أهلا وسهلا بالشماس سعد تومايي.
طلبَ الأخ سعد إيضاحًا عن شفاعة القدّيسين ، ثم سألَ : ما هو الفرق بين شفاعة القديسين و شفاعة المسيح ؟.
بين الشفاعة والوساطة !
—– 1+ الوساطة
هي الوقوف بين قطبين متباعدين ومختلفين في وجهات النظر، وفي نقطة تبعد بمسافة متساوية من كل منهما، في محاولة للتقريب بينهما وتوحيدهما في رؤية للأمرواحدةٍ مشتركةٍ ، تنقذُ حقوقَ الطرفين وتُزيلُ ما يُسَّببُ البعدَ والفرقة بينهما. فالوساطة يُعَّرفُها منجدُ اللغة العربية بـ ” عملُ الوسيط “. والوسيطُ يُعَّرفُه بـ ” المتوَّسطُ بين المتخاصمين ” ، فيُقالُ ” هو وسيطٌ فيهم ” أى هو أرفعُهم مقامًا وأشرفُهم نسَبًا “. ويقول الكتابُ المقدس عن يسوع المسيح :” لأنَّ اللهَ واحدٌ، والوسيطُ بين اللهِ والناس واحدٌ ألا وهو المسيحُ يسوعُ الأنسانُ الذي جادَ بنفسِه فدى لجميعِ الناس “(1طيم2: 5). ويُشيرُ بهذا الى المخَّلص الموعود لآدم وحواء: ” بينكِ وبين المرأة أقيمُ عداوةً وبين نسلكِ ونسلِها فهو يترَّقبُ منكِ الرأس “(تك3: 15)، وقد حدَّده الأنجيل بيسوع ودعاهُ ” حملَ الله الذي يرفعُ خطيئة العالم “(يو1: 29) ، لأنَّ الأنسانية غلبت عدوها ابليس بدم هذا الحمل (رؤ12: 11) ، فلهذا أصَّرَ الكتابُ أنْ لا وسيطَ / مخَّلصَ غيرَه : ” ما من اسم آخر تحتَ السماء أُعطيَه الناسُ نسطيعُ به أنْ نُدرِكَ الخلاص ” (أع4: 12)، لأنَّ يسوع نفسَه قال :” أنا الطريقُ و.. لايمضي أحدٌ الى الآب إلا إذا مَّرَ بي” (يو14: 6).
وتُعَّلمُ الكنيسة ما يلي : ” المسيح ُ إبنُ الله الذي صارَ انسانًا، هو كلمةُ الآب الوحيدة والكاملة والتي لا يمكن أن يفوقَها شيءٌ. .. ولمْ يبقَ لدى الله كلمةٌ أخرى يُعطيها لنا. لقد قال لنا كلَّ شيءٍ معا ودفعةً واحدة.. وليس لديه شيءٌ آخر يقوله..” (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 65). وبما أنَّ التدبيرَ الخلاصي،” المسيحاني هو العهدُ الجديدُ والنهائي ، فهوغيرُ زائل أبدًا ، ولن يُرتقبَ بعدَه وحيٌ آخر علني جديد، الى أن يتجَّلى ربُّنا يسوعُ المسيح في مجدِه ” (ت.م.ك.ك. رقم66). لأنه ” كلمة الآب النهائية بحيثُ لا يكون بعدَه وحيٌ آخر” (ت.م.ك.ك. رقد 68) كما صَّرَح يسوع نفسُه :” يأتي بعدي أنبياءٌ كذبة لا تُصَّدقوهم (متى24: 4-5، 11-26). كان الخلافُ بين الله والأنسان بسبب خطيئة هذا الأخير. كانا قطبين متخاصمين. فوقف المسيح بينهما وسيطا. هو الأنسان الخاطيء فأعتذر من الله ونال الله حَّقه. وهو الأله القدوس البار فغفرللأنسان وآسترجعَ الأنسان حقه في بُنُّـوةِ الله وميراث خيراتِه. فاللهُ ” صالحَ العالمَ في المسيح ولم يُحاسبْهم على زّلاتِهم “(2كور5: 19؛ يو3: 16-17).
—– 2+ الشــفاعـة
أما الشفاعة فعَّرَفها قاموس اللغة بـ ” الإعانة ” فقال : شفعَ لفلان أى طلبَ له العون ، أو سعى له. فالشفيع هو الذي ” يسعو أو يُعين “. الشفيع لا يقضي الحاجة كالوسيط بل يطلب ويتوَّسلُ لأجل غيرِه ، إما بسبب دالتِه على من يُوَّجه له الطلب أو بسبب مركزه الذي يؤَّهلُه لأجراءٍ شيء عن طريقِ عملاء له. ولنا أمثلة كثيرة في الكتاب لشفاعة أشخاص في مراكز مرموقة أو ذوي سيرةٍ حميدة يتشفعون من أجل غيرِهم. هذا ابراهيم يتشَّفع لأجل سكان سدوم وعامورة. إنه يسأل فقط ولا يفعل أكثر(تك18: 22-33). وهذا موسى يتضَّرعُ الى الله ليَغفِرَ للشعبِ خطيئته. لكن الله أعلن أنه يُعاقب من خطئَ اليه (خر32: 11-14 ، 31-35). وهذه مريم تتشفعُ في قانا لإغاثةِ العريس في مأزقِه ويستجيبُ لها يسوع (يو2: 1-11)، كما يستجيبُ لأعيان اليهود الذين أوفدهم قائد المائة يتشفعون له (لو7: 1-6). بل أكثر من هذا إذ أصبح بطرس وبولس يجريان المعجزات بصلاتهما الى الرب (أع9: 10؛ 20: 10؛ 13: 10-11)، حتى صارظلُّ بطرس وحده ومناديلُ أو مآزرُ مسَّت بدن بولس تشفي المرضى (أع5: 15؛ 19: 12). أصبحا شُفعاء للمؤمنين عند الله حتى يُجري اللهُ الآيات على يديهما. إنهما وسطاء لدى الرب يسوع في متابعة رسالتِه ودورِه. إن كانوا هكذا على الأرض لا يرفضُ اللهُ لهما طلبًا فهل يرفضُ ذلك عليهما، وعلى أمثالهما ، الذين إختارَهم و أرضوه ؟ (أع9: 15؛ 13: 2).
شفاعة الأنسان لدى الله تأتي نتيجة العلاقة الحميمة بين الله والقديس الذي مثل الرب لا يطلب لنفسِه بل يتشَّفع من أجل كثيرين غيره ” بما يوافقُ مشيئة الله “(رم8: 27). الربُ أتَّمَ وساطته فخلص البشرية والآن ” هو عن يمين الله يشفعُ لنا “(رم 8 : 35). وكذلك القديسون يستمرون على أداءِ دورهم ورسالتِهم في بناء ملكوت الله حتى بعد وفاتِهم. وإذا كان بولس يطلب من الأرضيين أن ” يُقام الدعاء والصلاة والأبتهال والحمد من أجل جميع الناس” (1 طيم 2: 1) أ فلا يستطيعُ أهل السماء أن يفعلوه وهم يتمتعون بمجد الله وقدرتِه ؟.
أما عن شفاعة مريم فهي تفوق شفاعة جميع القديسين لأنها والدة الله التي قالت لله دوما ” نعم” ، لدى البشارة والولادة وحتى الصلب، والتي صنع الله فيها ويصنع على يدها العظائم (لو1: 49). وعن شفاعتها تقولُ الكنيسة :” منذ الرضى الذي أبدتْه مريم بإيمانها في يوم البشارة ، والذي إحتفظت به على ثباتِه بحذاء الصليب ، تستمّرُ أُمومتُهاهذه بلا آنقطاع ، في تدبير الخلاص الى أنْ يكتملَ نهائيًا جميعُ المختارين (يو19: 26؛ رؤ9: 11). فإنها بعدَ انتقالها الى السماء لم تنقطع مُهمتُها في عمل الخلاص. إنها بشفاعتها المتصلة لا تني تستمّدُ لنا النعم التي تضمنُ خلاصَنا الأبدي “(ت.م.ك.ك. رقم 969).
شفاعة يسوع وشفاعة القديسين !
تشَّفع يسوع لأخوتِه البشروحصل لهم العغران (لو23: 34)، صلى الى الآب ليقيم لعازر (يو11: 41-42) وفي نفس الوقت قبل صلاة تلاميذه فأحيا الموتى ” لخاطرهم” كما نوَّهنا أعلاه (وايضا أع 3: 6-8). تستندُ شفاعتهم الى شفاعة يسوع نفسه كغصن الى الجذع. الحياة من الجذع لكن الأغصان هي تحمل الثمر! ومن فضل الرب يوزعون الخير على من يطلبه منهم. لأنهم أعضاءُ جسمه ، وهو الذي يحييهم و” يضُّمهم الى تقدمة ذاتِه الى الآب والى شفاعتِه من أجل العالم كله ” (ت.م.ك.ك. رقم739). يسوع قدَّم ذبيحة نفسِه و” يضَّمَ المؤمنين الى ذاتِه ، ويُشركُهم في حمدِه وشـفاعتِه “(ت.م.ك.ك. رقم 1361). وفي تقدمة القداس، ذبيحة المسيح ، تتشفعُ الكنيسة بكهنتها ومؤمنيها إذ تُصَّلي من أجل حاجات العالم كلها ومن أجل خلاصِه (ت.م.ك.ك. رقم 1368). ولا فقط يشترك أعضاء جسد المسيح على الأرض في تقدمةِ الذبيحة بل حتى ” أيضا الذين دخلوا مجدَ السماء “(ت.م.ك.ك. رقم 1370). لأنَّ المسيحَ واحد ، وجسده أيضا واحد وهو يضُّمُ كل المؤمنين المتحّدين به كأغصان. وهكذا تتحَّولُ شفاعةُ المؤمنين الى تحقيق وتجسيدِ شفاعة المسيح التي لا تُحَّدَدْ ولا تقاس ،لا تقُّلُ ولا تكثر، لا تُنافَس ولا تزول. القديسون ينالون كسَواق ٍمن نبع بحرِ المسيح الذي لا ينضب.