تنتقلُ الدورةُ الطقسيةُ مع أحد القيامة إلى سابوعٍ جديد، هو سابوعُ ” ܩܝܵܡܬܵܐ قْيَامْـتا “. نتأملُ فيها حقيقةَ قيامة المسيح وتداعياتِها ومتطَّلباتِها. نحاولُ أن ندخلَ إلى دائرةِ أنوارِها فننيرَ بها حياتَنا، ثم نشهدَ لها في الكون. القيامة تعني : “حياة جديدة ” مُختلفة عن السابقة. فتدعونا الصلاة حصرًا الى”حياةٍ جديدة ” في المسيح ومعه. لقد تضامن المسيح مع الأنسانِ الخاطيء، فماتَ تكفيرًا وتعويضًا عن خطاياه. أطاع الله، شخصيًّا وبآسم البشرية كلِّها، بدلاً من إتّباعِ شهوةِ راحتِه. بهذا صَلبَ في جسدِه خطيئةَ الأنسان، رغبتَه في عِصيان مشيئة الله. وقَوَّمَ بذلك إنحرافَ إرادتِه المَيَّالة الى الشَّر. وعَلَّمه كيفَ يُحِّبُ الله والخيرَ، ويسمعُ كلامَه و يتقَّيَدُ بوصاياهُ بثقةٍ وآطمِئنان.
لمَّا قام المسيح أقامَ معه الأنسان الى أفراح حياةٍ جديدة. القيامة يومُ الرب بآمتياز. يوم نعمةٍ وفرح. خلقَ الله الأنسان من جديد. وضع فيه روحَه القدوس، روحَ الأستقامة. جَدَّدَ فيه قلبَه، نَقّأهُ من الدنس والسوء. أعادَ المسيحُ بذلك للأنسان كرامتَه وبراءَته، مُعطيًا كلَّ واحدٍ فرصةَ الإختيار، مُضيفًا إليها قوَّة الأنتصار.
إن كان الأنسان، في خِلقتِه الأولى، مُغَّلَفًا في ذاتِه إلا إنَّ اللهَ فتح آفاقَه، بالقيامة، أمام حلول روحِه الألهي فيه. “ونفخ فيهم وقال لهم: خذوا الروحَ القدس”. هذا هو الجديد الذي إستَحَّقته
القيامة وسَكبَتْه بفيض على البشرية. كانت دعوةُ الأنسان منذ خَلقِه أن يكون نديمًا لله وجليسًا في مجدِه. خسر تلك النعمة بفعلةِ فاعل جَرَّه الى التمَّرُد. وبفعلةِ فاعلٍ آخر دفعَ دينَه ومَزَّقَ صَكَّ قيدِه فعادَ الى مجده. في آدم خسر الأنسان، وفي المسيح ربحَ.” زلَّةُ إنسان واحد جَرَّتْ الهلاكَ على جميع الناس. كذلك بِرُّ إنسانٍ واحد وهبَ جميعَ الناس الحياة “. لقد زال ضلالُ الفساد وأشرقَ نورُ الحَّق والحياة. فـ” قومي وآستنيري (يا نفسُ) فقد وافى نورُك، وضياءُ الرَّب أشرق عليكِ”. لقد إنقشع ظلام الجهلِ وآرتفعَ ضياءُ العقلِ. كانت ” معرفتنا ناقصة و نبوءَتُنا ناقصة، فجاءَ الكاملُ وزال الناقصُ”.
في البدءِ إرتفعتْ الخطيئة. في الصلبِ والقيامة إنكسرت شوكتُها. علَّقَ المسيح الخطيئة على الصليب وآحتقَرَها، وغفر للصالبين. الحُّبُ آنتصر. ولمَّا قام إندحرَ الموتُ وآنهزمَ الشَّرير. الحياةُ آنتعشت. وتقَوَّى الناسُ بآنتصار المسيح، أخيهم البكر، وبمجدِه وسيادتِه، ما لا يعلوها لا مجدٌ ولا سُلطان. لقد إنحَّلَتْ قُوَّةُ الشَّر. وتحَرَّرَ الإنسان من قبضتِه. ” كان مائتًا فعاش، و ضّالاً فوُجِد”. عاد الأبنُ ولبسَ حُلَّةً أبهى وأفخر من الأولى، وخاتمًا أثمن وفرحًا أشَدَّ. فقد تدَّفقت فيه الحياةُ من جديد وأزهرَت فأثمَرَتْ.
بالمعمودية نغرقُ في بحر الخطيئة ، ونُدفَنُ في قبرِ مياهِها، ثم نقومُ أحياءَ مع المسيح وأبناءَ لله. هذا الأمل المُبهِج صنعته القيامة وضمنته بكفالة المسيح. نحملُ هذا الرجاء، ونبُثُّه في الكون، صارخين ملءَ أفواهِنا :” المسيحُ قام ! حَقًّا قـــام “.