهم بالله و تثقتهم بالصلاة. الخللُ في المؤمنين لأنهم إرتموا في أحضان الأمور المادية والحسية وفقدوا الروح. وإذ قلَّت تلاوة الوردية تفاقم الفساد وكثرت الأمراض والأوبئة فآشـتَّدَ السوء والعنفُ و الأرهاب.
ترديـدُ السلام الملائكي !
أما ترديدُ السلامُ الملائكي خمسين مرَّة فهذا لا يتم بنية الأكثارمن الصلاة. كلا. يعودُ الترديدُ الى جوهر تكوين صلاة الوردية. منذ القرون الأولى للمسيحية أحَّست الكنيسة بالحاجة الى مساعدة المؤمنين في الصلاة. لأنَّ المؤمنين بحاجة الى التواصل مع الله فلا ينقطعوا عن حضوره في حياتهم خلال أيام الأسبوع، ولا ينسوا طلبَ عونِه. نظمت الكنيسة صلاة طقسية جماعية تتلى في بيوت العبادة. ولما حُرِمَ منها الكثيرون، بل الأغلبية الساحقة بسبب إما أشغالِهم أو عدم معرفتهم قراءة اللغةِ الطقسية، إلتجأت الكنيسة الى صلاةٍ يسهلُ على المؤمنين أدؤُها ويضمن إتصالهم الروحي بالله. وإذ كانت صلاة الكنيسة الرسمية تتمحوَرُ تلاوتُها حول المزامير الـ 150 ، فكَّرَ القادة الروحيون تكليفَ المؤمنين المنشعلين بأعمالِهم وعوائلهم أو الجنود بتلاوة الصلاة الربية والسلام الملائكي. فنصحتهم بتلاوتها 150 مَّرةً في النهار الواحد، موَّزعةً بين الأبانا والسلام. وبهدف عدم نسيان هذا الواجب وتسهيل مهمة التلاوة صار المؤمنون يشّدون أوساطهم بحزام من حبل يتكون من 150 عقدة يُمَّررُ المؤمن عليها أصابعَه ويتلو سلاما تلو سلام. ولما طلب القديس عبدالأحد من مريم ، كما نوهنا أعلاه، أن تزَّودَه بسلاح لمحاربة الهرطقات نصحته بتلاوة الوردية ، وعلَّمته كيف يُنَّظمُها بالتأمل في حياة المسيح ، وتقسيمها الى الأحداث المفرحة والمحزنة والمجيدة من حياتِه. فأصبحت الـ 150 سلامًا ثلاثة أقسام يتكون كل قسم من 50 سلاما. ويتجَّزاُ كل قسم الى خمسة أجزاء ، أو أسرار، وكل سر يُتلى فيه 1 مرة أبانا و10 مرات السلام. على هذا الشكل طوَّرت السماءُ صلاة الكنيسة للمؤمنين.
هل نحتاج الى 50 سلامًا ؟
تشَّكلُ صلاة الوردية وحدة متكاملة ، أى صلاةً واحدة. والمفروض أن تتلى الأقسامُ الثلاثة ، حاليا الأربعة، كلها خلال يوم واحد. ولكن بسبب ظروف الناس وأيضا لآستثقالِهم الصلاة ، إكتفت الكنيسة بالأرشاد الى تلاوة قسم واحد يوميا ويتكون من خمسة أبانا وخمسين سلاما. وتُعتَبَرُ صلاة واحدة وليس خمسين تحية معزولة عن بعضِها. صلاة واحدة تتلى بهذا الشكل بهدف تعميق الأيمان. فإذا تلا مؤمنٌ فقط سّرًا واحدا مثلا فهو لم يتلُ الوردية. وإذا تلا قسما ثم سّرين إضافيين فهو لم يتلُ إلا مسبحة واحدة فقط.
لنا في صلاة الكنيسة الطقسية أمثلة على هذا الأسلوب في ترديد الصلاة نفسَها مرات عديدة. مثلا ” لاخو مارا .. وقديشا آلاها..” نرددها ثلاثة ثلاثة مرات. وغيرها في الباعوثة نكررها عشرات المرات. ولو صلينا حاليا أقسام الوردية الأربعة ، وتتكون من 200 مائتي سلام ، فلا يعني ذلك أننا تلونا أربع ورديات. بل نكون قد صلينا وردية واحدة كاملة.
مريم وكـثرة السلام عليها !
كثيرون يدَّعون بأن مريم ” تضوجُ” أى تنزعجُ من كثرة إلقاءِ التحية عليها. وحجتهم ” إذا سلمتُ على واحد ثلاث مرات متتالية ينزعج ويعتبرني مجنونا “! هكذا يتفلسفون. لو قبَّلتْ الأم طفلها مئة مرة في الساعة الواحدة سوف يظل يبتسم لها ويضحكُ مبديا فرحَه. ولو أهدى الأبن لأمه في اليوم الواحد مائة وردةٍ تعبيرًا عن حبه لا فقط لا تنزعجُ أمه بل تظلُ تشكرُه. ثم أنا أسألُ الفلاسفة الذين يعتبرون كثرة تحية مريم نافلة : هل أخبرتهم مريم بذلك ؟. أما تأريخيا فالمعروف أنَّ مريم كانت تبتسمُ للقديسة برناديت عند تلاوة السلام وتشتركُ في تلاوة الأبانا!. وقد طلبت بفمها من رؤاة لورد وفاتيما لا فقط أن يُصلوا الوردية بل أن يدعو الناسَ الى تلاوتها. كيف يكون ذلك لو إستاءَتْ مريم من كثرة التحيات؟ هل نسينا أنَّ كلَّ تحية جديدة هي وردةٌ من لون مختلف وعطر جديد يشترك في زيادة تكريم مريم؟.