أهلا وسهلا بالأخ عماد شــيخو
سأل الأخ عماد : هل صلاتنا تقنصرُ فقط على الصلاة الربيـة ؟
رَبَّنا .. بَّيِنْ لنا من إخترتَ .. !
ذكر سفر أعمال الرسل أولَ صلاةٍ رفعها الرسل سوية وبآسم الكنيسة، لآنتخاب بديل يهوذا، ولم تكن تلاوة أبانا الذي، بل رفعوا سؤالهم على غرار الصلاة الربية. وقالت :” رَبَّنا، يا من يعلم قلوبَ الناس أجمعين، بَّيِن لنا من إخترتَ من هذين الرجلين، ليقومَ بالخدمة والرسالة ، ..” (أع1: 24). و كذلك صلاة ثانية، رفعوها عند بداية إضطهاد الرسل، قالوا فيها:” رَبَّنا ، أنتَ صنعتَ السماءَ والأرض والبحرَ وكلَّ شيءٍ فيها. أنت قلتَ كما أوحى الروحُ القدس إلى أبينا داود عبدكَ: < لماذا ضَجَّت الأمم، وسعت الشعوبُ الى الباطل؟. قامَ ملوكُ الأرض، و تحالفَ الرؤساءُ جميعًا على الربِ ومسيحِه>. تحالفَ حَّقًا .. على فتاك يسوع الذي مسحته.. فآنظر الآن ربَّنا الى وعيدِهم وأتِحْ لعبيدِكَ أن يُعلنوا كلامَكَ برباطةِ جأشٍ وآبسُط يدَكَ لتأتيَ بالشفاء والآيات والأعاجيب بآسم ..” (أع4: 24-31).
في الصلاتين لا أثرَ حرفيًا لِـ ” أبانا الذي”. والرسل أولى منا أن يكونوا قد إفتهموا ما علمه وطلبه يسوع من تلاميذه على مرالأجيال. ويوصي بولس، وهو الرسول من الجيل التالي، أن ” يُقام الدعاءُ والصلاة والأبتهال والحمدُ من أجل جميع الناس، ومن أجل الملوك وسائر ذوي السلطة، لنحيا حياة سالمة..” ، وأضاف ” فهذا له وقعٌ حسَنٌ عند اللهِ مخلِصِنا ..” (1 طيم2: 1-3). وهنا يبدو بولس وكأنَّه يشهدُ أنَّ الربَّ يُرشدُ الى نوع مختلف للصلاة. وهذا يدعونا الى التأمل في ما عناه الرب وأراده في إعطائنا صلاته. وهنا يجدرُ بنا أن نعود أولاً الى الصلوات التي سُجّلت على لسان يسوع نفسه. وبالأخص صلاته الأخيرة قبل موته ولا نجد فيها الطلبات التي سجلها في صلاة ” أبانا”.
فلو كانت صلاتنا تقتصرعلى” أبانا الذي” لماذا إذن لم يقتصر الرسل على تلاوتها هي فقط؟ . ومن جهةٍ ثانية لماذا أشار بولس الى طلبات مختلفة وآدعى بأنَّ ذلك يرضي الرب؟. إذن لم يفهم التلاميذ بأنَّ يسوع يطلبُ أن تقتصر صلاتنا على “أبانا” فقط. بل أدركوا أنه أرادَ أن تكون صلاتنا مِرآةً لحاجاتنا، وأن نصوغها بفكرنا وقلبنا، ونرفعها بإيمان وثقة.
أما أنتم فصلوا هكذا !
لم يقل الرب صلوا هذه الصلاة فقط. بل قال صلوا هكذا. وهذا يعني أنه قدَّم لتلاميذه ” نموذجًا” يساعدهم على الصلاة. فـ”ابانا الذي” مثال نتعلم منه كيف نصلي. الصلاة هي حديثٌ مع الله. وفي الحديث يتحاور طرفان، هما: المؤمن والله. وفي الحديث لآ يقرأ المؤمن لله عما في الجريدة. بل يفتح له قلبه ويُبلغه ما يدور في خلده ويقدم له مطاليبه. وقبل فتح ملفه أمام الله يبدأ أولا بمديح الله وإظهار إجلاله له وحتى محبته له وتعَّلقه به لكسبِ ثقته ومودَّته. ثم يُخرج ما في داخله. وهذا ما تعلمنا إياه الصلاة الربية. تبدأ بدعوة الله ” أبًا ” والمخفي عن التعبير أننا أبناؤُه. والأبن يحب أباه ويُكرمه ويحفظُ كلامه، وله دالة عليه. ليس الله سيدا غريبا ولا الأبن دخيلا منبوذًا.
علاقة الأب والأبن تقوم على المحبة المتبادلة والثقة الثابتة والتعامل المريح. وهكذا يريدُ منا الرب أن نعترف أولا بأبُّوةِ الله وقدرته وسلطانه المطلق فنسَّبحُه ونمَّجدُ اسمَه ونطلب أن يكون معروفا من جميع الناس ومحبوبًا مثل ملك كما يستحق وأن يسمع الناس كلامه و يخضعوا لمشيئته في الكون كله، في الأرض كما في السماء. ثم نعرضُ عليه تعالى حاجاتنا وصعوباتنا ومشاكلنا ,نستغفره عن كل إساءاتنا مؤَّكدين أننا قد صَفَّينا حسابنا مع البشر فسامحنا من أساءَ إلينا وآستغفرنا الذين أسأنا اليهم. بما معناه أننا عندما نصلي يجب أن يكون قلبنا طاهرا وفكرنا صافيا ونيتنا مستقيمة لا نَكُنُّ لأحدٍ لا الحقدَ ولا الكُرهَ ، ولا نطالبُ أحدًا شيئًا، ولا يطالبُنا غيرُنا أيضا شيئا. وفي الختام نسأل الله أن يحمينا من كل شر وشرير فلا يسمح لأبليس أن يجربنا فوق طاقتنا.
هذه هي العناصر النموذجية الأساسية لكل صلاة : وَضْعُ البنوةِ تجاه الله، تسبيحُه وتمجيد أسمه لقداسته وبره وعدله ، طلب حلول ملكوته وبره، أستغفاره ، شكره وعرض الحاجات الجسدية ولاسيما الروحية أى الوقاية من الشر. ويلاحظ القاريءُ اللبيب أن صلوات الرسل بدأت دوما بمديح الله والأعتراف بسلطانه وجبروته وبأمانته ثم عرضوا عليه نواياهم و حاجتهم والتي كانت دوما تؤول الى منفعة البشرية عامة وليس لمنفعة شخص واحد فقط. لا يريد الله أن تكون صلاتنا بشكل تجاري أي نتحدث اليه كإلى صاحب محل غريب ندفع له مالا نأخذ مقابله بضاعة وإيصالا، بلا منّيةٍ ولا حِنيَّة. الصلاة تَصِلنا بالله وتربطنا به برباط البُنُوَّةِ والمحبة.
وكذلك إختلفت صلوات الرسل عن بعضها. إنفردت كل واحدة منها بشكلها ومحتواها. و هكذا إذا صلينا من أجل السلام يختلف دعاؤُنا عن الذي نرفعه من أجل شفاء مريض مثلا أو طلب المطر، أوإيقاف وباء يُميت ويهدد الحياة، أو إحلال البركة في الزروع، أو تكريس دار، أو شكر أو إستغفار. أنما نبدأها كلها بتثبيت علاقتنا أولا بالله وتمجيده ثم عرض الطلب . لا تقتصر صلاتنا إذن فقط على الصلاة الربية ، بل تكون الصلاة الربية نموذجا لنتعَّلم أن نصَّليَ بشكل صحيح مُرضٍ لدى الرب.