أهلا وسهلا بالأخت السائلة.
كتبت تقول بأنها تمُرُّ بحالة عدم إستطاعتها الغفران لشخصٍ آلمَها جدًا. وتجد بنفس الوقت صعوبة تلاوة الصلاة الربية ولا تقدر أن تكملها :” …اغفِر لنا خطايانا كما…”. تقف هنا غير قادرة على تكملتها… فيسيطر عليها الحزن. ولا تقوى على تناول القربان ” لأني ـ تقول هي ـ لا أستطيعُ أن أغفر ولا أن أنسى “. أرجو مساعدتي.
لا أنسى !
أما أن تنسي الأهانة والألم الذي سبَّبَه لك ” الآخر”، فلا يمكنُ. لأنَّ ما حدثَ أصبحَ جزءًا حيويا منك. أصبح حياتَكِ. فهل تنسين حياتك؟. لا يمكن. فلا تحاولي.
لا أقـدر !
أما أنك لا تقدرين أن تغفري ! بل تقدرين. لا بقوتِك الذاتية، بل بقوة الرب القادر على كل شيء. هذا ما يقوله الرسول: ” أستطيعُ كلَّ شيء بذاك الذي يقَّويني”(في4: 13). إنَّ ريتا من كاشيا لم تصبح قديسة إلا لأنها عرفت كيفَ تغفر وتتحدَّى الألم الذي سَّببَه لها أولاً زوجُها ثم قاتلُ زوجها. رفضت أولاً أن تقابل الشر بالشر. رفضت أن تنحدر الى ساحةِ الخطيئة لأنها إختارت الله وسُبُله. لقد أحَّبت المسيح حُّبًا جنونيًا. من أجله قبلت الزواج من شخص لم تختره ولا نوت الزواج لا منه ولا من غيره. تزوجته فقط لأنها عرفت أن تلكَ هي مشيئته. قبلت بها بل عشقتها وتعلَّقت بها. حُبُّها ليسوع لم يسمح لها أن تخالفَ له رغبة أو ترفضَ له طلبًا. رأته على الصليب يغفر لمن عَذَّبَه وأهانه وآزدرى به. فعلَ يسوع ذلك لأنه أحَّبَ البشر حتى أعداءَه الصالبين له. وطلب من ريتا، ومن كل من يُحبونه، أن يفعلوا مثله. وهل يصعبُ علينا تلبية رغبة يسوع؟. طبعا لا إن كنا نحبُه. وإن لم نُلَّبِ طلبًا له فإذًا نحن لا نحبه. وإن كنا لا نحبه فيكون طبيعيا ألا نقدر أن نغفرَ إساءَة غيرنا. ليس الغفران أكلا لذيذا نشتهيه ولا ثوبًا جميلا نختاره. هو صليبٌ يُهَّيـئُه الرب لمحبيه ومختاريه ليسحقَ ويدرس خطاياهم بثقله، ويطهرهم من لذَّةِ شهواتهم بعذابه، ويغسلهم ويُنقيهم بدموع ألامِه. يسوع أحبنا إلى أقصى حد. وحبه حوَّل صليبه الى مجد و ضمن لنا الحياة.
هذا ما آمنت به ريتا وكل الشهداء الذين سفكوا دماءَهم كي لا يخونوا حبَّ يسوع. وبلغت ريتا في قوة حبها حتى اشتهت أن تقاسم يسوع ألم صلبِه. تخلت عن ذاتها وأرتفعت الى مستوى آدابه وأخلاقه (في2: 5)، كما علمها يسوع إذ تخلى عن مجده وآتخذ صورة العبد وأطاع حتى الموت على الصليب (في2: 6-8). كلُّ ذلك حتى يثبت في حبه للآب ولنا. و هكذا نال قوة الهية إضافية بها إستطاع أن يغفرَ دون أن ينسى. وبقوة حبه نالت ريتا قدرة على الغفران وتحمُّل الألم لأجله. بينما كانت القرية كلها تطالب بالثأر لزوجها وقتل قاتله، وقفت هي شامخة الرأس تقول أن حبها ليسوع لا يسمح بذلك بل يدعوها الى الغفران. وهي ليست مستعدة أن ترضيَ الناس، ولا حتى ميولها الغريزية، على حساب محبة الله. والحبُ غلب فسامحت قاتل زوجها ، بل وأنقذته مرة من كمين نصبه له أهل زوجها لقتله. هذا الحب أعطى لها القوة على الصمود في وجه العنف والإنتقام وجعلها تتعامل مع عدوها كمع أخ. بل رفضت أن يكون لها عدو يُؤلمُها، بالعكس أرادت إخوةً يُكملون معها آلام يسوع من أجل جسده السري، الكنيسة (كو1: 24).
فحبك ليسوع كفيل بأن يقويك لتسامحي من أساءَ اليك وتطلبي له حتى الخلاص. إذا تشبهت بيسوع في حمل صليب نكران الذات والغفران فستقاسمينه أيضا مجد قيامته (في2: 10؛ رم 6: 4-5). وإنَّ ” آلامَ هذه الدنيا لا توازي المجد المزمع أن يتجَّلى فينا “(رم8: 18).